في الصميم

بقلم
حسن الجمني
تعلّم وتعليم اللّغات والعلوم بالمسرح،
 توطئة:
يهدف تدريس اللّغة العربيّة بالمرحلة الأولى من التّعليم الأساسي إلى أن « يحذق المتعلّمون استعمال اللّغة عبر معالجة المقروء وتوظيف أدوات التّواصل الشّفوي والكتابي»(1). وهو هدف قد يساهم المسرح المدرسي في تحقيقه إن استخدم وفق استراتيجيّة تقوم على مسرحة النّصوص المكتوبة باللّغة العربيّة الفصحى والمتوفّرة بالكتب المدرسيّة المعتمدة رسميّا بالمدارس الابتدائيّة.
وقد أشارت توجيهات وزارة التّربية إلى أهمّيّة المسرح المدرسي منذ القديم. فقد جاء دليل التّنشيط المسرحي الصّادر عن وزارة التربية والتكوين (1997) مؤكّدا على أنّ التنشيط المسرحي داخل المدارس الابتدائية يهدف إلى «تنمية شخصيّة التّلميذ والمساهمة في إعداده لإدراك ذاته والعالم من حوله، وتمكين التّلميذ من اكتشاف قدراته التّعبيريّة وصقل مواهبه وتفجير ملكات الإبداع لديه...» (2).
إلاّ أنّ ما لوحظ عند زيارة الكثير من المدرّسين المكلّفين بحصص التّنشيط الثّقافي في المدارس الابتدائيّة والتي تتّخذ «المسرح المدرسي» مادّة لها يجد أنّ:
* يعتمد جلّ المدرّسين نصوصا مكتوبة باللّغة العامّية بعلّة أن «لا تكون اللّغة حاجزا أمام عمل التّلميذ»، وهو تعليل قديم يذكره المدرّسون منذ السّتينات من القرن العشرين (3).
* يستخدم جلّ المدرسين القائمين على تنشيط تلك الحصص اللغة العامّية في التّواصل مع المتعلّمين.
* أغلب النصوص المعتمدة لا علاقة لها بالمدارات المقررة بالبرامج الرسمية(4).
* بعض النّصوص المكتوبة باللّغة العربيّة هي نصوص جاهزة و/أو مترجمة بلغة غير مناسبة للرّصيد اللّغوي المستهدف.
* يحمل عدد كبير من المدرّسين تصوّرات سلبيّة تجاه التّمثيل وحصص التّنشيط الثّقافي ممّا جعل هذا التّدخل الثّقافي نشاطا هامشيّا يتحوّل فيه التّنشيط المسرحي ساعة فراغ ويتحوّل المدرّس المنشّط إلى مراقب لحصّة مراجعة تعليميّة. 
ولقد دفعتني هذه الملاحظات إلى النظر في حاجة المدرّسين إلى استخدام المسرح المدرسي في إطار المقاربات البيداغوجيّة الجديدة والسّعي وراء أشكال جديدة للعمل المدرسي. 
(Ι) حاجة المدرّسين والمتعلّمين إلى المسرح المدرسي 
كوسيلة ضمن المقاربات البيداغوجية الحديثة:
ينمّ كلّ ما ذكر من إهمال للمسرح المدرسي كوسيلة تعليميّة عن جهل لدى كثير من المدرّسين بما تطلبه المقاربات البيداغوجيّة الحديثة التي تنادي بها المنظومة التّربوية وروّاد الإصلاح التّربوي.
ذلك أنّ المقاربات الجديدة للتّعليم والتعلّم، تعطي أهمّية للمتعلّم فتجعله محور العمليّة التّعليمية، وهوما يجعل دور المدرّس يختلف كلّ الاختلاف عن دوره في التّعليم التّقليدي الذي يعطى أهمّية للمعلّم ومادّة التّعليم. أمّا دور المدرّس في المقاربات الجديدة (المقاربة بالكفايات/ المقاربة التواصلية/ المقاربة الإدماجية أو بالمنهاج، إلخ) فنلخصه فيما يلي:
- يحدّد البيداغوجيا التي تجعل المتعلّم محور العمليّة التّعليمية-التعلّمية، وذلك بجعله يقوم بأنشطة ذات معنى بالنّسبة إليه ، وبإنجاز المشاريع وحلّ المشكلات، ويتمّ ذلك إمّا فرديّا أو جماعيّا.
- يقوم بتحفيز المتعلّمين على العمل وفق طريقة التّعليم النّشط، قصد توليد الدّافع للتّعلم والانجاز، وذلك بتكليفه بمهمّة تناسب وتيرة عمله، وتتماشى وميوله، واهتمامه. 
- يقوم بالتدريب على المهارات والمساعدة على اكتساب الاتجاهات، الميول والسلوك الجديد، إلى جانب المعارف العلميّة واللّغوية وغيرها، وهو ما يستوجب منه العمل على تنمية قدرات المتعلّم المختلفة: (المعرفيّة، الوجدانيّة، الحركيّة والاجتماعيّة). وقد تتحقّق هذه العمليّة إمّا منفردة أو متجمّعة.
- يعطي أهمية للمضامين العلمية، أو ما يسمّى بمجال تعلّم الكفاية بإدراجها في إطار ما ينجزه المتعلّم لتنمية كفاياته في المجالات الأربعة، كما هو الحال أثناء إنجاز المشروع.
- يأخذ في اعتباره الفروق الفرديّة، ويركّز على نشاط المتعلّم في العمليّة التّعليمية – التّعلّمية. وعليه أن يربط التّعليم بحياة المتعلّم، من خلال تثمين المعارف المدرسيّة بجعلها قابلة للاستعمال في مختلف مواقف الحياة من خلال تحويل المعرفة العلميّة إلى معرفة نافعة.
- يعمل على جعل المتعلّم يتعلّم عن طريق الممارسة الذّاتية، بتوجيهه إلى اكتشاف أحكام المادّة التّعليمة، وتشريكه في مسؤوليّة قيادة وتنفيذ عمليّة التعلّم.
-  يخطّط لوضعيات وأنشطة التعلّم، يصمّم مخطّطات إنجاز المشاريع لتحقيق الكفايات المستهدفة. ويعمل على أن تكون وضعيات التعلّم ذات صلة بالحياة اليوميّة في صيغة مشكلات ترمي عملية التعلّم إلى حلّها بتوظيف القدرات العقليّة، أو نصوص مسرحيّة تعالج قضايا من الحياة اليوميّة تضمن التّحفيز (الرّغبة والتّشويق) وتضمن دمج المواد وتملّك المفاهيم.
-  يساعد المتعلّم في عمليّة التّقويم الذّاتي، حتّى يتمكّن هذا الأخير من تعديل مفاهيمه السّابقة واكتساب طريقة علميّة لحلّ المشاكل التي يمكنها أن تصادفه في حياته اليوميّة.
ولمعالجة كلّ هذه النّقائص التي تعيق تحسّن مخرجات مؤسّساتنا التّعليمية وجب التّفكير في أشكال جديدة للعمل المدرسي: شكل جديد للفضاء ولأساليب التّدريس المستعملة وشكل محفّز على التّعلّم يساهم في صقل شخصيّة الفرد من مختلف جوانبها. 
تغيير شكل الفضاء المدرسي:
يمكن أن لا يقتصر الفضاء المدرسي على توفّر قاعات مستطيلة الشّكل، تشبه أحيانا أقفاص السّجون. فيمكن أن نعتمد قاعات في شكل سداسي تسهل فيها على المتعلّمين حركةُ أجسامهم وأعضائهم، بها مناضــد لا تعيق حركتهم بل تسمح لهم بالتجوال في الفضاء كلّه بأنظارهم وبأجسادهم دون ضنك.
يقتضي تجديد الشّكل المدرسي توفّر فضاء واسع  للعروض المسرحيّة والمباريات الثّقافية بين المتعلّمين. كما يقتضي توفير أركان للمكتبة ترغب المتعلّمين في القراءة والمطالعة وأركان للتّدريب على العمل اليدوي ومخابر للتّجارب العلميّة وحدائق للنّزهة ومتابعة تغيّرات الطّبيعة بمختلف جوانبها.
ولا يؤثر تغيير الشّكل المدرسي من حيث الفضاء دون تطوير أساليب التّدريس.
(ΙΙ) دوافع استراتيجية لاعتماد المسرح المدرسي 
في تعليم العلوم واللّغات:
* البحث عن أساليب عمل جديدة في المدرسة:
أوّل ما يطرحه المشتغل بالتّعليم أسئلة حول مصادر التعلّم وعملياته، من حيث التّخطيط لها وتطويرها واستخدامها وإدارتها وتقويمها. وهي أسئلة تتعلّق بما يسمّى تكنولوجيا التّعليم وأساليبه.
ولئن كان الباحث في صيدلية التّربية يجد العديد من مصادر التعلّم ووسائله وعملياته وأساليبه لمعالجة صعوباته ومشكلاته. بعضها أساليب وتقنيات تقليدية وبعض آخر يعتبر جديدا. إلاّ أنّ جلّها لم تبلغ فاعليته المدى المنشود في المساعدة على حلّ مشاكل التّعليم والتعلّم.  
والأسلوب التّعليمي هو الطّريقة الخاصّة لاستخدام المصادر في مساعدة المتعلّم على تملّك المعارف والمهارات والقيم. وتتكوّن الطريقة من مجموعة إجراءات تقنيّة تعليميّة وإجراءات تسيير محدّدة تميّز أسلوبا عن آخر وتهدف إلى إعداد وتنظيم بيئة التعلّم.
وتشمل الأساليب التّعليميّة الزّيارات الميدانيّة والألعاب التّعليميّة والمحاكاة والعروض والاستجواب والحوار والمحاضرة واستخدام تكنولوجيات المعلومات والاتصال أو توليفات من مختلف الأساليب المذكورة آنفا. لكنّ تلك الأساليب لا تكون فعّالة غالبا إلاّ في حصص التعلّم الاستكشافي أو حصص التّدريب على الآليات، وهو ما يعرف بالتعلّم المنهجي وتصلح في حصص التّقييم. وتنقص فعاليتها عند استعمالها في تنشيط حصص التعلّم المدمج.
فالتعلّم الاستكشافي أسلوب تعلّم يتطلّب من الفرد إعادة تنظيم معلوماته وتكييفها بشكل يمكنه من رؤية علاقات جديدة لم تكن معروفة لديه من قبل. فهو تعلّم يحدث كنتيجة لمعالجة التّلميذ للمعلومات وتركيبها وتحويلها حتّى يصل إلى معلومات جديدة باستخدام عمليات الاستقراء أو الاستنباط أو أيّ طريقة أخرى، فيتوصّل إلى أن يذهب أبعد من المعلومات المكتسبة سابقا عبر استعمالها في بناء معلومات جديدة.وهو أحد أساليب التّعلّم القائم على الاستقصاء، كما يعتبر بمثابة منهج تعليمي يعتمد على النّظرية البنائيّة في التّعليم، لكونه مدعوما من قبل منظّرين وعلماء النّفس مثل «سيمور بابيرت» و»بياجيه» و»جيروم برونر».
وينطلق المدرّس خلال حصّة التعلّم الاستكشافي، عادة، من وضعيّة استكشافيّة في شكل مشكل يحوي جزءا يمكن حلّه بتوظيف المعارف السّابقة وفيـه جـزء يقتضـي تعلّم مفاهيــم أو مهارات أو معارف جديــدة. وهي وضعية تختلف عن بناء نصّ مسرحي وتمثيله، وإن كانت قد تأخذ شكل مسرحيّة جاهزة يعرضها المدرّس أمام منظوريه
أمّا حصّة التعلّم المنهجي، أو التّدريب على آليّة، فيعتمد فيها المدرّس على وضعيات تعلّم تتضمّن:
(أ) أنشطة للتعلّم مرفقة بأجهزة بيداغوجيّة تحقّق تدريجيّا كفاية فرعيّة.
(ب) وضعيّات للتّواصل الشّفوي أو الكتابي أو لإجراء عمليات حسابيّة أو تصرّف في أعداد أو توظيف لمفهوم. وهي وضعيات تهدف إلى تدريب المتعلم على آلية مختلف المعارف والمهارات التي تمّ استكشافها سابقا. وتتمثل أنشطة التعلم المنهجي (أو الآلي) في تمارين تطبيقية دقيقة حول تعلم محدّد. فهي مجموعة وضعيات قصيرة للتّدريب المنظّم يقدّمها المدرّس بصورة متدرّجة من حيث الصّعوبة. وهي تعطي المتعلّم فرص التّدرب على القدرات المستهدفة بشكل منهجي. ويكون المتعلّم خلال أنشطة التعلّم الآلي نشيطا وفاعلا لأنّه هو الذي ينجز التّمارين المقترحة بصفة فرديّة.
ولا يمكن للمسرح المدرسي أن يكون فاعلا بالقدر المرضي في مثل هذه الحصص التعليمية-التعلّمية. لكنّه مفيد جدّا في مرحلة التعلّم الاندماجي (أو المدمج). وهو ما سنتعرّض إليه في الجزء الثاني من هذا المقال الذي سيكون حاضرا بحول الله في العدد القادم من المجلّة.
الهوامش والمراجع
(1) وزارة التربية والتكوين،2004 .
(2) وزارة التربية ، إدارة الأنشطة الثقافية( 1997 )، دليل التنشيط المسرحي. المطبعة الرسمية للجمهورية التونسية - تونس 1997
(3) حسب ما صرّح  به أحد المربّين إلى الباحث المسرحي «حمّادي المزّي» خلال سنوات الثّمانين من القرن العشرين (المزّي، حمادي (1985). التنشيط المسرحي المدرسي في تونس. نشر دار الرياح الأربع للنشر. تونس).
(4) جاء بالصفحة «26» من سفر البرامج الرّسميــة للدّرجــة الثّالثــة من التّعليــم الأساســـي الصّــادر في سبتمبر 2004 أنّ مدارات التّعلّم هي« -1 الصحة والرّفاه، -2 المبادرة وبناء المشاريع، -3 المحيط والاستهلاك، -4 وسائل الإعلام والاتصال، -5 العيش معا والمواطنة ».