من القلب

بقلم
د.محمد كشكار
أسئلةٌ-أشواكٌ على الطريق: مَن نكون نحن العرب المسلمين في هذا الحاضر العالمي؟
 نسأل مَن نكون نحن العرب المسلمين في هذا الحاضر العالمي، لا لنكتشف مَن نحن ونكتفي بل لنرفض مَن نحن (أسئلة فلسفية مستوحاة من عمر بن بوجليدة، الحداثة واستبعاد الآخر، 2013). ماذا يحدث اليوم في الدول العربيّـة المسلمــة؟ تحدث فوضــى هدّامــة (Le chaos dévastateur)، فوضى واضحة للعيان ولا تحتاج إلى برهان، حروب أهليّة قائمة في بعضها ومحتملة في البقيّة. 
ومَن نكون نحن العرب المسلمين في هذا الحاضر العالمي؟ نحن للأسف ورثة الحضارة العربية الإسلامية بعد أن كفّت عن المراوحة بين أصليها ألمؤسسَين، الأصل الأثيني والأصل المكّي (عمر بن بوجليدة، العرب ومسألة التنوير، 2016). في زمن الأنوار العربي الإسلامي (الكندي، الجاحظ، ابن سينا، ابن رشد وغيرهم) كانت حضارتنا تتقدم على ساقين، الدين الإسلامي والفلسفة الإغريقية. نحن أوّل أمّة وآخر أمّة تكتشف الفلسفة الإغريقيّة مبكرًا (بداية القرن التاسع الميلادي مع الخليفة العباسي المعتزلي المأمون) وتتخلى عنها مبكرًا (وفاة آخر فيلسوف عقلاني عربي مع نهاية القرن الثاني عشر).
هل اكتشفنا اليوم مَن نحنُ؟ الجواب بالنّفي طبعًا! اكتشفنا «نحن» التي ليست في الواقع نحن. على العكس اكتشفنا صورةً في المرآة ليست صورتنا، فتوهّمنا أنّها صورتنا وعشقناها. جميلةٌ هي والله، صورة المسلم التّقي الذي يخاف ربّه ويحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه. حتّى أنا - المسلم، صوفي الإيمان، غير المتبحّر في الدّين، لا شكلاً ولا مضمونًا - أحببتُ هذه الصّورة المثالية الوهميّة بل بصدقٍ عشقتها. مرآتُنا مجمّلةٌ لا مشوِّهةً، لا مقعّرة ولا محدّبة، لا شرقيّة ولا غربيّة، مرآتنا ليست بمرآة عاديّة، مرآتنا لم تعكس لنا صورتنا الواقعيّة في القرن 21، مرآتنا ليست مصنوعة من بلور عاكس بل مصنوعة من القرآن الكريم والسّيرة النّبوية الشّريفة. لو أصررتم على أنّها مرآةٌ فهي مرآةٌ لا تعكس إلاّ صورة محمد وأخلاق محمد وأين نحن من محمد وأخلاق محمد صلى الله عليه وسلم؟
ينتقدنا الغربُ بما في واقعنا، فنتفاخر عليه بما في محمد وليس فينا ولم يكُ يومًا فينا. هل طبقنا فعليًّا، الزّكاة والصّدقة وحقّ المرأة في الإرث وحقّ الإنسان في الحياة وحرّية المعتقد واحترام الأقليّات، إلخ..؟ نحن اليوم نفعل العكس تمامًا في الواقع. واقعنا الذي نتفصّى منه ولا ننظر له مباشرة كما يدعونا العلم بل ننظر إليه من خلال كتبٍ جميلة، فنراه جميلا وهو أقبح ما في العالَم، شِركٌ في ثوب إيمانٍ داعشيّ، رشوةٌ، فسادٌ، تكاسلٌ، كذبٌ، جبنٌ، ذلٌ، خيانةٌ، تخلفٌ، وسخٌ، تسوّلٌ، قتلٌ وتقتيلٌ، وتعدّ صارخٌ على حقوق الأقليّات الدّينية، إلخ.
لم نكتشف أنفسنا على حقيقتها فكيف يَطلبُ منا الفيلسوف «فوكو» أن نرفض ما لم نكتشفه بعدُ؟
يبدو لي - والله أعلم - أنّنا شعب المعوقين ولسنا «شعب الجبّارين» كما يحلو لعرفات ترديد هذه العبارة الجوفاء. منذ حوالي ثمانية قرون، بترنا ساقًا (الفلسفة العقلانيّة) فتورّمت الأخرى من الوقوف والتّوقف (الإنتاج الغزير في علوم الدّين وكأنّ الإنسان لا يتغذّى إلاّ بالدّين ولا يتطوّر إلاّ بالدّين). نحن إذن - ومنذ حرقنا كتب ابن رشد - نقف على ساقٍ واحدة (الدّين الإسلامي) ونرفض السّاق الصّناعية (الفلسفة العقلانيّة) الممدودة لكلّ مَن يعشق الحياة ويكره الموت، لكلّ من يحبّ الجمال والفنّ ويحتفي بهما ويبرزهما ويمجّدهما ولا يعتبرهما عورة وحرام. نحن معوقون عضويّا والإعاقة العضويّة غالبًا ما تؤثر سلبًا على الذّهن. نحن مَن تنكر لأفضال الفلسفة اليونانيّة علينا (الاكتشافات العلميّة المبكّرة في الرّياضيات والفلك والطّب) وحاربها بضراوة ولا زلنا نقاومها بعقليّة التّعالي المتعصّب بعد أن آمن بنجاعتها جلّ شعوب العالم بمختلف حضاراتهم، تقدّموا هم وتخلّفنا نحن.
خاتمة:
نحن قمنا بقطيعة إبستمولوجيّة في الاتجاه الخطأ عكس ما فعل «ديكارت»، هو ألغى السّكولاستية والنّقل منذ القرن 16م واحتفظ بالعقلانيّة، أمّا نحن فألغينا الفلسفة العقلانيّة منذ القرن 12م واحتفظنا إلى اليوم بالسّكولاستية والنقل. 
عندي أملٌ كبيرٌ أنّه سيأتي يومٌ نكتشف فيه مَن نحنُ، وحتمًا سوف نرفض مَن نحن ونثور على مَن نحن، وإلاّ انقرضت حضارتنا العربيّة الإسلاميّة كما انقرضت من قبلها حضارات عظيمة مثل البابليّة والفرعونيّة والإغريقيّة.