تأملات

بقلم
عادل دمّق
نجوت من حادث مريــع...
 كثرت حوادث المرور بوتيرة غير مسبوقة، كلّ حادث فاجعة، وآلام، وأحزان، وخسائر....والى جانب الاسباب المعهودة والمذكورة عادة، هناك أسباب خطيرة نحن غافلون عنها ....
أولا :تناول نفسي
علاقة حوادث المرور بالغفلة المريحة ( بتشويه الدفاعات النفسية.)
إنّ تخيّل التّعرض الشّخصي لخطر مهدّد بالموت يصيب الدّفاعات النّفسيّة بتشويه من نوع خاصّ يطلق عليه السّيكولوجيّون تسمية « التّفاؤلية الدّفاعيّة»(Optimistic Bias) وهذه التفاؤليّة تكون متورّطة في مجمل حالات تعريض الذّات للأخطار. بدءا من التّدخين ووصولا الى المخاطرات المفضية إلى الموت كما في حوادث السّيارات.
هذه التفاؤليّة الدّفاعيّة (الغفلة المريحة ) ممكنة التعريف اختصارا «وتبسيطا» على النّحو الآتي: يعتقد الشّخص أنّ الأشياء السّيئة والأخطار تصيب الآخرين ولاتصيبه هو شخصيّا، ممّا يحمله على ركوب المخاطر بجرأة غير عادية تضاعف احتمالات تعرّضه للأخطار. وهكذا، فإنّ اعتبار المرء نفسه أقلّ تعرّضا للأخطار من الآخرين يدفعه الى إهمال الإجراءات الوقائيّة اللّازمة، وعليه يصبح الهدف التّوعية العامّة والحملات الإعلامية والتوعية الفرديّة إبدال هذه التّفاؤليّة الدّفاعيّة المشوّهة والمحفوفة بالمخاطرة بتفاؤليّة وظيفيّة تقوم على أساس التّخفيض من احتمال تعرّض الشّخص للأخطار باتّخاذه لكافة الإجراءات الوقائيّة اللاّزمة.
بذلك يمكن تفسير الارتباط بين النّضج ،المصاحب لتعديل مستوى هذه التّفاؤليّة، وبين انخفاض نسب المخاطرة لدى النّاضجين والمرضى والمتعرّضين لأحداث حياتيّة صدميّة في مقابل ارتفاع نسبتها لدى المراهقين ولدى المضطربين نفسيّا ممّن ينطوي اضطرابهم على ارتفاع مرضي لمستوى هذا النّوع من التّفاؤلية المهلكة. كما أنّ هذه التّفاؤلية يمكنها أن تفسّر ارتفاع نسبة حوادث السّير لدى المدمنين. فإدمان المواد لا يؤدّي فقط الى انخفاض ملكات التّركيز والانتباه وقدرات التّموقع الزمان- مكانيّة فقط، بل يؤدّي أيضا الى حالة من الزّهو التي ترفع التّفاؤلية الدّفاعية الى أعلى مستوايتها، حتى تبلغ في حالات نادرة الشّعور بأنّ المدمن غير قابل للموت (شعور مرضي نفسي بالخلود يصادف في حالات الإدمان وفي بعض حالات المرض النّفسي).
إنّ دراسة التّفاؤلية الدّفاعية (الغفلة المريحة ) تدخل في مجال علم نفس الصّحة وتجرى حولها دراسات من شأنها المساعدة على رسم استراتيجيّة لحملة توعية وقائيّة من شأنها أن تقلّل من حوادث السّير عن طريق تعديل هذه التّفاؤليّة وتحويلها الى الموضوعيّة..(من الغفلة إلى اليقظة).
فالقاعدة الوقائيّة تنطلق من مبدأ تدعيم قدراتنا على وعي الأخطار المهدّدة للحياة. فهذا الوعي هو الذي يدعمنا ويدفعنا باتجاه تحمّل الصعوبات التي يقتضيها السّلوك الوقائي من جهد لتغيير العادات غير السّليمة والصّبر ومجاهدة النّفس، لكبح إندفاعها في الاتّجاهات الخاطئة وغيرها من مقتضيات السّلوك الوقائي. من هنا يعتبر دارسو التّفاؤلية الدّفاعية أنّ الخطوة الأولى نحو الوقاية الجدّية تكمن في وعي الشّخص لإمكانية تعرّضه الذّاتي للخطر. فالهدف من التّوعية هو تشجيع إعتماده للخطوات الوقائيّة، بما يعني بلغة الإختصاص تحويل التّفاؤلية من دفاعية تتجاهل الأخطار الواقعيّة إلى تفاؤليّة وظيفيّة. وهي تفاؤليّة تستند إلى التّفاؤل بالنّجاة المستند إلى إعتماد السّلوك الوقائي السّليم.
ثانيا :الهدي الديني  للأمن المروري .
يقول الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله: «إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ» [الإسراء: 9]. ويقول أيضا: «الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ» [الأنعام: 82].
و«وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا» [الفرقان: 63] .ذكَرَ الله في هذه الآية ميزة المشي الدّال على الإستقامة والوعي والثباب في مقدمة غيرها من الخصال.
إضافة إلى المبادئ العامة الجامعة التي تضع أسس النّظام الإجتماعي الرّاشد والآمن، نجد في التّنزيل آداب نوعيّة تتعلّق بالمرور خاصّة:
(أ) «سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ» [الزخرف: 13 و14]. عند ركوب وسيلة النّقل يسنّ ذكر الله واستحضار«لقاء الله» (وَإِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ) بمناسبة التنقل الراهن. ومن شأن هذا التفكير في المصير المحتوم أن ينعكس على سلوك الإنسان رٌشدا ووعيا وانتباها (إبدال التفاؤليّة الدّفاعية المشوّهة والمحفوفة بالمخاطرة بتفاؤليّة وظيفيّة آمنة).
(ب) «مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ» [الأحزاب: 4] التقرير يوجب الإمتناع عن أي إنشغال متزامن مع السّياقة، وعند الحاجة ( مكالمة أو تفكير أوتفكّر) يجب التوقف تماما. 
ثالثا : اقتراحات 
(أ) دعوة شركات التأمين وجمعية الوقاية من حوادث الطرقات للقيام بحملات نوعيّة ومكثفة لترشيد المرور. (ندوات / برامج /مطويات  /ملصقات).
(ب)  دعوة وسائل الإتّصال إلى الاهتمام الفائق بمسألة الحوادث (تمرير صور الحوادث يوميا / ومضات تحسيسيّة  / استضافة مختصين للإرشاد والتثقيف )
(ج)  دعوة السادة الأئمة والوعاظ إلى تناول الموضوع بدقة وعمق . 
المراجع
(1) علاقة حوادث السّير بتشويه الدّفاعات النّفسية - الدكتور «محمد احمد النابلسي».
 http://psychiatre-naboulsi.com/moutamarat/moutamarat27.html
(2)  سيكولوجية السّائق المسبّب لحوادث المرور للأخصائيّة النّفسانية «فريدة بلعربي»
http://odejsetif.com/archives/8578
(3)  ﺩﻭﺭ التّفاؤل ﻏﻴﺭ ﺍﻝﻭﺍﻗﻌﻲ ﻓﻲ ﺍﺭﺘﻜﺎﺏ حوادث المرور
http://dspace.univ-ouargla.dz/jspui/bitstream/123456789/6954/1/P0905.pdf