وجهة نظر

بقلم
حسن كمال روان
الثابت والمتغير في سياسة التشريع
 تمهيد
مرّت  العلاقات السّياسية ما بين الحاكم والمحكومين بعدّة  تجارب دستوريّة أثّرت في الشّكل النّهائي الذي تظهر به النّظم الدّستورية المعاصرة اليوم، بحيث هيمن بعد سقوط جدار برلين مفهوم الدّيمقراطيّات اللّيبراليّة على النّظرية العامّة في صياغة الدّساتير، غير أنّ التّوازن النّسبي الذي يقتضيه الفصل بين السّلطات يشهد جدليّة حادّة ما بين مقتضيات النّظرية والواقع البنيوي والوظيفي للأنظمة السّياسية اليوم، بحيث تتعرض السّلطة التّشريعية لانتقاص صريح من صلاحياتها في المبادرة وإدارة سياسة التّشريع.
ولاشكّ أنّ هذا التّراجع يعود لعوامل داخليّة وخارجية عدّة، أثّرت على التّوازن المفترض بين السّلطات لاسيّما بين التّنفيذية والتشريعية منها.  
انحصار دور السّلطة التّشريعية لصالح السّلطة التّنفيذية
إن السّياسة المعاصرة منوط بها إدارة الشّأن العام تحت واقع تزايد في حجم المدخلات العلميّة والإحصائية بحيث تكون السّلطة التنفيذية أكثر إحاطة  ومرافقة لهذه المتطلبات، في حين تجد السّلطة التّشريعية نفسها بوسائلها المحدودة واقتصارها على أجهزتها المركزيّة بعيدة عن الواقع العملي، ممّا يعطي للسّلطة التّنفيذية أفضليّة في المبادرة التّشريعية.
يضاف إلى هذا ما يمكن ربطه ديمومة وانتشار العمل الحكومي المرتبط بهيكل وبنية الدّولة، فلا يجد نفسه مهدّدا بعهدة نيابيّة محدودة زمنيّا ومربوطة بتغيّر دوريّ للأشخاص، فالمرفق هو الذي يضمن متابعة المتطلّبات وإدارتها حتّى ينتهي بها المطاف في مشاريع قوانين ولوائح.
كما أنّ العمليّة السّياسية التي يضبط قواعدها الدّستور تقتضي عموما أن تكون الأغلبيّة هي التي تصنع السّلطة التنفيذية، وعليه فإنّ أيّ توجه في التّشريع غالبا ما يحدث بتوافق بين السّلطتين وإن كان الأصل في تباعيّة السّلطة التّنفيذية للسّلطة التّشريعية فإنّ الواقع لاسيما في دول العالم الثالث يوحي بالعكس، ذلك خصوصا مع التّسليم  أنّ السّلطة التّنفيذية منوط بها اعتماد الأحزاب وإدارة مراحل العمليّة الانتخابيّة والتّحكم في مفرزاتها، وعليه تجد السّلطة التّشريعية وكذا سياسة التّشريع أسرى لإدارة السّلطة التّنفيذية .
ولا تفوت الإشارة أيضا إلى أثر تواجد السّلطة التّنفيذية كمفاوض أساسيّ في جميع الاتفاقيات والمعاهدات الدّولية التي تبرمها الدّولة والتي غالبا ما تجبر السّلطة التّشريعية على تحيين أو ملائمة القوانين الدّاخلية على ضوئها، وبهذا تكرّس مبدأ طرح في العصر الحديث وهو تراجع السّيادة الوطنيّة في ظلّ رهانات العولمة ومفهوم النّظام الدّولي الجديد. 
خلاصة 
لا شكّ أنّ النّظريّة الحديثة في الدّستور طرأت عليها تعديلات، بل وإضافات جعلت في توازن مكوّناتها من سلطات أمر جدّ نسبي يخضع لمقتضيات سياسيّة مرتبطة بالحياة المعاصرة، كما أنّ التّغير في مفهوم السّيادة جعل من إدارة الدّولة لشأنها الدّاخلي عبر السّياسات العامّة التي تنتهجها لاسيّما سياسة التّشريع أمرا مرهونا بالعلاقات الدّولية، لذلك وعلى ضوء ما سبق ذكره فإنّه لا مناص من انحصار السّلطة التّشريعيّة في تأدية دورها وإن كان ذلك على حساب التزاماتها الحزبيّة وعهدتها النّيابية.