مشاغبات

بقلم
الحبيب بلقاسم
عبر وحكم
 (1)
يَا مُكَرَّمًا بِحُلَّةِ الإِيمَانِ بَعْدَ حُلَّةِ العَافِيَةِ وهْوَ يَخْلُقُهُمَا فِي مُخَالَفَةِ الخَالِقِ، لَا تُنْكِرْ السَّلَبَ، يَسْتَحِقُّ مَنْ اِسْتَعْمَلَ نِعْمَةِ المُنْعِمِ فِيمَا يَكْرَهُ أنْ يُسْلَبَهَا.
(2)
يَا مَنْ اِنْحَرَفَ عَنْ جَادَّتِهِمْ كُنْ فِي أوَاخِرِ الرَّكْبِ ونَمْ إِذَا نِمْتَ عَلَى الطَّرِيقِ، فَالأَمِيرُ يُرَاعِي السَّاقَةَ.
(3)
قِيلَ للْحَسَنِ: سَبَقَنَا القَوْمُ عَلَى خَيْلٍ دُهْمٍ ونَحْنُ عَلَى حُمُرٍ مُعَقَّرَةٍ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ عَلَى طَرِيقِهِمْ فَمَا أسْرَعَ اللَّحَاقَ بِهِمْ.
(4)
عَرَائِسُ المَوْجُودَاتِ قَدْ تَزَيَّنَتْ للِنَّاظِرِينَ لِيَبْلُوَهُمْ أيُّهُمْ يُؤْثِرُهُنَّ عَلَى عَرَائِسِ الآخِرَةِ، فَمَنْ عَرَفَ قَدْرَ التَّفَاوُتِ آثَرَ مَا يَنْبَغِي إِيثَارُهُ:
وحِسَانُ الكَوْنِ لَمَّا أنْ بَدَتْ
أقْبَلَتْ نَحْوِي وقَالَتْ لِي إِلــــَيَّ
فَتَعَامَيْتُ كَـــأنْ لَمْ أرَهَــــا
عِنْدَمَا أبْصَرْتُ مَقْصُودِي لَدَيَّ
(5)
مَنْ فَقَدَ أنْسَهُ بَيْنَ النَّاسِ ووَجَدَهُ فِي الوَحْدَةِ فَهْوَ صَادِقٌ ضَعِيفٌ، ومَنْ وَجَدَهُ بَيْنَ النَّاسِ وفَقَدَهُ فِي الخَلْوَةِ فَهْوَ مَعْلُولٌ، ومَنْ فَقَدَهُ بَيْنَ النَّاسِ وفِي الخَلْوَةِ فَهْوَ مَيِّتٌ مَطْرُودٌ، ومَنْ وَجَدَهُ فِي الخَلْوَةِ وفِي النَّاسِ فَهْوَ المُحِبُّ الصَّادِقُ القَوِيُّ فِي حَالِهِ، ومَنْ كَانَ فَتْحُهُ فِي الخَلْوَةِ لَمْ يَكُنْ مَزِيدُهُ إِلَّا مِنْهَا، ومَنْ كَانَ فَتْحُهُ بَيْنَ النَّاسِ ونُصْحِهِمْ وإِرْشَادِهِمْ كَانَ مَزِيدُهُ مَعَهُمْ، ومَنْ كَانَ فَتْحُهُ فِي وُقُوفِهِ مَعَ مُرَادِ اللَّهِ حَيْثُ أقَامَهُ وفِي أيِّ شَيْءٍ اِسْتَعْمَلَهُ كَانَ مَزِيدُهُ فِي خَلْوَتِهِ ومَعَ النَّاسِ، فَأشْرَفُ الأحْوَالِ أنْ لَا تَخْتَارَ لِنَفْسِكَ حَالَةً سِوَى مَا يَخْتَارُهُ لَكَ ويُقِيمُهُ فِيكَ، فَكُنْ مَعَ مُرَادِهِ مِنْكَ ولَا تَكُنْ مَعَ مُرَادِكَ مِنْهُ.
(6)
مَصَابِيحُ القُلُوبِ الطَّاهِرَةِ فِي أصْلِ الفِطْرَةِ مُنِيرَةٌ قَبْلَ الشَّرَائِعِ: يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ ولَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ.
(7)
وَحَّدَ قُسٌّ ومَا رَأى الرَّسُولَ، وكَفَرَ اِبْنُ أُبَيٍّ وقَدْ صَلَّى مَعَهُ فِي المَسْجِدِ.
(8)
سَبَقَ العِلْمَ بِنُبُوَّةِ عِيسَى وإِيمَانِ آسِيَةَ، اِمْرَأةِ فِرْعَوْنَ، فَسِيقَ تَابُوتُهُ إِلَى بَيْتِهَا فَجَاءَ طِفْلٌ مُنْفَرِدٌ عَنْ أُمٍّ إِلَى اِمْرَأةٍ خَالِيَةٍ عَنْ وَلَدٍ، فَلِلَّهِ كَمْ فِي هَذِهِ القِصَّةِ مِنْ عِبْرَةٍ، كَمْ ذَبَحَ فِرْعَوْنُ فِي طَلَبِ مُوسَى مِنْ وَلَدٍ، ولِسَانُ القَدَرِ يَقُولُ: لَا نُرَبِّيهِ إِلَّا فِي حِجْرِكَ.
(9)
كَانَ ذُو البِجَادَيْنِ يَتِيمًا فِي الصِّغَرِ، فَكَفَلَهُ عَمُّهُ، فَنَازَعَتْهُ نَفْسُهُ إِلَى اِتِّبَاعِ الرَّسُولِ فَهَمَّ بِالنُّهُوضِ فَإِذَا بَقِيَّةُ المَرَضِ مَانِعَةٌ فَقَعَدَ يَنْتَظِرُ العَمَّ، فَلَمَّا تَكَامَلَتْ صِحَّتُهُ نَفِدَ الصَّبْرُ فَنَادَاهُ ضَمِيرُ الوَجْدِ:
إِلَى كَمْ حَبْسُهَا تَشْكُو المَضِيقَا
أَثِرْهَا رُبَّمَا وَجَدَتْ طَرِيقــَا
فَقَالَ: يَا عَمُّ طَالَ اِنْتِظَارِي لِإِسْلَامِكَ ومَا أرَى مِنْكَ نَشَاطًا. فَقَالَ: واللَّهِ لَئِنْ أسْلَمْتَ لَأنْتَزِعَنَّ كُلَّ مَا أعْطَيْتُكَ، فَصَاحَ لِسَانُ الشَّوْقِ: نَظْرَةٌ مِنْ مُحَمَّدٍ أحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا ومَا فِيهَا.
ولَوْ قِيلَ للْمَجْنُونِ لَيْلَى ووَصْلَهَا
تُرِيدُ أمِ الدُّنْيَا ومَا فِي طَوَايَاهَا
لَقَالَ غُبَارٌ مِنْ تُرَابِ نِعَالِهَا
ألَذُّ إِلَى نَفْسِي وأشْهَى لِبَلْوَاهَا
فَلَمَّا تَجَرَّدَ للِسَّيْرِ إِلَى الرَّسُولِ جَرَّدَهُ عَمُّهُ مِنَ الثِّيَابِ، فَنَاوَلَتْهُ الأمُّ بِجَادًا فَقَطَعَهُ لِسَفَرِ الوَصْلِ نِصْفَيْنِ اِتَّزَرَ بِأحَدِهِمَا واَرْتَدَى بِالآخَرِ، فَلَمَّا نَادَى صَائِحُ الجِهَادِ قَنِعَ أنْ يَكُونَ فِي سَاقَةِ الأحْبَابِ، والمُحِبُّ لَا يَرَى طُولَ الطَّرِيقِ لِأنَّ المَقْصُودَ يُعِينُهُ. فَلَمَّا قَضَى نَحْبَهُ نَزَلَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُمَهِّدُ لَهُ لَحْدَهُ وجَعَلَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أمْسَيْتُ عَنْهُ رَاضِيًا فَاَرْضَ عَنْهُ»، فَصَاحَ اِبْنُ مَسْعُودٍ: «يَا لَيْتَنِي كُنْتُ صَاحِبَ القَبْر»ِ.