القرآن والسماء

بقلم
نبيل غربال
التنجيم :الأوهام والحقائق (2/3)
 التنجيم هو النّظر في النّجوم والكواكب والقمر ومواقعها النّسبيّة. والمنجّم هو الذي ينظر في مطالع النّجوم ومواقع الكواكب والشمس والقمر في القبّة السّماويّة في زمن معيّن مستهدفا من ذالك، كما يدّعي، التّنبؤ بمصائر ومستقبل الأحداث المتعلّقة بالإنسان والأرض والتّعرف على خاصّيّات الأفراد السّلوكية والنفسيّة والمزاجيّة.
يقوم التّنجيم إذا على الاعتقاد في تأثير الأجرام السّماوية على الفرد والجماعة. بني هذا الادّعاء على التّزامن الذي لاحظه الإنسان منذ ألاف السّنين بين ما تظهره السّماء من أجرام وحركة الشّمس والقمر من جهة والظّواهر المناخيّة من جهة ثانية وتأثيرها المباشر على مصادر الرّزق من ثمار وحيوانات.
نعلم الآن علم اليقين أنّ الظّاهرة المناخيّة تنتج عن تغيّر كمّية الطّاقة الواصلة إلينا من الشّمس من يوم لآخر وعدم تجانس توزّعها الجغرافي. كما نعلم علم اليقين أيضا أنّ على إيقاعها يعيش الإنسان ويتكاثر منذ ظهوره على الأرض إلى يومنا هذا رغم ما أبدعه من وسائل للتّكيف. أمّا فلكيّا، فينتج المناخ عن دوران الأرض حول الشّمس في مدّة مقدارها ما تتطلبه الأرض لتقوم بـ 356 دورة حول نفسها. تتيح هذه الحركة لسكّان الأرض فرصة مشاهدة نجوم السّماء في كلّ الاتجاهات. ففي فترة اللّيل يكون الوجه المظلم للأرض باتّجاه نجوم معيّنة تتحدّد بالموقع الذي تكون فيه الأرض في مدارها السّنوي حول الشّمس. لذلك يختلف «وجه» السّماء من فترة لفترة. 
توجد النّجوم على أبعاد من الأرض لا توصف. ونظرا لتلك المسافات الهائلة تبدو لنا النّجوم ثابتة بالنّسبة لبعضها البعض رغم حركتها الجنونيّة من ناحية كما تبدو وكأنّها متماسكة في مجموعة توجد على نفس المسافة منّا من ناحية ثانية. إنّ ذلك الثّبات الظّاهري وعدم قدرة عيوننا على إدراك البعد الثالث هو الذي يوحي بوجود مجموعات من النّجوم وكأنّها مرتبطة ببعضها البعض. ألف الإنسان مشهد السّماء وبدت له مجموعات النّجوم وكأنّها موجودات سماويّة تجسّد كائنات تتحرّك في إطار أساطير نسجها خياله وأعطى لكلّ منها إسما استمدّه ممّا أوحت له أشكال تلك المجموعات النّجومية. 
مثّلت الكوكبات أهمّية عمليّة كبرى للإنسان منذ أن حدّدها وأعطى لها أسماء، فهو يستعملها لتنظيم نشاطه الفلاحي وتنظيم عمليّة الصّيد والاهتداء بها في تنّقله. فما حقيقة تلك المجموعات النّجومية وما علاقتها بالأبراج؟ أليس السّؤال المدخل إلى مسالة «الحظّ» هو «ما هو برجك؟».
تمثل الكوكبة كما رأينا زمرة من النّجوم تكوّن مسقطاتها على القبّة السّماوية شكلا معيّنا أوحى للإنسان خلال مسيرته التّاريخيّة أسماء تتغيّر بتغيّر الشّعوب والثّقافات. لنأخذ بعض الأمثلة:
مثال (1): كوكبة الدّب الأكبر
تعتبر كوكبة الدّب الأكبر من أشهر المجموعات النّجومية المشاهدة من طرف سكّان النّصف الشّمالي للكرة الأرضيّة باعتبار الشّكل الذي تمثّله نجومها السّبعة السّاطعة والذي يوحي بالملعقة الكبيرة كما تصوّرها سكان أمريكا. لكن اسم تلك المجموعة من النّجوم يتغيّر من مجموعة بشريّة إلى أخرى فهو عند الإغريق الدبّ الكبير وعند الرّومان أبقار الحرث السّبعة. أمّا بالنّسبة لسكّان المملكة المتّحدة فهو عربة وفي الهند الحكماء السّبعة. وبالنّسبة للعرب فقد تصوّروا المستطيل المتكوّن من النّجوم الأربعة تابوتا لأب مجرور من طرف بناته الثّلاثة المتمثّلة في النّجوم الثّلاثة الأخرى. 
يتبين من خلال هذا المثال الأول أنّ الاسم ليس له علاقة بالمسمّى إلاّ من خلال ما يوحي به الشّكل للنّاظر إليه ما يعني أنّه  يمكن لكلّ واحد منّا أن يربط مجموعة من النّجوم بخطّ ويرسم صورة تمثل ما توحي له به تلك المجموعة النّجومية كما سنرى مع المثال الثاني.  
مثال (2): كوكبة الأسد 
كغيرها من الكوكبات التي سميت منذ القديم، تستمد التسمية معناها من أسطورة نسجها خيال الإنسان لا يتسع المجال لذكرها. فالذي يهمّنا في هذه الكوكبة هو اعتباطية الاسم. فأسطع نجوم الكوكب عددها تسعة ويمكن للإنسان الحديث أن يرى في توزّعها في صفحة السّماء شكلا مخالفا للأسد كشكل مكواة مثلا وهي أداة مألوفة جدّا لدينا اليوم وهو ما يفسّر ذهاب خيالنا إليها بشكل مباشر. 
مثال (3): كوكبة الجبار
مع هذا المثال نكتشف البعد الأسطوري الخرافي لأغلب الأسماء التي أطلقها القدامى على المجموعات النجوميّة أي الكوكبات. تلمع كوكبة الجبّار في السّماء أكثر من كوكبة الدّب الأكبر. هناك نجمان مميّزان لهذه الكوكبة واحد في الأعلى جهة الشّمال والثّاني في الأسفل من جهة. الأول اسمه «إبط الجبّار» وهو نجم أحمر عملاق قطره يقدّر بـ400 ضعف قطر الشّمس ويوجد على مسافة 520 سنة ضوئيّة منّا وهذه معطيات تنتمي إلى القرن العشرين حيث أنّ أجدادنا لم يكن بمقدورهم معرفتها. أمّا الثّاني فأطلق عليه اسم «رجل الجبّار» وهو نجم عملاق أزرق قطره يعادل 100 مرّة قطر الشّمس ويوجد على مسافة تقدر بـ1300 سنة ضوئيّة. ونلاحظ هنا أنّ المسافة بيننا وبين النّجمين مختلفة اختلافا كبيرا ممّا يعني أنّ ما يبدو لنا وكأنّها على نفس المسافة وأنّها منظومة متماسكة هو وهم ولا حقيقة له في الواقع. وما يجب قوله أيضا أنّ الاسم يحيل إلى قصّة من نسج الخيال الإغريقي تقول أنّ الجبار أي «أوريون» عند الإغريق كان صيّادا مشهورا تغلّب على كل الحيوانات وقتلها إلاّ العقرب التي لدغته في كعبه لدغة مميتة.    
نستنتج ممّا سبق أنّ الكوكبات النّجومية هي في الحقيقة نجوم منتشرة في الفضاء تفصلها أبعاد خيالية عن بعضها البعض وعنّا وليست مرتبطة مع بعضها كما تبدو لنا وأنّها غير ثابتة بل تتحرّك بسرعات عالية. كما أنّ أسماءها ليست سوى ما توحي بها مسقطاتها على «قبّة» السّماء من كائنات لا تعكس سوى محدودية المعارف الإنسانيّة زمن تسميتها.
وأين الأبراج من كلّ هذا؟ إنّ الأبراج ليست سوى كوكبات أي مجموعات وهميّة من النجوم كما أوضحنا سابقا ولا يميّزها عن بقية الكوكبات سوى موقعها في القبة السّماوية. وللتّعرف عليها يكفي أن نحدّد المسار الذي تتحرّك فيه الشّمس من المشرق إلى المغرب ثم نتأكد أنّه هو نفسه مسار القمر أيضا. وبعد تحديد ذلك المسار نقوم برصد الكوكبات التي توجد فيه. ولو نتحلّى بشيء من الصّبر ونرصد السّماء سنة كاملة فسنتعرف على 12 كوكبة كلّ واحدة منها تسمّى برجا. فالبرج هو كوكبة نجوميّة توجد في المسار الظّاهري للشّمس لا أكثر ولا أقل. تقسم نجوم السماء التي ترى بالعين المجردة وعددها حوالي 6 آلاف إلى 88 مجموعة نجومية منها 12 كوكبة توجد في المسار الظّاهري للشّمس القمر تسمّى أبراجا.
ولكن ماذا تعني التّواريخ المصاحبة للأبراج؟ لو قلت لإنسان مولود يوم 6 جانفي ما هو برجك فإنّه سيجيبك، إن كان يعير اهتماما للموضوع، سيجيبك برج الجدي. لماذا؟ لأنّه وجد في المصدر الذي اعتمده إنّ مواليد الفترة بين 22 ديسمبر و20 جانفي هم من برج الجدي. ولو سألته وماذا يعني أن يكون الإنسان من برج الجدي فإنّه في أغلب الظنّ لا يعرف الإجابة. إنّ الإجابة على السّؤال هي التّالية. عندما يقول المنجّمون إن إنسانا ما من برج الجدي فإنّه يعني أنّه عند ولادته يفترض أن تكون كوكبة الجدي وراء الشّمس إذ لا ننسى أنّ النّجوم بعيدة جدّا بالنّسبة إلينا أي بالنّسبة للشّمس أيضا باعتبار أنّ الأرض مرتبطة بالشّمس بالجاذبية الثّقالية وتكون مع مجموعة أجرام أخرى تدور هي أيضا حول الشّمس مجموعة جذبويّة واحدة تسمّى المجموعة الشّمسية. لكن هل حقيقة أنّ وراء الشّمس توجد كوكبة الجدي في الفترة المذكورة أعلاه؟ الإجابة قطعا لا. إذًا ما الحكاية وماذا يعني أن يكون الإنسان من مواليد برج الجدي؟ إن كان في السّؤال معنى علميّا فإنّ الإجابة ستكون كما يلي. نعم، قبل 4000 سنة كانت فعلا كوكبة الجدي وراء الشّمس في الفترة بين 22 ديسمبر و20 جانفي. لكن، وبحكم الحركة المعقّدة لدوران الأرض حول نفسها، تغيّر الأمر وأصبحت كوكبة الجدي وراء الشّمس في الفترة الممتدة بين 19 جانفي و15 فيفري. وما قلناه بالنّسبة لكوكبة الجدي ينطبق على الكوكبات الإحدى عشر الأخرى. فعندما حدّدت الأبراج لأول مرّة قبل آلاف السّنين كانت الشّمس تبدو وكأنّها في كوكبة الحمل في الفترة من 21 مارس إلى 20 افريل. وبما أنّ الأرض تتحرّك حول الشّمس من الغرب إلى الشّرق فقد بدت الشّمس للإنسان وكأنّها تتحرك تدريجيّا بالنّسبة للكوكبات التي تكون وراءها أي الأبراج فيتخيّل النّاظر من الأرض أنّها تدخل كوكبة ما في يوم ما لتغادرها بعد فترة و«تدخل» إلى أخرى وهكذا. وتمثّل التّواريخ المعتمدة في تحديد البرج أو الشّارة ما كان واقعا حقّا قبل ثلاثة إلى أربعة آلاف سنة أمّا الآن فالأمر تغيّر ولم يعد مولود يوم 6 جانفي «من برج الجدي» بل أصبح «من برج القوس» بمعنى أنّه عند الولادة كانت كوكبة القوس وراء الشّمس لا أكثر ولا أقل.
لقد فقدت الأبراج الوضع الذي كانت عليه عندما وضعت أول خريطة فلكيّة ولم تعد الشّمس لها نفس الخلفية النّجومية في نفس الفترة من السّنة قبل آلاف السّنين واليوم وعليه فإنّ الذي يريد أن يعرف ما موقع الشّمس بالنّسبة للخلفيّة النّجومية عند ولادته فعليه أن يسأل علماء الفلك ولا يتوجّه إلى المنجّمين. وقبل أن ننهي هذا الجزء الثّاني من المقال، لأن لنا جزءا ثالثا وأخيرا إن شاء الله،  نقول أنّ مواليد الفترة الممتدّة من 29 نوفمبر إلى 17 ديسمبر لا برج لهم أي أنّه في لحظة ولادتهم ليس هناك برجا من الأبراج الإثني عشر المعروفة وراء الشّمس. ورغم ذلك يقع إلحاق جزء منهم ببرج العقرب والجزء الثاني ببرج القوس. مساكين حقّا هؤلاء فإن كان للآخرين بعض العزاء فهؤلاء لا عزاء لهم.