شخصيات

بقلم
التحرير الإصلاح
طنطاوي جوهري... الأزهري الحكيم
 الشيخ «طنطاوي جوهري» عالم ومفكروفيلسوف مصري، صاحب منهج مميّز في تفسير القرآن في كتابه «الجواهر في تفسير القرآن الكريم» يعتمد على العلاقة بين آيات القرآن والعلم، وهو من العلماء الموسوعيين الذين جمعوا بين علوم كثيرة واشتغلوا في نفس الوقت  بالأدب والفلسفة والتفسير والتأليف. لم يكن الشيخ «طنطاوي جوهري» أزهرياً بالمعنى التقليدي، بل كان عالماً عظيماً مجدداً وواحدا من المصلحين الذين ربطوا بين جوهر الإسلام وبين النهضة الحديثة وبين العلم والنضال حيث كان من المناضلين الوطنيين ضد الاستعمار ومن المنضمين لغالبية الحركات والجمعيات الإسلامية التي نشأت في تلك الفترة من التاريخ ممّا حدا بالزعيم المصري مصطفى كامل أن يطلق عليه صفة «حكيم الإسلام».
ولد «طنطاوي جوهري» في قرية «كفر عوض الله حجازي» التابعة لمحافظة الشرقية بمصر سنة (1287 هـ- 1870م).حفظ القرآن الكريم وهو صغير ثم قضّى بالأزهر عدّة سنوات حيث درس على علمائه العلوم العقلية والنقلية ثمّ التحق بمدرسة دار العلوم عام 1889م ليتخرج منها بعد أربع سنوات وقد تفتحت آفاقه على ثقافات أوسع،ونهل منها ما يروي ضمأه من مبادئ المواد الحديثة التي لم تكن مقررة في الدراسات الأزهرية: كالحساب والهندسة والجبر والفلك وعلم النبات والطبيعة والكيمياء. عكف على تعلّم اللغة الإنجليزية حتّى أتقنها وترجم بعض كتبها ومنها مؤلفات اللورد «افبوري» كما ترجم أعمالا لبعض الشعراء الإنجليز.
عمل الشيخ بعد تخرجه مدرساً ببعض مدارس البحيرة والجيزة، ولما تولى أحمد «باشا» حشمت نظارة المعارف العمومية عين الشيخ طنطاوي 1911م مدرساً للتفسير والحديث بمدرسة دار العلوم، واختير - أيضاً - ضمن هيئة التدريس بالجامعة المصرية القديمة حين إنشائها ليلقي بها محاضرات على طلابها في الفلسفة الإسلامية، ولكنّه أطرد من دار العلوم بسبب آرائه سنة 1914م. طُلب للقضاء فلم يقبل. 
اهتمّ الشيخ كثيرا بالعمل الجمعيّاتي فأسس «جماعة الأخوة الإسلامية» وكانت تجمع طلاب المسلمين من الشرق الأوسط ومن الشرق الأقصى حين جاءوا إلى مصر ليتعلموا فيها. وكان عضواً بـ«جمعية البر والإحسان»، وعضواً في جمعية «الشبّان المسلمين»،كما كان عضواً بارزاً بدائرة القاهرة الروحية. وتولى رئاسة «جمعية المواساة الإسلامية» التي بدأت على يديه وكان أحد مؤسسيها. تولى رئاسة تحرير « مجلة الإخوان المسلمين» مدّة وانقطع للتأليف، فصنف كتبًا كثيرة بلغت نحو 30 مؤلفـًا منها : الجواهر في تفسير القرآن، الأرواح، أصل العالم، أين الإنسان،التاج المرصع بجواهر القرآن، جمال العالم، جواهر العلوم،جواهر التقوى،النظر في الكون بهجة الحكماء وعبادة الأذكياء، الزهرة في نظام العالم، القرآن والعلوم العصرية .
في سنة 1922م انقطع الشيخ «طنطاوي» عن التدريس وتفرّغ لكتابة تفسيره «الجواهر» الذي عمل لإنجازه دون توقف من سنة 1922 إلى سنة 1935. ويقع هذا الكتاب في نحو ستة وعشرين جزءا وكان قد نشر شذرات متفرقة منه باسم «التاج المرصع بجواهر القرآن والعلوم».
يتحدث في مقدمة التفسير عن البواعث التي دفعته لتأليفه فيقول: «أما بعد فإني خلقت مغرما بالعجائب الكونية معجبا بالبدائع الطبيعية مشوقا إلى ما في السماء من جمال وما في الأرض من بهاء وكمال آيات بينات وغرائب باهرات، ثم إني لما تأملت الأمة الإسلامية وتعاليمها الدينية ألفيت أكثر العقلاء وبعض جلة العلماء عن تلك المعاني معرضين، وعن التفرج بها ساهين لاهين فقليل منهم من فكر في خلق العوالم وما أودعت من الغرائب فأخذت أؤلف لذلك كتابي». وقد سمّى تفسيره «الجواهر في تفسير القرآن الكريم» لأنّه جعل «الجوهرة» بدل «الباب» أو «الفصل» والجوهرة يتفرع عنها الماسّة الأولى والماسّة الثانية وهكذا. 
ويعتبر هذا التفسير مميّزا شكلا ومضمونا عن غيره من تفاسير القرآن ولاقى استحسان عدد من العلماء المسلمين فيما عارضه آخرون وأنكروا ما جاء فيه. ومن مظاهر تمييزه استعانة الشيخ طنطاوي في تفسيره بصفحات كاملة من صور التشريح والحيوانات والنباتات والخرائط. وقد لاقى هذا التفسير في الشرق الأقصى وفي إيران وباكستان بوجه خاص سمعة طيبة وشهرة واسعة النطاق وقد قالت عنه مجلة الجمعية الآسيوية الفرنسيّة: «إنّ الشيخ طنطاوي رجل فيلسوف حكيم بمقدار ما هو عالم دين، وبهاتين الصفتين قد فسر القرآن الذي أثبت أنه دين الفطرة بما هو أكثر ملاءمة للطباع البشرية وموافقة للحقائق العلمية والنواميس الطبيعية». 
واهتمّ الشيخ طنطاوي بالموسيقى وتحدث عنها حديث الخبير بها وربطها بالفكر الإسلامي. فتحدث عن موقف الإسلام من الأغاني والفنون وكان يقول: «إن الموسيقى المسموعة باب من أبواب الموسيقى المعقولة» وأورد في تفسيره كثيرا من النوادر والحوادث الشخصية التي كانت الموسيقى حافزا له فيها على ارتياد مواطن جديدة من النشاط الفكري. 
اعتنى «طنطاوي» بموضوع «السلام العالمي» وبنى نظريته في هذا المجال - التي استمدها من مفاهيم القرآن-، على أن «سياسة الأمم إن لم يكن بناؤها على حساب كحساب العلوم فإنّ النّوع الإنساني سيحلّ به الدّمار ولا يستحقّ البقاء» ولذلك اعتبر علوم الرياضيات والفلك والنبات والكيمياء وعلم النفس وسيلة توصل إلى حلّ مشكلة السلام. وقد توجّه إلى العالم بكتابيه الذين ألّفهما في هذا الشأن وهما: «أين الإنسان» الذي رسم للعالم بأسلوب فلسفي عميق الطريق المستقيم إلى السلام الدائم انطلاقا من فهم عميق للقرآن الكريم، وكتاب «أحلام في السّياسة وكيف يتحقّق السّلام العام». ورُشّح بهما الشيخ لنيل جائزة نوبل للسلام لسنة 1939م، لكن وفاته حالت دون إتمام الأمر لأن جائزة نوبل لا تمنح إلاّ للأحياء فقط. فقد غادر الشيخ طنطاوي إلى عالم الغيب والشهادة صبيحة يوم الجمعة 3 من ذي الحجة 1358 هـ الموافق 12 جانفي 1940م.