الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
الافتتاحيّة
 كلّما تأزّم الوضع السياسي في البلاد وتواترت التحرّكات في مختلف مناطقها، ينحدر الاهتمام بالفعل الثقافي بصورة ملحوظة . إذ يصبّ بعض الناس كل اهتمامهم إلى متابعة ما يحدث هنا وهناك ويتوجّسون خيفة ممّا سيحدث، فتراهم ينتقلون بين القنوات التلفزيّة والإذاعات والصحف اليوميّة وشبكات التواصل الاجتماعي لمتابعة أقوال السياسيين سواء كانوا في السلطة أو خارجها ويشاركون جلساءهم في المقاهي أو في البيوت التحاليل لما وقع وتوقعات ما سيقع،أمّا بقيّة الناس، فيتراجع اهتمامهم بكلّ شيء بعد أن يأخذ الاحباط منهم كلّ مأخذ ويختفي الأمل من مجال رؤيتهم فلا يرون فائدة في متابعة ما يجري مادامت النهاية ستكون في نظرهم حتما مأساويّة على غرار ما حدث ويحدث في دول عربيّة أخرى مرّت عليها ذات يوم نسائم الحرّية وشعارات الثورة والأمل في حياة كريمة، فيغادرون في صمت كلّ السّاحات وأوّلها الساحة الثقافيّة والفكريّة ويختارون الانزواء والتقوقع حول رؤيتهم السوداويّة. 
لهذا، كلّما تأزّم الوضع السياسي وتوتّر الجوّ في البلاد قلّ الاهتمام بالأنشطة الثقافيّة ومتابعتها وإن كان هذا الاهتمام بطبعه قليلا ولا يبقى في الساحة الثقافيّة إلاّ المتيّمون بالعمل الثقافي وهم قلّة نادرة ورغم أنّهم يشعرون في بعض الأحيان بشيء من الإحباط إلاّ أنّهم مطالبون بالتحلّي بالصبر والتجلّد وعدم الانسياق وراء تيارات الهدم التي لا ترى في الفعل الثقافي أهمّية تذكر في غياب استقرار سياسي واجتماعي يضمن الحاجيات المادّية الضروريّة للمواطن. ألم يقل أحدهم أمام الملأ « ماذا سنفعل بالكتب؟»
ونحن نقدّر أنّنا، في مجلّة الإصلاح، من أولئك المتيّمين بالعمل الثقافي فلا نغفل الجانب السياسي ولكن نهتمّ أكثر بالجانب الفكري الثقافي إيمانا منّا بأن تأزم الوضع السياسي وفشل محاولات السياسيين في إصلاح الوضع بالبلاد هو في الحقيقة نتيجة إهمال الجانب الثقافي في التغيير والإصلاح . فمأساتنا لها جذور ثقافيّة فكريّة وما التعبيرات السياسية والاجتماعية التي نعيشها وطبيعة العلاقات بين الأطراف المختلفة إلاّ نتيجة للثقافة السائدة في المجتمع. وهي ثقافة ليست وليدة اليوم وإنّما هي نتاج قرون من التخلّف ممزوجة بعقود من تغريب مشوّه فرضته دولة ما بعد الاستقلال وأخرى من استبداد فاضح مارسه النظام النوفمبري مصحوب بتشجيع نمط علاقات بين الناس قائم على الفساد والرشوة والمحسوبيّة والنفاق والخداع.
إنّ شعبا مشوّها ثقافيّا ونخبة أنانيّة تقودها المصالح والحسابات لا تقدر على تجاوز ما نعيشه اليوم من أزمات وتشنّج مفضوح وصراعات لا فائدة ترجى منها قد تتحوّل لاقدّر الله في أي لحظة إلى تصادم وتناحر كما هو حاصل غير بعيد عنّا.  لذا فإنّ مسؤوليّة القائمين على ثغر الثقافة والفكر كبيرة وهم مطالبون بالمزيد من الجهد لعلّهم يحدثون في جدار «التخلّف» شرخا ينفذ منه شيء من النور .