شخصيات

بقلم
التحرير الإصلاح
روجيه غارودي...الفيلسوف الذي قهر الصهيونية
 ضيفنا في هذه الحلقة صاحب المقولة الشهيرة «الحمد لله الذي عرفني بالإسلام قبل أن يعرّفني بالمسلمين»، هو مفكّر فرنسي انتقل من المسيحية إلى الشيوعيّة ومنها إلى الإسلام، لا يخاف في قول الحقّ وإظهار الحقيقة لومة لائم، دافع عن فلسطين حتّى مماته وتحدّى الصهيونيّة والامبريالية الأمريكية وواجه الفكر الصهيوني بكتابه «الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية».. إنّه الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي. 
ولد يوم 17 جويلية 1913 بمدينة مرسيليا الفرنسية، ربته والدته على المسيحية الكاثوليكية وكان أبوه ملحدا لكنّه اعتنق البروتستانتية وهو في الرابعة عشرة من العمر، درس في كل من جامعة مرسيليا وجامعة «إيكس أون بروفانس» ونال درجة الدكتوراه عن النظرية المادية في المعرفة من جامعة السوربون بباريس عام 1953، ودكتوراه ثانية من جامعة موسكو عام 1954. 
شارك خلال الحرب العالمية الثانية في حركة المقاومة ضد النازيين في فرنسا بداية أربعينيات القرن العشرين، وانتخب عام 1945 نائبا في البرلمان الفرنسي، ونال عضوية مجلس الشيوخ (1946-1960) حيث ترأس اللجنة الثقافية الوطنية.
انضم إلى الحزب الشيوعي الفرنسي وهو في العشرين، وتنقَّل بين السجون والمعتقلات، وكان عضواً في الحوار المسيحي الشيوعي في الستينيات، وحاول أن يجمع بين الدين والشيوعية مما أدَّى إلى فصله من الحزب الشيوعي سنة 1390 هـ/1970م. وفي نفس السنة أسس مركز الدراسات والبحوث الماركسية وبقي مديرا له لمدة عشر سنوات.
وفي 1981، أشركه المرشح الاشتراكي الرئيس فرنسوا ميتران في حملته لكن الرجلين ما لبثا ان اختلفا.
كانت لجارودي جاذبيّة للأديان منذ صغره، وقرأ العديد من الكتب المترجمة عن الإسلام وتفسير القرآن، وقد ساعدته زوجته الفلسطينية في قراءة وترجمة بعض المصادر العربية والإسلامية خاصة كتب التراث. وبعد سنوات طويلة من البحث والدراسة والمقارنة تولّدت لديه قناعة بالإسلام، فأشهر إسلامه في 2 جويلية 1982 بالمركز الإسلامي في جنيف، واتخذ من الأسماء «رجاء» عوضا عن روجيه.
حصل «رجاء» على شهرة واسعة في العالم الاسلامي، بعد إعلان إسلامه، وشارك في العديد من المؤتمرات في العالمين الإسلامي والغربي التي وازن فيها بين الحضارات ونوّه فيها بالمبادىء والأصول الإسلاميَّة وحصلت مؤلفاته على تقدير النظام الاسلامي الايراني ومعمّرالقذافي الذي حاول استمالته في مشروع لنشر الإسلام في أوروبا والسلطات السعودية، لكنه ضلّ عصيا على الاحتواء والاستحواذ، فأثار بذلك امتعاض الكثير من الدوائر الإسلامية منه وتهجم عليه بعض العلماء السعوديين وكفروه استناداً لبعض مقولاته الفلسفية والصوفية التي لم يستوعبوها حسب قوله. فقاطع المنتديات الإسلامية، وانسحب بتجربته الدينية ومقاربته الخاصة للإسلام إلى مدينة قرطبة الإسبانية التي أنشا فيها متحفاً يؤرخ للتراث الأندلسي ولتجربة التعايش النادرة بين أتباع الديانات السماوية في الأندلس.
اشتهر الدكتور جارودي بعدائه الشديد للامبريالية والصهيونية، فبعد مجازر صبرا وشاتيلا في لبنان أصدر غارودي بمعيّة اثنين من رجال الدّين المسيحي بجريدة لوموند الفرنسية بيانا شديد اللّهجة بعنوان معنى العدوان الإسرائيلي بعد مجازر لبنان. فكان شرارة الصدام مع المنظمات الصهيونية التي شنت حملة ضدّه في فرنسا والعالم فتحول بعد هذا الموقف إلى شخصية قاطعتها الصحف اليومية الفرنسية والمحطات الإذاعية والتلفزيونية بعد أن كان ضيفا مبجّلا عليها. وبعد إصداره كتاب «الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل» في العام 1998 الذي شكّك ضمنه في الأرقام الشائعة حول إبادة يهود أوروبا في غرف الغاز على أيدي النازيين، حوكم بتهمة معاداة السامية وصدر ضده حكم بالسجن لمدة سنة مع إيقاف التنفيذ وبغرامة مالية كبيرة، ولكنّ ذلك كله لم يرغمــه على التراجـــع عـــن موقفــه أو يؤثَّـــــر في صلابته رغم أنه تجاوز التسعين من عمره.
والحقيقة أنّ غارودي لم ينكر المحرقة وأقر بحجم المأساة اليهودية وبحرب الإبادة النازية ضد اليهود. لكنّه أراد أن يبين أن النازية من حيث هي نزعة عنصرية استعمارية لم تستهدف اليهود وحدهم، وإنما استهدفت شعوباً وقوميات أخرى. وأنّ أحداث المحرقة ضخمت وأن مأساة اليهود  وظّفت لحجب حروب الإبادة وجرائم التقتيل والتهجير القسري التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين.
أثرى جارودي المكتبة العالمية والعربية والإسلامية بعشرات المؤلفات التي ترجمت للعديد من اللغات، وكانت البداية برواية «البارحة واليوم» عام 1945، ثم كتاب «الشيوعية ونهضة الثقافة الفرنسية». ومن أشهر كتبه «الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية», و«فلسطين أرض الرسالات السماوية»، و«الأصوليات المعاصرة: أسبابها ومظاهرها»، و«محاكمة الصهيونية الإسرائيلية»، و«الولايات المتحدة طليعة الانحطاط»، و«كيف نصنع المستقبل؟»، و«الإسلام وأزمة الغرب»، و«الإرهاب الغربي»، و«المسجد مرآة الإسلام» و«وعود الإسلام» و«الإسلام يسكن مستقبلنا» و«حوار بين الحضارات». .
تُوفِّي الدكتور رجاء جارُودي – رحمه الله – في 13 جوان / يوليو 2012 م.