شخصيات

بقلم
التحرير الإصلاح
ياسر عرفات الشهيد القائد
 هو صاحب المقولة الشهيرة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة: «إنني جئتكم بغصن الزيتون في يدي والبندقية في اليد الأخرى، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي.. الحرب تندلع من فلسطين والسلم يبدأ من فلسطين».وهو شخصية فلسطينيّة هامّة تركت بصمتها واضحة في مسيرة النضال الفلسطيني وأحد الرموز التاريخيّة  المؤثرة في الصراع الفلسطيني الإسرائلي. يُعرف «محمد عبد الرؤوف عرفات القدوة الحسيني» لدى العامّة والخاصّة باسم «ياسر عرفات» وبكنية «أبي عمار». وهو رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية المنتخب في عام 1996. وقد ترأس منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1969 كثالث شخص يتقلد هذا المنصب منذ تأسيسها على يد أحمد الشقيري عام 1964، وهو القائد العام لحركة فتح أكبر الحركات داخل المنظمة .
ولد «عرفات» في القاهرة لأسرة فلسطينية في 24 أوت 1929. قضى مراحل طفولته في القاهرة. وعندما توفيت والدته وهو في الرابعة من عمره أرسله والده إلى القدس، حيث استقر-- عند أقارب أمه في حارة المغاربة وهناك بدأ وعيه يتفتح على أحداث ثورة 1936.وفي عام 1937 عاد مرة أخرى إلى القاهرة ليعيش مع عائلته، وفي سن السابعة عشرة من عمره التحق بكلية الهندسة ليتخرج منها سنة 1950 مهندسا مدنيّا ويعمل بعدها في إحدى الشركات المصريّة. وفي أثناء حرب 1948 ترك عرفات الجامعة، وذهب إلى فلسطين مع غيره من العرب لمحاربة إسرائيل. فقاتل بجانب الفدائيين الفلسطينيين وجماعة الإخوان المسلمين ثمّ انضم إلى الجيش المصري في حربه الرئيسية في غزة. واشترك إلى جانب الجيش المصري في صدّ العدوان الثلاثي عام 1956.
انتقل ياسر عرفات إلى الكويت للعمل والتقى هناك بثلّة من الفلسطينيين من بينهم عضوان فلسطينيان من جماعة الأخوان المسلمين في مصر، وهما صلاح خلف «أبو اياد»، والثاني خليل الوزير«أبو جهاد» ليؤسسوا حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح»، وأصدروا مجلة «فلسطيننا» لتعبر عن هموم القضية الفلسطينية، وقد حاول «عرفات» إكساب هذه الحركة صفة شرعية فاتصل بالقيادات العربية للاعتراف بها ودعمها، ونجح بالفعل في ذلك فأسس أول مكتب للحركة في الجزائر عام 1965 مارس عبره نشاطا دبلوماسيا. 
برز اسم الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات بقوة عام 1967 حينما قاد «فتح» في القيام ببعض العمليات الفدائية ضد إسرائيل عقب عدوان 1967 انطلاقاً من الأراضي الأردنية. لكنّ الاشتباكات التي وقعت بين قوات المقاومة والجيش الأردني عام 1970 والتي أسفرت عن سقوط عدد كبير من الضحايا من كلا الجانبين فيما عرف بأحداث «أيلول الأسود» فرضت على المقاومة الفلسطينية الرحيل من الأردن لتحط الرحال في الأراضي اللبنانية. ونتيجة للعمليات النوعية التي نفذها الفدائيون الفلسطينيّون انطلاقا من لبنان،شنت إسرائيل هجمات عنيفة على قواعدهم في الفترة بين عامي 1978 و1982، حيث دمرت عام 1978 بعض قواعد المقاومة وأقامت شريطاً حدودياً بعمق يتراوح بين أربعة وستة كيلومترات أطلقت عليه اسم الحزام الأمني. ثم كان الاجتياح الكبير الذي احتلت به ثاني عاصمة عربية بعد القدس ودمرت أجزاء كبيرة من بيروت عام 1982، وفرض حصار لمدة عشرة أسابيع على المقاومة الفلسطينية، واضطر ياسر عرفات للموافقة على الخروج من لبنان تحت الحماية الدولية في اتجاه تونس بعيدا عن خطوط التماس، وبالرغم من بعد المسافة بين تونس والأراضي الفلسطينية إلا أن يد جهاز الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) طالت أبرز العناصر الفاعلة في المنظمة، إذ اغتيل خليل الوزير (أبو جهاد) وصلاح خلف (أبو إياد). وتميزت تلك الفترة بمحاولات عرفات الدؤوبة للمحافظة على وحدة منظمة التحرير الفلسطينية التي ترأسها منذ عام 1969.
كان العقد بين عام 1982 و 1992 كما يبدو هو سنوات الانحسار الأعمق في قيادة عرفات، وذلك رغم اندلاع الانتفاضة في نهاية عام 1987. بدأ الانحسار منذ طرده من بيروت، واستمر في مجزرة صبرا وشاتيلا، والتقويض الذي لا ينتهي لقيادته لمنظمة التحرير الفلسطينية من قبل فصائل منافسة والصراع مع الرئيس السوري حافظ الأسد. في نهاية المطاف، وجد عرفات نفسه في حرب الخليج عام 1991 كمؤيد معزول لصدام حسين، وكانت مكانة منظمة التحرير الفلسطينية في الساحة الدولية منخفضة أكثر من أي وقت مضى. تفطّن «عرفات» إلى التغيّر الحاصل في السّاحة الدولية فقبل بمبدإ التفاوض وشرع في سلسلة من المفاوضات مع إسرائيل انطلاقا من  مؤتمر مدريد 1991، واتفاقية أوسلو عام 1993، و«اتفاق القاهرة» لتنفيذ الحكم الذاتي الفلسطيني في غزة وأريحا الذي عاد بموجبه «عرفات» إلى غزة رئيسا للسلطة الوطنية الفلسطينية بعد 27 عاما قضاها في المنفى. وقد أدان بعض الإسلامين واليسارين في منظمة التحرير الفلسطينية التنازلات التي قدمت للحكومة الإسرائيلية، وأصبحوا من المعارضة. وفي عام 1994 مُنحت جائزة نوبل للسلام لياسر عرفات، وإسحاق رابين، وشمعون بيريز بسبب مفاوضات أوسلو. وفي تلك الأثناء اهتز موقف السلطات الفلسطينية بسبب طلب نزع سلاح حركات المقاومة وعلى رأها حماس. ثم جرت مباحثات كامب ديفيد الثانية في سنة 2000، وانتهت بالفشل لعدم التوصل إلى حل لمشكلة القدس وبعض القضايا الأخرى.
وعلى إثر رفض «عرفات» للمقترحات الأميركية التي تضمنت التنازل عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وتحويل القدس إلى مدينة مفتوحة فيها عاصمتان واحدة لليهود والأخرى للفلسطينيين وبعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينيّة التي خلّفت أكثر من ألف شهيد فلسطيني و300 قتيل صهيوني، ساءت علاقة «أبو عمار» بالولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل التي قامت بمحاصرته داخل مقره في رام الله. وفي 11 نوفمبر 2004 توفي «ياسر عرفات» بباريس عن عمر جاوز 75 عاما بعد مرض ألمّ به أثناء حصاره وأدخله في غيبوبة.