في التنمية البشرية

بقلم
أ.د.فوزي أحمد عبد السلام
بين التربية والتدريب
 تختلف التعريفات في التربية اختلافا واسعا وجل هذه التعريفات تخلط بين مفهوم التربية ومفهوم التدريب. والتربية لغةً اسم مشتق من الربّ وهو المالك والسيد والمُدِّبر والمُربيِّ والقيِّم والمُنعم. وإذا حاولنا صك تعريف للتربية نقول بأنّها عملية إصلاح الناشئة للقيام بالدور الإنساني المختلف عن غيره علي أكمل وجه. وبهذا المعني قال الزمخشريُّ في التربية بأنها «التهذيب وعلو المنزلة»[1]. أما التعريفات الاصطلاحية فهي: مجموعة من العمليات يستطيع بها المجتمع أن ينقل معارفه وأهدافه المكتسبة ليحافظ على بقائه. ومنها تعريف هربرت هنان «التربية علم يهدف إلى تكوين الفرد من أجل ذاته، وبأن توقظ فيه ميوله الكثيرة» أما دوركايم فيذهب إلي الجانب الاجتماعي للتربية «تكوين الأفراد تكويناً اجتماعياً» ويرى الفيلسوف النفعي جون ستيوارت مل بأن التربية هي «التي تجعل من الفرد أداة سعادة لنفسه ولغيره». أما جون ديوي  فيرى أنَّ التربية « تعني مجموعة العمليات التي يستطيع بها مجتمع أو زمرة اجتماعية، أن ينقلا سلطاتهما وأهدافهما المكتسبة بغية تأمين وجودها الخاص ونموهما المستمر. فهي باختصار«تنظيم مستمر للخبرة». بينما يعرف التدريب على أنه عملية كمية يقصد بها إستخراج الجانب المادي من العنصر البشري لأجل تنمية  قدرات الفرد وتنمية مهاراته وسلوكياته في استخدام وتطوير التكنولوجيا الحديثة، مما يجعله قادراً على أداء مهامه على الوجه الأفضل.
فيزياء التدريب وميتافيزياء التربية
 من مجمل هذه التعريفات نرى أن التدريب له وجود موضوعي في العالم الفيزيقي نستطيع قياسه بمعايير موضوعية بخلاف التربية التي لها تعلق رئيس بالمساحة الداخلية الماورائية ذات الأبعاد اللانهائية للإنسان والتي تنتج من تفاعل الروح مع المكون المادي داخل للإنسان. من هذه الزاوية أيضا لا يستطيع التدريب مهما تطورت أدواته من إنتاج أفراد قادرين على التضحية الكبرى المشتملة على تمام الرضا، كأن يضحي إنسان بحياته في سبيل مبادئه أو حتى في سبيل آخر منفصل عنه، بينما تمتلك التربية أبعد من ذلك (والقصص المثبتة في التاريخ البشري أكثر من أن تحكى بدء من أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام وقصة إلقائه في النار وهي قصة اتفقت الأديان السماوية على إثباتها مرورا بالتضحيات الكبرى في جيل الصحابة خباب بن الأرت وخبيب بن عدي وبلال وآل ياسر والتاريخ المسيحي أيضا ملئ بالتضحيات في سبيل العقائد التي ترسخت بالتأمل وقصة الراهب الدومينيكي جيوردانو برونو مسجلة بالتفصيل في التاريخ الكنسي[2] والذي أحرقته محاكم التفتيش حيّا حيث كان ينادي «أنا لا أستطيع أن أتنكّر لتصوري الجمالي لإلهي، لا أستطيع أن أحيا تحت سماء وكون لا يعكسان تصوري لله.» كيف أتصور أنّ الرّب غير نهائي القدرة الذي صنع هذا الكون اللانهائي والبديع، ومن ثمّ نصلبه بكلّ بساطة على الصليب؟)
الروح وإنسانية الإنسان
عند هذا الحدّ لا بدّ من الكلام عن الرّوح والإنسانية لتعلّق ذلك بموضوع التّربية. الرّوح تلك النّفخة المقدّسة التي لا ولن يعلم أحد كنهها، إلاّ الله، «وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً» [3] لكن بنفخها في الجسد تكسبه نواة إنسانيّة الإنسان والصّفات المميّزة للإنسان والإنسان فقط. يقول البعض أنّها –أي نفخة الرّوح- هي الطّاقة التي يبثّها الله عز وجل في المخلوق فتكسب الجسد الحياة والحركة والدفء والتّجدد والنّمو. ومن وجهة نظري أنّ هذا الرّؤية ليست صحيحة بشكل كامل لأنّ الأحاديث النّبوية الشّريفة دلّت على نفخ الرّوح في الجسد بعد مائة وعشرون يوما أي أربعة أشهر، وبعضهم يقول بعد أربعين يوما وإن كان قولا ضعيفا، ففي الحديث الشّريف قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أحدكم يجمع في بطن أمّه أربعين يوماً ثمّ يكون علقةً مثل ذلك، ثمّ يكون مضغةً مثل ذلك، ثمّ يبعث الله ملكاً فيؤمر بأربع كلمات ويقال له: اكتب عمله، ورزقه، وأجله، وشقيٌّ أم سعيد، ثمّ يُنفخُ فيه الرّوح فإنّ الرّجل منكم ليعمل حتّى ما يكون بينه وبين الجنّة إلّا ذراع فيسبق عليه كتابه فيعمل بعمل أهل النّار، ويعمل حتّى ما يكون بينه وبين النّار إلّا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنّة» [4] وقد كان قبل هذه المدّة كائنا حيّا ينقسم وينمو ويتحرّك. لكن إذا قلنا إنّ الرّوح تكسب الجسد الحيّ التي نفخت فيه أنوية الصّفات المميّزة للإنسان وللإنسان فقط مثل حرّية الاختيار، الإدراك، الإرادة، العزم، ... أيضا في النوم تخرج الرّوح من البدن، فقد جاءت الأدلّة الصّريحة من الكتاب والسّنة الصّحيحة تدلّ على أنّ الرّوح تقبض عند النّوم، وأنّ النّوم صورة من صور الوفاة، ومن هذه الأدلّة  قول الله عز وجل « اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»[5]، وقوله سبحانه «وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ»[6]، وحديث أبي قتادة رضي الله عنه حِينَ نَامُوا عَنِ الصَّلاَةِ قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم «إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ، وَرَدَّهَا حِينَ شَاءَ»[7]، وعن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرِهِ الَّذِي نَامُوا فِيهِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَقَالَ: إِنَّكُمْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْكُمْ أَرْوَاحَكُمْ، فَمَنْ نَامَ عَنْ صَلاةٍ فَلْيُصَلِّهَا إِذَا اسْتَيْقَظَ، وَمَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَ»[8]، وعن حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ من النوم قال : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ»[9] . 
 وقد قال البعض أنّ خروج الرّوح من البدن أثناء النّوم يكون جزئيّا دون أن يقدّم دليل، إلاّ أنّه مع خروج الرّوح في النّوم تظلّ الحياة موجودة بمفهوم الحركة والتّنفس واستمرار نبض القلب بل والنّمو لكن تتلاشى فئة أخرى من الصّفات الهامة جدّا المميّزة للإنسان دون غيره من الكائنات وهي حرّية الاختيار، الإدراك، الإرادة، العزم وكل الصّفات التي لايشترك مع الإنسان فيها كائن آخر والتي تجعله مكلّفا. أي أنّ وجود الرّوح في البدن تؤهّله بعد مدّة من تفاعلها مع الجسد إلى ما يشبه تمام هذه الصّفات فيصبح بعد فترة من طفولته قادرا على التّمييز والاختيار والإرادة والعزم والتّضحية وتولد فيه العقل الذي هو مناط التّكليف.
عود إلي التربية
التّربية هي حركات تغيير جذري تنتج في أعماق الذّات لكلّ فرد وبشكل مستقلّ نتيجة تفاعل الذّات مع شريط العرض السّينمائي لكلّ ما يحدث في دنياه وبعض الأشياء الهامّة جدّا على هذا الشّريط على سبيل المثال لا الحصر هي «القدوة» و«المثل» و«الآراء» و«المناقشات» «الحوار»  في جو يخلو تماما من شروط القهر وأدوات العنف. من هذه  العمليّة المعقّدة جدّا يبني الإنسان بنفسه تصوّره للخير والشرّ، للفضيلة والرّذيلة، للحسن والقبيح، لكلّ الصّفات التي تميّز الإنسانيّة داخل الإنسان، وتكسبه المفارقة التامة عن غيره من المخلوقات، إذ لا يمكن أبدا تنمية هذه الصّفات داخل الإنسان بقوّة فرض القوانين أو التّدريب، فهذه الأخيرة لا تغيّر إلاّ السّلوك الظّاهري فقط، بل ربّما تنتزع القوانين إنسانيّة الإنسان وتحوّله إلى آلة جامدة تحترم القوانين في الظّاهر للخوف من بطشها وسلطانها على الجسد لا للرّغبة في إحيائها في الباطن، بل ربّما انتهكه حتى النّخاع عند الخلوة. فإنسانية الإنسان التي تهتم بها التّربية تنتمي لهذه المساحة الدّاخلية اللانهائية التي تتجلى عند خلواته بنفسه والتي تنتمي لها النّية والتّقوي والشّغف والتّضحية والحبّ والتّأمل والإدراك والإرادة. ومجرّد عقد النّية بالعزم الأكيد على فعل معيّن له دلالة بالغة في أنّه وقع بالفعل وتحقّق في عالم الأبديّة الذي لا يمكن محوه إلاّ بقبول التّوبة عند الخالق عزّ وجل، وحصوله في العالم الفيزيائي هو مجرّد ظهور يراه الآخرون فقط ممّن ليس لهم القدرة على الاطلاع على المساحة الدّاخلية للإنسان. ويصبح كما قال علي عزّت بيجوفيتش «خير ما أراد الإنسان أن يكون خيرا وفي حدود فهمه ووعيه للخير» [10]، ويقول أرنولد جيولنكس «إن وجودنا الحقيقي يعتمد على الإدراك والإرادة فقط» [11].
التربية لا تفرض بقرار
أبدأ بكلمة تكتب بالذّهب لإمام أهل السّنة «أحمد بن حنبل» رحمه الله حين سأله ابنه صالح عن سبب إطالة صلاته باللّيل فقال له «والله يا بنيّ إني لأطيل صلاتي رجاء أن أحفظ فيك». لكنّنا نرتكب جريمة كبرى حين نربّي أولادنا بالأوامر والنّواهي فقط، بفرض الرّأي وليس مجرّد عرضه، ومن ثمّ نزيد جريمتنا بشاعة باستخدام القوّة ضدّ من يخالف الأمر والنّهي أو حتى مجرّد التّلويح بها. الأوامر والنّواهي والقوة تقتل الإنسانية داخل الأطفال وينمو أطفالنا أمام أعيننا كآلات جامدة تنفّذ القرارات الموجّهة إليهم. مع العلم بأنّه لا يمكن تغيير القناعات الفرديّة بالقرارات حتى لو كانت تلك القرارات قد أشبعت بحثا ودرسا. نريد - مخطؤون بلاّ شكّ - صبّ أرواحنا في قوالب أبنائنا معلّلين لأنفسنا بأنّهم نشؤوا منّا. نعم المادّة الحيّة بأجسادهم نشأت منّا لكن نفخة الرّوح التي تحوّل هذه المادّة الحيّة إلى إنسان أتتهم منفصلة عنّا، لا تمتّ لنا بصلة، أتتهم هبة ربانيّة خالصة لهم تبني منها ذواتهم الحرّة، المختلفة عن أيّ أحد في الكون كلّه حتى ولو كانوا والديهم، وتشكّل بها أي بنفخة الرّوح تصوراتهم للطبيعة وماورائها، فكيف نأتي نحن ونرتكب جريمة عظمى بمحاولة صياغة أولادنا على مقاساتنا وعلى أفكارنا وعلى نماذجنا وكأنّهم –أي أطفالنا- ذرّات مواد حديديّة، والأوامر والنّواهي والثّواب والعقاب مجال مغناطيسي مسلّط عليهم. هذه جريمة قتل نبرّرها ونحن زاعمون إنتاج أناس صالحين. والحقيقة أنّ هذا كله ليس من باب التّربية في شئ بل هو أقرب إلى تدريب الحيوانات على إنتاج سلوكيّات منمّطة. 
فلا تكون التّربية بمناهج التّدريب بل التّربية لا تكون أبدا إلاّ بالقدوة الحيّة والمحاورة الهادفة والمناقشة البنّاءة والتّأمل المستمرّ كي يستطيع النّاشئ إدراك العلاقات بين الأشياء المختلفة بعقله هو وقلبه هو لا بعقل غيره وقلب غيره، حتى ولو كان أحد والديه، فهذه هي المهمّة التي تبني بها النّفس بشكل منفرد. ومن يحاول إنتاج سلوك واحد في الجماعة البشريّة فهو يرتكب جرما حين يتعامل مع الإنسان تعامله مع القطيع ولذلك يجب منعه من ذلك بكلّ سبيل.
إنّ المساحة بين التّربية والتّدريب هي المساحة بين اللانهايتين السّالبة والموجبة على المحورين، هذه المساحة لا نهائيّة الطبيعة، حتى ولو صبّت مناهج التّدريب في قوالب خلقيّة لتدجّل على النّاس بأنّها مناهج تربية. يبقي التّدريب مجموعة من الإجراءات موجّهة بالأساس للحيوان بطبيعته في خلوه من استنباط العلاقات بين الأشياء، بينما التّربية صور وحوارات حرّة وقدوات حيّة موجّهة للإنسان تمثّل طريقة في استكشاف الأبعاد اللانهائية للرّوح التي بداخله وتفاعلها مع الجزء المادي فيه لاستنبات الذّات البشريّة الإنسانيّة المحتواة بين جوانحه تمكنه في النّهاية من حرّية الاختيار. 
بالتّدريب تستطيع إنتاج «أفراد» عبارة عن تروس جديدة في آلة الانتاج الرّهيبة ربّما تكون تلك التّروس أكثر مهارة وأكثر صلابة وأكثر في كلّ الصفات التي لها تعلّق رئيس بالصّفات المادّية فقط، في حين لا تستطيع طرق التّدريب إنتاج فرد واحد مخلص شريف حرّ إلى آخر الصّفات التي لها تعلّق بالإنسانيّة داخل الإنسان. مع التّأكيد على ضرورة التّربية والتّدريب وعدم إمكانيّة فصلهما. أمّا إذا سيطرت مناهج التّدريب وانعدمت مناهج التّربية فإنّنا في الحقيقة ننتج حيوانات أليفة طيّعة للأمر والنّهي في شكل بشر وربّما كان المنتج أقلّ من الحيوان فربّما كانوا جسيمات تتحرّك تحت تأثير مجال معين فقط. وإذا انعكس الوضع فسيطرت مناهج التّربية وانعدمت مناهج التّدريب فإنّنا بصدد إنتاج جيل من الرّهبان والمتصوّفة والمفكّرين المنعزلين عن الدّنيا. نحن بحاجة إلى زيادة جرعات التّربية بكثير على حساب مناهج التّدريب في كلّ مراحل الطفولة المختلفة وربّما إلى بدايات مرحلة البلوغ حيث المراهقة ومحاولات إثبات الوجود الفردي المستقل، وذلك من أجل الحفاظ على الهويّة الفرديّة. لكن لا يفهم أحد من هذا الكلام أنّي أغفل دور التّدريب، فهو من الأهمّية بمكان، لكن له موقعه ووقته وجرعته المحدّدة الذي يتوجّب فيه، حتى للأطفال فلابدّ من تأهيلهم للتّعامل مع الأدوات الحديثة للعصر من أجل استخدامها بطريقة مثلى ومن ثمّ تطويرها.
شئ من الواقع
لو رجعنا إلى واقعنا ودقّقنا النّظر وأمعنّا التّأمل فإنّنا سنجد أنّ دور أكثر الآباء والأمّهات وممّن يسمّون أنفسهم «بالمرّبين» لا يعدو دور الحارس فضلا على أنّ يكون المدرّب للحيوانات في صورة بشر لأنّهم أبعد ما يكون عن دور المرّبي، فلا يعرفون أصلا تجسيد دور القدوة الحسنة أو إدارة نقاش بناء أوعرض الآراء المتباينة الجادّة أو احتواء الصّغار بالدّخول معهم في دنياهم لأنّ حصّتهم من الثّقافة منعدمة. وصار الزّواج وإنشاء البيوت وتكوين الأسرة كلّه فقط للضّرورة البيولوجيّة والأولاد الذين يأتون من عمليّة كهذه لا يعدون عن كونهم كائنات حيّة فقط إلاّ ما رحم ربّك وقليل ما هم. ومعظم مناهجنا التعليمية إن لم يكن كلها، صارت تكرّس فقط لبناء الجانب المادّي للإنسان -مع أهميّة ذلك- (كيف يتعامل مع التّكنولوجيا الحديثة كيف يطوّرها) وأهملت تماما وعن عمد بناء الإنسانيّة داخل الإنسان وتركته للبيت الذي طحنه الأزمة الاقتصاديّة. حتّى رأينا من منتجات ذلك الجيل من يستخلص فكرة صحّة معتقده سواء فرد أوجماعة من انتصارات في الواقع العملي، فإذا خاض حزب ما انتخابات وشهد لها الجميع بالنّزاهة فلا يدلّل هذا على صحّة مبادئ هذا الحزب. لأنّ كليهما ينتميان إلى منطقتين مختلفتين إحداهما وهي عملية الانتصار -حتّى ولو كان ساحقا- ينتمي إلى الجانب المادي البحت من الإنسان والذي ينمّي بالتّدريب والثانية هي المبادئ فتنتمي إلى العقائد والتي بدورها تنتمي إلى التربية والتي لا يمكن الحكم عليها ببساطة واختزال الصّحة أو الخطأ  فيها.  
الهوامش
[1] الزمخشري، محمود بن عمر جار الله ( ت 583هـ/ 1134م ( أساس البلاغة، القاهرة، دار الكتب، ط1، 1341هـ/ 1922م،
[2]    ديورانت، ل وايريل ، قصة الحضارة، جزء 29:  بداية عصر العقل؛ ترجمة: فؤاد أندراوس؛ مراجعة: علي أدهم (متاحة علي الرابط)
http://archive.org/download/Qsh-alhdarh/Qsh-alhdarh29.pdf
[3]  سورة الإسراء - الآية 85
[4]  رواه البخاري
[5]  سورة الزمر - الآية 42
[6]  سورة الأنعام - الآية 60
[7] رواه البخاري برقم (7474)
[8] رواه أبو يعلى في المسند (2/192)، وصححه الألباني في  إرواء الغليل (1/293) 
[9]  رواه البخاري (6312)، وهو عند مسلم في صحيحه (2711) من حديث البراء رضي الله عنه.
[10] بيجوفيتش ، علي عزت «الإسلام بين الشرق والغرب» ترجمة محمد يوسف عدس، مؤسسة بافاريا، طباعة وتوزيع مؤسسة العلم الحديث، بيروت، الطبعة الأولي يناير 1994 م.
[11] ذهب «أرنولد جيولنكس» Arnold Geulinex إلى أن وجودنا الحقيقي يشتمل على الإدراك والإرادة فقط، وهو مُركب يجعلنا عاجزين عن القيام بأعمال أبعد من حدود وعينا، وتكاد تكون جميع الأفعال، أبعد من قدرتنا، لأنها جميعا ملك «للمشيئة الإلهية»