تمتمات

بقلم
رفيق الشاهد
أنوار قد تنطفئ
 تبقى «باريس» رغم الغيوم التي تغشاها من حين لآخر مدينة الأنوار. ولكن عن أيّ من الأنوار نتحدّث؟ عن النّور الذي قُذِف في قلب الغزالي؟ أم النّور الذي يصيب العين لتبصر؟ أم أنّها تلك الأنوار الضّوئيّة بنمنماتها وألوانها والزّخارف الجميلة، كلّها تثير دهشة الكبير والصّغير وتستهوي الزّوار وتغريهم، فيتوافدون عليها قبلة في موسم رأس كلّ سنة ميلادية. أم عن أنوار أخرى أحرى بنا أن نتحدّث، فتحت العقول وأنارت السّبل؟
«باريس» مدينة الأرقام القياسيّة في عدد زوّار «برج إيفل» و«الإليزيه» و«اللوفر»، اجتذبت اليوم وجلبت حولها أنشطة تجاريّة جديدة لتنمية سياحة من صنف ثان لا تخصّ الزّوار الذين يحجزون عن بعد في فنادق ضخمة لعشاء فخم في الطّوابق العلويّة للبرج وللتّسلي في كباريهات المطحنة الحمراء وغيرها. استدرجت «باريس» كذلك ومنذ عقود بما توفّره من رفاه لذويها، عددا كبيرا من المتشرّدين من ضحايا الأزمات الاقتصاديّة والاجتماعيّة بالبلدان المجاورة وحتّى البعيدة ركبوا أحلامهم وصارعوا أهوال البحر ليجدوا أنفسهم مخيّرين بين التسوّل لضمان البقاء أو الرّجوع من حيث أتوا مكرهين دون إرادة. 
لم أدر كيف وكم أتمنّى أن أكون مخطئا. هل يزداد يقيني في كلّ زيارة لفرنسا ولباريس خصوصا أنّ المجتمع الباريسي منقسم إلى فرنسي- فرنسي وفرنسي-أجنبي؟ لا يؤكّد إحساسي ولا يقيني إلاّ تعداد العملة في قطاعات الخدمات والأعمال  المجهِدة من صنف التّنفيذ، إضافة إلى شريحة هامّة آمنوا بحقّهم في العمل واختاروا الاعتماد على أنفسهم، باعة متجوّلين أو منتصِبين على قارعة الطّريق، فاحتلوا الأرصفة والسّاحات العموميّة. لا يهمّهم إن خالفوا الذّوق العام والتّراتيب المحافِظة عليه باسم الكرامة والحقّ في الحياة. 
نعم لا يهم إن خالفوا الذّوق العام طالما سمحت السّلطة المحافِظة على النّظام العام أن يتطوّر الذّوق الجماعي ويتأقلم مع الأوضاع الجديدة باعتماد التّعديل من أسفل. لا ضرر من أجل تشجيع السّياحة الباريسيّة من تمتيع السّياح من رحلة  على دراجة ثلاثيّة العجلات يجرّها، لا عفوا، يدير عجلاتها بما أوتي من قوّة فرنسي متشبّث بجنسيته بأسنانه ومخالبه، ولِما لا شابّة جميلة تزيد الرّحلة رونقا وإمتاعا. زيارة سياحيّة بيئيّة عبر الإليزيه لقوس النصر وبرج إيفل وكلّ المعالم الثّقافية إلى حدّ النّصب التّذكاري لحقوق الإنسان وكلّ ذلك تحت أنظار «لافيات» و«فولتير» و«جون جُوريس» و«راسين» و«لامارتين» و«دوديه» وغيرهم أعلام الأنوار التي تستحقّ الذكر ويؤسف عليهم.