التدوينة

بقلم
محمد الصالح ضاوي
خدمة الناس أولا...لا خدمة الرموز
 دائما يحضرني المثال التركي في التعامل مع الرموز الإسلامية. السيد أردوغان بعث بابنته للدراسة في الولايات المتحدة لأن الجامعات التركية تمنع الحجاب.... وهو رئيس وزراء والحكم بيده... وبعد 17 سنة استطاع تغيير القانون وتمكين المحجبة من الدراسة في جامعات تركيا... 17 سنة انتظار ليتهيأ الوضع....
بالمقابل: سقط إخوان مصر في الفخ منذ اليوم الأول من حكمهم، وأباحوا للسلفيين المتحالفين معهم، والذين غدروا بهم فيما بعد، بفتح معارك هامشية ضد التصوف والموالد والرموز الإسلامية... مما عجل بسقوطهم، بل وشوّه التجربة المحسوبة على الإسلام. واليوم لا نتذكر من حكم الإخوان في مصر إلا السلبيات والأخطاء...طبعا، ليسوا هم سبب كل الكوارث، ولكنهم يتحملون الوزر الكبير...
وفي تونس، اهتم الإسلاميون كثيرا بالرموز الإسلامية في وقت كانت البلاد بحاجة إلى مبادرات وأفكار إصلاحية في الاقتصاد والسياسة والتعليم والإعلام والثقافة... وتراهم إلى اليوم، يردّون الفعل على كل استفزاز شعائري ورمزي، ويخفت صوتهم في مواضع أخرى بدعوى التوافق...كم أتمنى أن أجد جوابا يشفي غليلي: لماذا يصمون آذانهم عن النصيحة، ويستبعدون كل مفكر وصاحب مبادرات، ويعادون الإصلاح؟؟؟ والسؤال موجه إلى القيادات والقواعد... ونصيب القواعد كبير..
وفي الجزائر، كان لانتشار الرموز الدينية في إطار الصحوة الإسلامية في الثمانينات من القرن الماضي، مع ما صاحب ذلك من غزو الوهابية للبلاد، أثر في حصر الدين في القميص واللحية والنقاب، والحكم على الناس من خلال تلك المظاهر الاجتماعية.. وبالتالي إهمال للأخلاق والآداب الإسلامية وتغييب الروح المحمدية، حتى استسهل إراقة الدماء باسم الإسلام.
ويكفي أن تقوم بجولة عبر الأحزاب المنتسبة للمرجعية الدينية الإسلامية، لتجد عندها بضاعة موروثة من زمن الصحوة، كلها شعارات واهمة عن الإسلام والسياسة والواقع... كايديولوجيا لتحريك الجماهير، التي تعتبر في عرف هؤلاء المخزون الاستراتيجي للحملات الانتخابية...
ومن الغريب الواقع في بلاد العرب والإسلام، أن تجد الأحزاب الإسلامية الحاكمة أو التي حكمت أو المشاركة في الحكم، تتنازل عن شعاراتها التي رفعتها لعشرات السنين أمام اكراهات السياسة والواقع، لتجد نفسها في مربع السلطة العربية التي حاربتها وتأسست شرعيتها على محاربتها... فما فعلته السلطة العربية يعتبر خيانة واستبدادا وحكما غير شرعي، وما تفعله الجماعات الإسلامية اليوم، يصبح حكمة وتنورا وسياسة وتطلّعا لأفق أرحب... ولا فرق بين الإثنين...
وهنا تصدق الأدبيات النقدية للإخوان، التي ترى أن الجماعات الإخوانية تنظيمات تأسست على مفهوم الجماعة وليس على مفهوم الوطن، وأن منتوجها لا يمكن أن يخرج عن مدونة الفقه، وتقسيمات الحلال والحرام والإيمان والكفر، وبالتالي، يسهل التلاعب بها في حقل غير مؤهلة للعب فيه، وهو حقل السياسة... فبمجرد الولوج إلى تجربة الحكم، تنقشع السحابة، وينكشف المستور، وتظهر الحقيقة عارية... مجرد رغبات سلطوية، مثل غرائز الآخرين... لا فرق إلا في الشعائر والرموز والديباجة... وسلاح التبرير هو المشهور في وجوه الناس.
من أجل ذلك، اختار كثير من المواطنين المعتزين بدينهم والممارسين لشعائرهم، النظام العلماني بما يتيحه من حرية للأديان والمذاهب، على نظام يقيد الناس ويسجنهم باسم الإسلام... في انتظار تجربة تفقه الأولويات والواقع، وتبجل خدمة الناس على خدمة الرموز، وتعلي الفكر وتكرس ثقافة الإصلاح ومقاومة الفساد، والوعي المرتبط بالوطن، الجامع لكل الناس...مع التمسك بالآداب والأخلاق في نموذج نبوي، يستعيد لحظة الوحي الأولى، بخطوات معاصرة.