خواطر

بقلم
رشاد الأشهب
الاستقلاليّة
 كل النّاس يدّعون الاستقلالية، لكنّ أغلبهم لا يستوعبون كون الآخر إنسانا مستقلاّ. ذلك أنّهم في الحقيقة لم يستوعبوا مفهوم الاستقلاليّة، أي معنى أن يكون للإنسان كيان مستقلّ، فلم يسأل ما يقتضيه الأمر من تساؤلات.
من الجميل  تمثيل الاستقلاليّة في فعل الطّيران، فهناك من يطير بيديه، وهناك من يطير بقدميه، وهناك من يطير ببدنه بصفة عامّة، لكنّ القليلين هم من يطيرون بفكرهم... لكي يتحقّق فعل الطّيران المستقل، وجب أن يتحقّق شرط مهمّ، وهو الخروج عن السرب ! 
إنّ هذا الشّرط هو استقلاليّة جزئيّة، وإن كان في ظاهره طريقا صحيحا، فهو لا يؤدّي سوى أدنى نسبة من الاستقلاليّة، لكنّه في الحقيقة يمكن أن يكون طريقا خاطئا. حيث يمكن للإنسان أن يطير خارج عن السّرب دون دراية وعلم، أو على سبيل الخطأ، أو على سبيل التّحدي والعبث، وهكذا، فإنّ شرط الطيران خارج السرب وإن كان سهل التّحقق، إلاّ أنّه استقلاليّة قاصرة.
والقصور يكمن في عدم اكتمال شرطين مهمين يكملان النّسبة الأكبر لاكتمال صفة الاستقلاليّة، وهما بذاتهما يمكن أن تنطبق عليهما صفة القصور والجزئيّة إذا لم تتحقّق معهما بقيّة الشّروط، هما الاستقلالية عن المكان، والاستقلالية عن الزمان... وأول شيء سيفكر فيه القارئ هو تأليه الإنسان المستقل، من حيث أنّ الاستقلاليّة عن الزمان والمكان هي تعالِ عليهما، لكنني لا أقصد بهذا معنى التعالي، بل أقصد معنى التجاوز، تجاوز المكان والزمان. 
فتجاوز المكان تجاوز لإملاءات المحيط الذي يعيش فيه الانسان، وتحرّر من قيوده، نحو التفكّر والنظر الذي يؤدي إلى التحرر من الزمان، فتكون نتيجته إبداعا وتجديدا وتجاوزا لما سبق من الأفكار.