خواطر

بقلم
رشاد الأشهب
لماذا نقرأ؟
 إن التفكير فيما نفعل هو محاولة للمعرفة الشّاملة بالعمليّة التي نقوم بهـــا. والتفكير باعتباره عمليّة ذهنيّة، في الفعـــل الذي يقوم به الإنسان، هي حاجة ملحّة، وواجب لـــه أهداف تتطوّر على مراحـــل... فهي في مرحلتهــا الأولى حماية من السّائد ومن التّنميط وبالتالـــي فهي حمايــــة من التّقليـــد...وفي مرحلتها الثّانية هي تمكن واتّقان من حيث هي تحكّم في النّفس ضدّ السّائــــد...وفي مرحلتهــــا الثّالثــــة هي إنتـــاج وإبـــداع، من حيــث هي استقلاليّة كاملة وخروج عن المألوف...
ولمـــا للقــراءة من أهمّيــة في حيــاة الإنســان وحضـــور في شتّــى المجــالات، فهــذه دعـــوة كافّة المولعين بها للتّفكير فيهــا ووضعهــا في إطار معرفيّ يقفز بهـــا من الفوضى واللاّوعي، إلى النّظام والوعي، حتّى تصبح قراءة مثمرة تنمّي قدرات الفرد والمجموعـة، وتفتح آفاقــا معرفيّــة وحياتيّـــة جديدة أمام القارئ.
فالأمر الملاحــظ لدى الكثير مــــن القــراء أنّهم لم يهتمّــوا بالأسئلة الهامّة المتعلقة بعمليّة القراءة، والسؤال الأبرز الغائــب هــو «لماذا أقرأ؟» فكثير من الناس لا يعرفــون لماذا يقـــرؤون، ولا يبالـــون بمساءلــة أنفسهــم عــــن الهــدف التّفصيـــلي الذي يقرؤون لأجلـــه، مع أن تحديد ذلك بدقة مهم جدا لتحديـــد ما يلائم الهــــدف من أنواع الكتب و أنواع القـــراءة و مستوياتهــــا.
وقد انتشرت في السّنوات الأخيرة على مواقع التواصــل الاجتماعــي مجموعــات شبابيــة تهتـــم بالقــراءة، وقد ذاع صيتها ويقدر عدد المنتسبين إليها بالآلاف، ثم تحوّلت في مرحلــة إلى نـــوادي تعنى بتقديم الكتب ونقاشها مثل (نادي ماذا تقرأ اليــوم ؟) أو (Bibliophiles Tunisien)، وهذه بالطبــع خطوة جيدة نحــو نشر ثقافة الكتــاب لدى عامة النـــاس. لكن بمتابعتي لأعضاء المجموعات سواء على مواقع التّواصل الاجتمـــاعي أو في النّوادي، لاحظت معضلة غياب الهدف من القراءة، وهذا يمكن فهمه من خلال السّائد بينهم من التّصرفات والصّورة النّمطية التي يُراد رسمهـــا للقـــارئ، تلك الصــورة التي تسعى لجعل القارئ كأنّـــه إنسان قادم من كوكب آخر، فنرى شعارات ترفع من قبيل «أنا أقرأ إذا أنا مختلف»، «الأنثى التي تقرأ فهي كذا وكذا»...حتى أصبحت القراءة «بريستيج» ومصدرا للمفاخرة والمباهاة، وأخذت طابعا شكليّا بعيدا عن مضمون حقيقي يعطـــي القراءة قيمتها الحقيقيــــة. فتصبح القـراءة هنـــا مجرد تمثيـــل، والنقــاش مجرد حديث عابر و لغو (هذا إن لم يتحول إلى عراك). فيتحوّل النّادي إلى مكــــان للتّلاقي تحت شعار القراءة. 
وتبرز هنا أهمّية التّســـاؤل عن الهدف من القراءة في حمايـــة القـــارئ من السّائــد ومن التّنميط، وفتح الآفاق نحو قراءة حقيقيـّــة مثمــرة. فيكون القارئ بهذا السؤال فقط «لماذا أقرأ ؟» قد كون حماية لنفسه من القراءة السلبية، فقد فتح لنفسه بالقراءة الإيجابية الهادفة آفاقا جديدة نحو مرحلة ثانية تتمثّل في السّؤال التالي الذي هو «ماذا أقرأ ؟»، وأكسب فعله قيمة حتّى لو كان الكتاب ليس ذا قيمة، فالقيمة المتحقّقة هنا تكمن في الفعل قبل أن تكمن في الكتاب...