شخصيات

بقلم
التحرير الإصلاح
السيد محمد حسين فضل الله « رمز الاعتدال والوحدة»
 «السيد محمد حسين فضل الله» مرجع دين شيعي لبناني من بلدة «عيناثا الجنوبية»، وهو من أعلام حركة إصلاح التراث الإسلامي ومجدّدا في الفكر والمذهب. اشتهر بوصفه واحدا من رموز الاعتدال ومن أكثر علماء الشيعة انفتاحا على التيارات الأخرى وأبرز من دعا إلى الوحدة الإسلامية.
ولد السيد محمد حسين فضل الله في النجف في العراق في 16 نوفمبر 1935م، . بدأ بالدراسة في الحوزة العلمية في سنّ التاسعة، وعندما أتم دراسته الدينية على أيدي مراجع دينية معروفة عاد إلى لبنان في العام 1966 ليؤسس حوزة المعهد الشرعي الإسلامي و6 مدارس و3 معاهد للتعليم الفني والتربوي والصحي و4 مبرات خيرية وقفية و3 مستشفيات ومركزا صحيا و3 مراكز لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة ومركزين ثقافيين دينيين. 
كان السيد فضل الله دائم التواصل مع جمهوره والقنوات الاعلامية والندوات الفكرية والاجتماعية بالإضافة إلى كتاباته العديدة والمتنوعة. فلفضل الله العديد من المؤلفات بينها 8 كتب فقهية و16 كتابا في الإسلاميات و16 محاضرة و5 كتب في شرح القرآن الكريم و5 كتب أدعية و8 كتب تتناول سيرة أهل البيت و4 كتب اجتماعية و3 دواوين شعر و10 كتب جمع فيها فتاواه.
ويطلق على السيد محمد حسين فضل الله آية الله العظمى، وهو لقب يطلقه الشيعة على كل من يحصل على درجة الاجتهاد في الفقه الشيعي، وقد جمع فتاواه في كتاب «فقه الشريعة» المكون من ثلاثة أجزاء، وقد تعرّض طيلة مسيرته الاجتهادية نتيجة جرأته العلمية في طرح نظرياته الفقهية التي ترتكز على مناقشة المسلمات في الفكر الشيعي إلى الانتقاد الشديد من قبل عدد من مراجع الشيعة إلى درجة اتهامه بالضلال والتضليل. 
يلخص الدكتور عبد الجبار الرفاعي في كتابه «الرّؤية النّقديّة الإنسانيّة في تفكير السيّد محمد حسين فضل الله» فكر هذا العلاّمة وتعامله مع التراث والتاريخ الإسلامي بقوله: «كان هاجس كتابات فضل الله هو الرّاهن، وما يحفل به الاجتماع الإسلاميّ من تناقضاتٍ وملابساتٍ ومشكلات، فيسعى إلى اكتشافها وتحليلها ونقدها. لم يقع أسير تمجيد السّلف، والثّناء على أخطاء التّاريخ، والانشغال بتحويل الهزائم إلى انتصارات، وتقديس كلّ ما يتضمّنه التّراث، وإنما تسلّح بمنظورٍ نقديّ حجاجيّ، لا يخشى من مقاربة الموروث والواقع برؤيةٍ تحليليّةٍ نقديّة، والوقوف على ما يكتنفه من ثغراتٍ بكلّ جرأة. لا يكفّ السيّد فضل الله في محاضراته وخطبه وكتاباته عن النّقد والمراجعة، وقد تعلّمت منه مثلما تعلّم غيري من شباب الحركة الإسلاميّة وقتئذٍ، التّفكير النقديّ، والمغامرة في إثارة الاستفهامات ، فقد كان مسكوناً بالتّساؤل، وظلّ يشدّد على ضرورة طرح الأسئلة، ويحثّ على أنّ السّؤال مفتاح المعرفة، وما من سؤال إلا وله أجوبة . لقد خرجت من السّجن المعرفيّ الأوّل بمطالعتي لآثاره».
 كان معروفا في الأوساط الدينية الشيعية بالاعتدال في وجهات نظره الاجتماعية خاصة بشأن النساء، حيث أصدر عدّة فتاوى ضدّ جرائم الشرف وضرب النساء. وكانت له فتاوى وآراء دينية بارزة، من بينها تلك التي تحظر على الشيعة عادة ضرب الرؤوس بآلات حادة أثناء مراسم عاشوراء إحياء لمقتل الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما. وتلك التي تحرّم مبدأ اللعن والسب والتوجه بالإساءة إلى بعض أصحاب النبي محمد أمثال أبي بكر وعمر بن الخطاب وعائشة بنت أبي بكر؛ حيث يأخذ الشيعة موقفاً سلبياً منهم
ولم تخل مسيرة «فضل الله» الشاقّة من العمل السياسي، فقد أيّد الثورة الإسلامية في إيران  ومارس دور المرشد الروحي لحزب الله في بداية تأسيسه في الثمانينيات، قبل ان يحصل تباعد بين الجانبين بسبب تباين في وجهات النظر حول المرجعية الدينية، إذ سعى فضل الله إلى تأسيس مرجعية للحزب مستقلة عن «ولاية الفقيه»، وهي النظرية التي تعتمدها إيران رسميا. 
كان «فضل الله» من ألدّ أعداء الكيان الصهيوني، وحاملا لهمّ القضية الفلسطينيّة معتبرها القضية المركزية التي يجب ان يتوحّد المسلمون في سبيل الدفاع عنها. وقد خصّص قسماً من الحقوق والأموال الشرعية التي كانت ترد إلى مكتبه لدعم الحركات المقاومة في لبنان وفلسطين. لقد كان «فضل الله» العقل الذي أطلق المقاومة في لبنان، فاستمدت من فكره روح المواجهة والتصدي والممانعة وسارت في خط الانجازات والانتصارات الكبرى في لبنان وفلسطين وكل بلد فيه للجهاد موقع. 
ونتيجة لحراكه السياسي الدّاعم للمقاومة، فقد تمّ إدراجه على قائمة الإرهاب من طرف واشنطن وتعرض إلى عدّة محاولات اغتيال بما في ذلك انفجار سيارة ملغومة عام 1985 أدى إلى مقتل 80 شخصا في الضاحية الجنوبية لبيروت. وقد اتهم حينها الولايات المتحدة وإسرائيل بالوقوف وراء عملية الاغتيال ردا على تفجير مقر لقوات البحرية الأميركية قرب مطار بيروت قبل محاولة الاغتيال بأشهر. كما 
أصيب «فضل الله» في آخر حياته بسلسلة من الازمات الصحية التي ادخلته المستشفى وتوفي في 4 جويلية 2010 عن سنّ تناهز خمسة وسبعين عاما نتيجة نزيف داخلي حاد عندما كان في مستشفى الضاحية الجنوبية للقيام بفحوصات عاديّة.
هكذا غادرنا « فضل الله» بعد أن قضّى حياته كلها مدافعا عن الكلمة الحرة الصادقة ورافعاً لراية الإسلام التي طالما أوصى في خطبه ومحاضراته وكتبه بالحفاظ عليها وخدمة الإسلام بأشفار العيون التي وإن غفت فإن أثرها لن يُمحى من الضمائر أبداً.