تمتمات

بقلم
رفيق الشاهد
رياضة رمضان
 قطع المسافات عدوا أو سباحة أو على صهوة جواد والجري خلف كرة كبيرة وصغيرة رجالا أو ركبانا لدفعها ركلا أو بمضرب لتستقر في الهدف، وقفز طويل بأدوات مختلفة ووثب بزانة وتسلق جدران صخرية جبلية كانت أو لبنايات عصرية وداخل المدن العتيقة، كلها ألعاب رياضية جديدة وقديمة شاعت واشتهر بعض من أتقنها ونجح في التميز في حذقها. 
هذه بعض من رياضات متعددة أصبحت منذ عهود ألعابا تدرب على منافسة خصوم في مباريات صارت شعبية وأصبحت توفر لأصحابها الكثير من الشهرة والمال، وعلى قدر ما تغري الشبان يأسف الكهول من عدم خوض مثل هذه التجارب التي لم تستهويهم ولم تستدرجهم في زمانهم. الرياضة وإن اختلفت في نوعها والقواعد التي تنظمها فهي تلتقي في أهدافها المعلنة من شحذ الهمم وصقل الجسم والبدن وتخليصه مما علق به من تراكمات بفضل التمارين التي تؤهل صاحبها لتحقيق هدف ليس ببالغه دون اجتهاد ومثابرة.
والرياضة رياضات تروض النفس على تحمّل المشاق وتحدي الصعاب وتعلي روح التنافس. غلبة النفس والتعالي على الوضاعة يكون باعتماد رياضة بدنية من جري وقفز وكذلك رياضات أخرى قد لا تتطلب إلا الجلوس والسكينة فهي تروض أشياء أخرى في الإنسان غير الجسم وعضلاته. والألعاب التي تتماشى مع هذه الرياضة العقلية كثيرة منها القديم كالشطرنج وألعاب الورق والدومينو وغيرها ومنها الحديث مثل تلك الرياضة البدنية الافتراضية التي احتلت أجهزة الكمبيوتر  أو الهواتف الجوالة فترى الشاب يجري ويقفز وجسمه جامد في نفس المكان. سلبت الألعاب الرقمية اهتمام الشباب حتى أصبحت شبكات عالمية ينصهر فيها الصغير والكبير وحتى مِن الكهول منْ تدارك ما فاته فإذا به يتنافس مع صورة في فضاء افتراضي يحركها ذكاء اصطناعي. إلى أين يحملنا العقل الافتراضي؟ فهل أصبحت كل أعمالنا وهمية؟ وهل أن الأموال المتداولة من هذه الأعمال حقيقة أم افتراضية وما حال المشاريع المنجزة بفضل هذه الأموال؟ متى أستفيق واكتشف الحقيقة فإن الأمر تشابه علي.
(2)
نستعد هذه الأيام لخوض رياضة الروح وتدريبها على تحمل الجوع والعطش لعل النفوس تلين وتعطف على من يستحق من فقراء ومساكين. رياضة تدرب النفس على نزع ثياب الأنانية. فالتعري لا يسيء للنقاوة ولا يفسدها لكنه يكشف السوء الذي يشوبها. فلم يخصف آدم عليه من ورق الجنة إلا لما ظهرت سوءته. ولو كنت نقيا دون عيوب لخرجت مثل آدم عاريا.
شهر رمضان نستعد له منذ أشهر فلا نسمع من أخبار غير الإعلانات بتوفير كذا من بيض وخزن كذا من لحم وحليب وسوف نوفر كميات هائلة من كل المواد المستهلكة. لعلنا نستعد لمواجهة حرب لا قدر الله فنعد لها ما استطعنا من قوة وذخيرة ورباط الغنم.
(3)
في يوم كنت في ورشة لنجارة الخشب. عدّل الحرفي آلته بإدارة مفاتيح يمنة ويسرة عدة دورات، وأدار أخرى بدقة محسوبة ثم شغل الرجل آلته فتعالى أزيز دواليبها وأمسك باللوح القديم الذي حملته إليه للصقل والتهذيب. وعندما مرر اللوح بين دواليب الآلة تناثرت منه نجارة الخشب شظايا في شكل قشور. وأعاد الرجل تمرير اللوحة مرة أخرى على صفحتها الثانية بعد أن عدل مرة أخرى مفاتيح آلته لتضييق ما بين الدواليب فإذا بالقشور تتناثر من جديد. وأعاد العمل نفسه وفي كل مرة يتقلص حجم القشور المتناثرة حتى أصبحت غبارا رقيقا. وأمسكت باللوح متمعّنا في نقاوة صفحاته ورقة ملمسها وما أحسن تناسق الألياف التي شكلت رسوما بهيجة تسر الناظر. طلبت من الصانع أن لا يحجب هذه الطبيعة الصافية النقية إلا برداء خفيف شفاف يحميها من قساوة الأيام.
لما كان الصانع يصقل اللوح بآلته تمنيت على رمضان الفعل نفسه في نفوس الصائمين. لو كان شهر رمضان مثل هذه الآلة العجيبة لما قفل باب.