غمزة

بقلم
محمد المعالج
عن التواضع
 شخصّيا أمقت الغرور وأنبذ التّكبر والعجب وكلّ أشكال الاستعراض المجاني التي ينتهجها الكثير من النّاس في هذا الزمان. فالغرور في تقديري ينمّ عن وجود خلل في شخصيّة المغترّ بذاته والمعتدّ بها الى درجة الشّعور المقيت بالاستعلاء والتفوّق الوهمي على الآخرين. كما أّن الغرور دليل قطعيّ على حالة مرضيّة تشكو عديد التّناقضات والصّراعات الدّاخليّة والخارجيّة ممّا يجعلها تميل الى الظّهور بثوب المبجّل والمتميّز بعدّة خصال فريدة من نوعها. وهذا يساهم بدوره في تعزيز شعور الفرد بالنّرجسيّة والغرور. علاوة على هذا، فأنّ الشّخص المغرور غالبا ما يعاني من مركّب نقص ودونيّة مقارنة بالأخرين.
فبمجرد أن يلقي المرء نظرة خاطفة الى من يفوقه معرفة أو خبرة في الحياة حتى يبدأ في ملاحظة الفروق الفاصلة بينهما. كما تسهم هذه المقارنات العقيمة في تعميق الشّعور بالنقص. 
في المقابل، فإنّ التّواضع دليل على غنى النّفس وعلامة على سعة الأفق ورقيّ المتواضع.
يقول أحد الحكماء: «الخير كلّه في بيت ومفتاحه التّواضع والشرّ كله في بيت ومفتاحه التّكبر». من هنا تستشفّ قيمة ومكانة التّواضع في حياة الانسان إضافة الى أثره الكبير في توطيد عرى الأخوة والمحبّة بين النّاس على اختلاف مشاربهم ومرجعياتهم.
وخلافا لما يعتقده البعض، فإنّ التّحلي بخصلة التّواضع ليس مرادفا للضّعف والهوان بقدر ما هو كفيل بتحقيق العزّة والكرامة الانسانيّة. كما أنّ التّواضع لا يقصد به الاستكانة والتّنازل عن الحقّ على اعتبار أنّ الافراط في التّواضع يجلب المذلّة.
فإذا ما أراد الانسان أن يبلغ مرتبة الاستقامة المنشودة فلا بدّ أن يجمع بين تواضعه مع الله عزّ وجلّ والتّواضع مع خلقه حتّى يسهل عمليّة التّواصل والتّعاون مع الآخر من خلال قبوله بكلّ اختلافاته. يقول تعالى : «وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا ...» (سورة الفرقان الأية 63)
كما أنّ عدم الاعتراف بالمجهودات الصّادقة وجحود المساهمات القيّمة لعدد لا يستهان به من المبدعين من شأنه أن يعزّز شعور البعض بالخيبة إضافة الى ترسيخه مشاعر الدّونية والسلبيّة.
في المقابل، يلعب التّواضع دورا مفصليّا في شعور الفرد بالتّوازن والطمأنينة فضلا عن تعزيزه لقيم التّصالح والتّسامح ونبذ الفرقة والرّغبة في التّشفي أو الانتقام.