كتاب الإصلاح

بقلم
التحرير الإصلاح
قراءة في كتاب «حوارات و مقالات في قضايا الثورة والمستقبل و الوسطية و الارهاب» للدكتور حسن بن حسن
 صدر خلال النصف الثاني من شهر أكتوبر 2017 عن «سلسلة كتاب الإصلاح» كتاب جديد تحت عنوان «حوارات ومقالات في قضايا الثورة والمستقبل والوسطية والإرهاب».وهو الكتاب الالكتروني الواحد والعشرون. 
هذا الكتاب هو في الحقيقة مجموعة من مقالات صدرت سابقا للكاتب «حسن بن حسن» حول قضايا المرحلة السّاخنة كالثّورة والإرهاب والوسطيّة، عمل فيها الكاتب على تفكيك شفرة هذه القضايا التي أرّقت ومازالت تؤرّق المهتمّين بالشّأن السّياسي والفكري للأمّة العربيّة الإسلاميّة، مستعينا بعمق رؤيته وعدم انحرافه عن المنهج العلمي الذي يعتمد طرح الأسئلة والبحث في جوانبها المخفيّة قبل المرئيّة عن مؤشّرات ودلائل ملموسة تؤدّي بالقارئ إلى فهم واضح للمسائل وتكوّن لديه رؤية ذات أبعاد منسجمة حول المواضيع المطروحة.
ينطلق الكاتب من استقراء الواقع العالمي عموما والإسلامي خصوصا ليستنتج أنّ هناك أزمة وجوديّة يعيشها الإنسان عامّة وأنّ الحضارة المهيمنة قد فشلت في تحقيق خروج الإنسان من الوضاعة الوجوديّة إلى الكرامة ومن الاستبداد والاستعباد إلى الحرّية. وهو يرى أنّ الظّروف الموضوعيّة تؤشّر لتصنع الفكرة الإسلاميّة اليوم عصرها، وأنّ الزّمن أصبح زمنها في حياة الأمّة خاصّة والإنسانيّة عامّة. إلآّ أنّ مكبلات عديدة ومطبّات صعبة، بعضها ذاتي والبعض الآخر خارجي، تسعى لتأجيل هذا البروز وتعطيل تحقيق ميزة هذه الأمّة المتمثّلة في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر واقعا ملموسا وبالتّالي تأخير ريادتها. ومن بين هذه العراقيل  «بقاء وعي إرادة الإصلاح أسيرا لمنظور دفاعي فقير للذّات وهو ما يتجسّد في تخلّف الفكر الإسلامي عمّا يحبل به واقع الإنسانيّة من إمكانات لتفعيل الحقيقة الرّساليّة للأمّة الإسلاميّـة وعن المهمّــات والأدوار الملموسـة التي يعرضهــا ويهيّئهــا التّاريـخ لهــا وعن إمكانات التّغيير والتّصيير التي يحبل بها الواقع العالمي». 
إنّ «انحشار إرادة الإصلاح في زاوية دلالة سطحيّة لثقافة المقاومة ولفاعليّة الأفكار وللتّوجيه العملي تحوّلت معها العلاقة الفكريّة بالعصر إلى علاقة إنتاج للإيديولوجيا أي للوقود والحطب الفكري للمعركة بصرف النّظر عن العمق أو الأفق» فالنّظام الفكري الذي تتحرّك داخله إرادة الإصلاح حسب الكاتب  «قد أدرك حده وأخرج جلّ مختزناته وأنّه يحتاج إلى تجديد جذري» 
ويرى الكاتب أنّ «الوسطيّة هي الأفق الذي ينبغي أن تتحرّك نحوه الأمّة سواء في علاقة أطرافها ومكوناتها بعضها بالبعض الآخر، أو في علاقة الأمّة مع غيرها من الأمم الأخرى» لأنّ «الوسطيّة هي إمكانيّة تحقّق مختلف مظاهر كرامة الإنسان الوجوديّة داخل منظومة روحيّة واحدة وهذا هو مطلب الإنسانيّة اليوم ولكنّه مطلب عسير دونه مسافات شاقّة من الاجتهاد والتّجديد العلمي والعملي ومن التّبادل الحضاري العميــق لا السّطحي المزيّف» لهذا يدعو إلى ضرورة «عصف فكري» ذاتي بآليّات العصر الحديث الذي نعيشه مستثمرين «قلق الهويّة» عندنا الذي هو «قلق نهوض وانبعاث وقلق تحرير لذاتيتنا الحضاريّة من التّشويهات العنفيّة وقلق الإحساس المحيي بشساعة المسافة بيننا وبين المبادئ المؤسّسة لذاتيتنا الحضاريّة، وهذا القلق يتوفّر على موارد هائلة لاتخاذ طريقه نحو الحلّ المبدع ونحو ارتياد الآفاق الرّحبة ومعانقـة المهـام الكبرى المتمثّلـة في تحرير القوّة الرّوحيّة والمعنويّة للعالم الإسلامي، والتقاط الفرصة الملموسة التي يعرضها التّاريخ لأداء دور عالمي، وتفعيل المختزنات الحضاريّة للأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر «ذلك أنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر تجسيد عمليّ رساليّ للوسطيّة الأساسـيّة، فأفضل المعروف هو ترجمة الكرامة الأساسيّة للإنسان الى كرامة تاريخيّة وأسوأ المنكر هو تمزيق كينونته ومسخ فطرته والمعروف - هو باستمرار- حدّ وسط بين طرفي إفراط وتفريط كما أنّ المنكر ميل- يزيد وينقص- عن حدّ الوسط» .
غير أنّ استعادة الدّور الحضاري للمسلمين بما يعنيه من تأطير لتطلّعات الإنسانيّة وللحاجة الكونيّة المصيريّة للعدل و الكرامة، مهمّة عسيرة دونها شوك القتاد، فهي تتطلّب الاجتهاد العميق في فهم العصر ودورنا فيه، وهي تتطلّب التّمايز الفكري والعملي الصّارم عن كلّ التّعبيرات المشوّهة والمريضة عن الإسلام، وعلى رأسها التّنظيم المشبوه نشأة وهيكلا وفكرا ، أي «داعش» الذي برز فجأة تحت مسمّى إسلامي، ليكون خنجرا مسموما في جسد الأمّة وأداة قويّة لتشويه الإسلام كبناء فكري عقائدي يدعو إلى الوسطيّة وإلى «الدّخول في السّلم كافّة». لهذا اهتمّ الكاتب بهذا التّنظيم المشبوه وحاول من خلال الفصلين الأخيرين من الكتاب أن يسلّط الضوء على أسباب نشأة هذا التّنظيم ومن يقف وراءه ومخاطره وكيفيّة تسويقه لذاته وبناء كيانه.
لقد صنعت الأيادي الخفيّة هذا الكيان مباشرة بعـد أن تفتّحـت وردة في بستان الحرّية في العالم العربي الإسلاميّ مـن خـلال الثّـورة التونسيّـة التي كانت بمثابة الشّرارة التي اندلعت منها نيران «التحرّر» من قيود الاستبداد السّياسي والثّقافي المهيمن على الأمّة قرونــا عديــدة. ولقد اهتمّ الكاتـب في الفصل الأول من الكتاب بالثّورة التّونسيّة من خـلال حــوار أجــراه مع إحدى المجلّات المغربيّة محلّلا أسبابها وظروف اندلاعها وفجئيتها، مبيّنا أنّها حدثت فجأة ككلّ الثّورات لكنّها كانت نتيجة تحرّك الواقع منذ زمن طويل إلى الخلف، حتّى وصل الانحطاط فيه إلى درجة غير محتملة وهيمن الفساد على مجالات الحياة وانتشر الظّلم والتعدّي على حقوق النّاس. فبلغ فيه الكبت منتهاه فكان «بنزين الثّورة في كلّ مكان ولم يكن يحتـاج إلاّ الى عود ثقـاب ليلتهب، وحرق البوعزيـزي لنفســه رحمه اللّه كان هذا العود».
قدّم الكاتب في هذا الحوار مقارنة بين الثّورة التّونسيّة والثّورة الفرنسيّة وعمل على استخراج الدّروس التي يجب أن تستخلصها الأنظمة العربيّة والاستفادة التي يمكن أن تحصل عليها الحركات السياسيّة والفكريّــة في البلاد سواء كانت اسلاميّة أو علمانيّة مقدّما في الآن نفســه الوصفـة التي يمكن من خلالها المحافظة على هذه الثّورة.
إنّ أهم ما يشدّك في كتابات الدّكتور «حسن بن حسن» هو الأمل الذي يبعثه فيك وأنت تحاول أن تبحث فيها عن جواب لسؤال أرّق الجميــع: «ما الذي يحصل لأمّتنا؟ وكيف السّبيل إلى الخروج من هذا الوضع الكارثي؟ وهــل ما يحصل اليوم هو إعلان عن نهاية الثّورة والعودة من جديد إلى المربّع الأول الذي يحرس الإرهاب والاستبداد والتّخلف والتّبعيّة زواياه  أمّ أنّ قطار التّغيير قد انطلق ولن يتوقّف إلاّ في محطّة تكون فيها الأمّة الإسلاميّة رائدة وقادرة على تنفيذ مهامها الإنسانية المتمثّلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.