خواطر

بقلم
رشاد الأشهب
أي مصداقية لفكرة الدمغجة في ضل الدمغجة ؟
 إنّه لمن السّائد في الدّراسات الاجتماعية المختصّة في دراسة الجماعات المتطرّفة، الحديث عن الدّمغجة كسبب رئيسي للانضمام لها، وهذه الفكرة هي الرّائجة عند كثير من المختصّين، وقد زاد في تثبيتها وتنميطها صحفيّون وأناس يدّعون التّخصّص، احتكروا الكلام وتصدّروا الإذاعات والقنوات التّلفزيونية، حيث وجدوا في كلّ مأتم فرصة ملائمة، لبثّ المغالطات وخطاب الكراهية، وتصفية الحسابات الإيديولوجيّة. ومن هذه المغالطات الكثيرة، الحديث عن الدّمغجة كسبب رئيسي لانضمام الشّباب إلى الجماعات المتطرّفة.
إنّ «الدّمغجة» أو «الدّيماغوجيا» هي استراتيجيّة قد تتمثّل مجموعة الأساليب والخطابات والمناورات والحيل السّياسية التي يلجأ إليها السّياسيون في مواسم الإنتخابات لإغراء الشّعب أو الجماهير بوعود كاذبة أو خدّاعة وذلك ظاهريّا من أجل مصلحة الشّعب، وعمليّا من أجل الوصول إلى الحكم. لكنّ معناها عند هؤلاء يتمثّل في استعمال الدّعاة المتطرّفين لمجموع تلك الوسائل التي استعملها السّياسيون لاقناع النّاس بالانضمام لتنظيماتهم سلميّة كانت أو مسلّحة. وحتّى نكون أكثر دقّة، فإنّ الدّمغجة هنا يقصد بها الخطاب الدّيني، ممّا يضعه دائما في موقع الاتّهام والمساءلة.
وإذا نظرنا إلى سيرورة تحوّل الشّخص من إنسان عادي إلى متطرّف، فسنجد في الحقيقة أنّ السّبب الرّئيسي لذلك هو الفراغ الذي يعيشه. وهذا الفراغ قد يكون نفسيّا وروحيّا، هذا بالإضافة إلى الأسباب الاجتماعيّة التي لا تخفى على أحد. وتظافر هذه الأسباب هو ما قد يخلق من الشّخص العادي إنسانا آخر لا يعي ما يفعل، في ظلّ غياب ما يسدّ به الفراغ الذي يعيشه. 
فكلّ خطاب متطرّف يتغذّى على الفراغ، فتصبح الضّحية لقمة سائغة أمامه في ظلّ فراغ نفسي نتيجة مشاكل أسريّة ويأس من الأوضاع الاجتماعيّة التي ساءت، تحت دولة زادته يأسا ونقمة بتجاهلها وتهميشها وقمعها للمواطن، وفي ظلّ حكم أحزاب وسياسييّن ملّ وعودهم وكذبهم، فلم يجد ممثلا حقيقيّا له ولشخصيته التي أراد لها أن تبرز وغيّبت.
وإذا توفّرت بعض هذه الأسباب في شخص ما، فإنّه يصبح مهيأ للاستقطاب، وتبنّي أكثر الأفكار تطرّفا سواء كانت دينيّة أو غيرها. وهذه هي مرحلة الاختيار الحاسم، فهو سيختار أيّ المنافذ التي سيهرب منها من جحيم الأوضاع التي يعيشها. فيجد الأفكار الدّينية أقرب لما لها من جاذبيّة شعاراتيّة في ظلّ هزيمة نفسيّة ومادّية للأمّة الإسلاميّة على كلّ المستويات. يجد هذا الشخص في تلك الجماعات الشعارات التي افتقدها (شعارات العزّة)، والتي ستحمل لواء نصرة الدّين وإعادة مجد الأمّة الضائع. إضافة إلى ذلك، فبالدّين يستطيع أن يشرّع كلّ ردّة فعل يقوم بها ضدّ الدّولة، وضدّ مجتمعه. ففي النّهاية، فقد اكتسب طهرانيّة وشرعيّة لا يمكن في نظره أن تناقش.
وفي ظلّ هذه السّلسلة التي قمنا بعرضها، هل يصحّ القول بأنّ «الدمغجة»، أو الخطاب الدّيني، هو السّبب في ظهور التّطرف؟ إنّ الواقع يقول غير ذلك. والواقع كذلك يبيّن لنا أنّ من يروّج لهذه الفكرة يريد أن يغطّي على الأسباب الحقيقيّة التي تدفع الإنسان للتّطرف، وهي الفراغ بأنواعه التي ذكرناها آنفا. فلمصلحة من يفعل ذلك؟ والواقع يبيّن لنا كذلك، من خلال المنابر الإعلاميّة، أنّ الهدف من ذلك هو التّأليب على منافسين سياسيّين معيّنين وإقصائهم ولما لا إعادتهم للسّجون وذلك عند كلّ مأتم كان للتّطرف يدا فيه. كما أن الواقع يقول أيضا، أنّ الهدف من ذلك هو إقصاء أيّ فكر ديني كان من كان، من خلال مواقف دوغمائيّة تجاه التّراث الإسلامي بكافة مذاهبه واتجاهاته، فيقوم من يريد تحقيق هذا الهدف بتشويه كلّ رمز إسلامي حتّى يوصل ويتطاول على مقدّسات الشّعب. فأيّ مصداقية لفكرة «الدمغجة» في ظلّ «الدمغجة» ؟