من القلب

بقلم
شمس الدين خذري
عقدة الاسلاميين: الإسلام هو الحل، لكن الإسلاميين هم المشكل
 أن تكون ضحيّة فهذا لا يعني أنّك دائما على حق، فكم من حالة تعترضنا في الحياة لأشخاص نراهم ونظنّهم ضحايا ولكن نكتشف أنّهم هم من رضوا بتلك الحالة ولم يغيّروا في طريقة تعاملهم مع النّاس أو مع أنفسهم ومن بين هذه الحالات ما نراه في عالمنا العربي في الاتجاهات الاسلامية بمختلف أطيافها وربما تكون حالة الاخوان المسلمين في مصر هي الأكثر وضوحا وبيانا في لعب دور الضّحيّة، فهم الذين يفتخرون بتاريخهم النّضالي في السّجون والمنافي ويعتبرون ذلك من أمجادهم وبطولاتهم.
نحن نحترم صمودهم وثباتهم في محنهم وشدائدهم في عهود مختلفة وآخرها ما تعانيه اليوم من قمع واضطهاد من طرف الانقلابيين العسكريين، ولكن هذا لا يعفيهم من مسؤوليتهم في الأخطاء التي ارتكبوها وأهمّها عدم مراجعة تاريخهم والاستفادة من تقييماتهم  له ويشاركهم في ذلك - بنسب متفاوة - بقيّة الحركات الاسلاميّة. 
إنّ عدم القيام بالمراجعة الموضوعيّة يجعل مهمّة الخروج من تقوقعهم وانعزالهم عن بيئتهم وعدم الخوف من مجتمعاتهم أمر صعب، ممّا يزيد في انطوائهم على أنفسهم، وعدم تواصلهم مع الناس خاصّة أولئك الذين يختلفون معهم في الفكر والرؤية، فاذا ما وصلوا الى السّلطة لم يفهموا دورهم الحقيقي في طريقة إدارة الحكم وكيفية تعاملهم مع مكونات المجتمع وتواصلهم مع مختلف الفئات مع وجوب وضوح خطابهم ليصل إلى النّاس من دون تحريف أو تأويل وهذا ما أدّى إلى الفشل الذريع في مصر كتجربة لانتقال حقيقي من الديكتاتورية إلى الحرّية  وفشل جزئي في تونس بفرض التنازل على الإسلاميين عن السّلطة والسماح بعودة رموز النظام السابق إلى الساحة السياسية مجدّدا. وهذا الفشل السّياسي متشابه مع بقية البلدان العربية. وقد تختلف سياستهم من بلد إلى آخر بسبب اختلاف نسبة الوعي من شعب إلى آخر واختلاف تركيبة الطبقة السياسية ولكنها في غالبها تلتقي حول تهويل الخوف من الدولة العميقة سواء كانت مؤسّسة عسكرية أو إدارة ومن ثمّ تحميلها مسؤولية الفشل.
و من أسباب عيش الإسلاميين هذه الحالة هو الفهم الخاطئ للدّين والتأويل الخاطئ للتّاريخ، إذ يرى هؤلاء أنّ المحن والسّجون والاعتقالات من صفات المؤمنين الأخيار الصّادقين، فيأخذون من قصّة سيدنا «يوسف» مثال المسجون المظلوم ويغفلون أو يتناسون بأنّ سبب السّجن لم يكن سياسيّا، وبالعكس فعندما خرج النّبي «يوسف» من السجن أصبح وزيرا للزّراعة وأكثر الرّجال نفوذًا في مصر إلى جانب فرعون ونجح في إدارة الأزمة بامتياز. فلماذا نأخذ من القصّة سجنه ولا نحاول أن نعتبر من نجاحه في الحكم ونفهم أسبابه؟  
وفي قصة النبي «محمد» صلى الله عليه وسلم، يركز الإسلاميوّن على محنته ومعاناته مع قومه وخاصّة في فترة الدّعوة ويتناسون قدرة المسلمين على النّجاح في إدارة مجتمع المدينة الذي كان فيه العديد من الإختلافات. 
ويبقى الإسلاميون محاصرين بفكرة المحنة في إنتظار إعطاء الفرصة للشّباب والتجديد في الأفكار والقيادة من أجل تغيير الأوضاع ورسم ملامح جيل جديد من الإسلاميين قادر على الحكم وتسيير دواليب الدولة وملئ الفراغ الموجود في السّاحة والذي من نتائجه انتشار الإرهاب والخراب في عالمنا العربي.
قد يراني البعض - خاصّة من لم يفكّر يوما في تقييم التجربة الإسلاميّة تقييما واقعيّا وعقلانيّا بعيدا عن العاطفة - متشائما أو متحاملا على الإسلاميين ومزايدا عليهم، لكنّ الحقيقة أنّني ألتمس وضع الإصبع على مكمن الدّاء لعلاجه، والتقييم ضروريّ لأن بناء المستقبل لا يتمّ الاّ بفهم الحاضر ومراجعة الماضي، ومن أجل ذلك وجب على الإسلاميين المراجعة الدّائمة لفهم واقعهم وتحدّي هذه العقدة حتّى يتسنّى لهم الخروج إلى دائرة الفعل السياسي الحقيقي والفاعل.
إنّ لكلّ أمر بداية والبداية عندي تكون بتجاوز فهمهم السّابق للدّين الذي يرتكز على اعتبار أنفسهم متفوقين إيمانيّا وأنّهم متدينون أكثر من غيرهم ومتفقهون في الدّين أكثر من بقية أطياف الشعب وهذا ما يعطيهم تلك النّظرة المتعالية على النّاس.  إنّ تجاوز هذا الفهم سيسهّل محاولتهم لفهم الواقع والتعايش معه على أنّه واقعهم الطبيعي وبيئتهم التي نشؤوا فيها وبأنّهم ليسوا دخيلين على هذا المجتمع بل بالعكس هم أبناء الطّبقات المهمّشة والضّعيفة والمتوسّطة، ممّا يجعلهم يندمجون بسهولة في مجتمعهم لإيصال فكرتهم لعموم الشّعب و هذا ما يساعدهم على التّعامل مع غيرهم. كما أنّهم مطالبون أكثر من أي وقت مضى بالابتعاد عن الشعارات الرنانة بدون حلول واقعية ومن بينها شعار «الإسلام هو الحل».
نعم الإسلام هو الحل، لكن الإسلاميين هم المشكل، والأوضح هو أنّ طريقة تفكيرهم هي المشكل، فالإسلام هو الحلّ إذا ما عرفنا كيف نطبّقه وننزّله على أرض الواقع وعرفنا كيف نستنبط منه الحلول لمشاكلنا اليوميّة كما فعل الصّحابة وأسلافنا عندما صنعوا بالإسلام مجدهم ولم يكن هؤلاء ينتظرون المجد والسّلطة ليصنعوا إسلامهم.  
إذا لم تتغير هذه العقلية فلن يستقيم الحال وسوف يبقى الإسلاميون في نفس الحالة يكرّرون أنفسهم وأخطاءهم. فالحق تبارك وتعالى يقول : «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ» [الرعد:11] وهذا ما يفرض عليهم الوضوح في رؤيتهم والمصارحة في خطاباتهم. عليهم أن يقنعوا الناس بالحجّة بأنّ دفاعهم عن الهويّة لا يحرم الناس من حرّيتهم وحقّهم في الاختيار بل أنّهم مستعدّون لبذل النفس والنفيس دفاعا عن قيمة الحرية وافتدائها مع احترامهم للهوية.
هذا التوازن يجب أن يكون مفهوما وواضحا لدى قواعد وأنصار الإسلاميين لا أن تأخذهم العاطفة فينجرّوا وراءها، فيقوموا بتكرار نفس أخطائهم. وهذا دور القيادة التي من واجبها توجيه تلك العواطف توجيها صحيحا. 
ويبقى الأمل كبيرا في نجاح الإسلاميين في التصالح مع محيطهم ومجتمعهم ليتحقق الإصلاح والتغيير في عالمنا العربي والإسلامي، ولنا في المثال التركي والمغربي خير مثال «فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ» [الحشر : 2].