في العمق

بقلم
البشير ذياب
العرب والسياسة ... وعقدة إنتقال السلطة
 ما تعرضت له المجتمعات العربية عموما من هرسلة من ناحية حقوق المواطنة منذ موقعة الجمل إلى موقعة شارع بورقيبة لا يمكن أن يمرّ دون أن يترك عاهات وتشوهات مزمنة من النّواحي الثقافية والسّياسية والفكرية...
ولا يمكن أن نأسّس لمجتمع سليم وأعني بسليم قادر على إستيعاب الحضارة الحديثة ولا أقول الغربيّة بجانبيها المادّي والمعنوي دون أن نخضعه لمراحل متعاقبة من التّأهيل النّفسي والفكري تخلّصه من الآثار المباشرة لهذه المحرقة النّفسية السّياسية لأربعة عشر قرنا من الزّمن. لذلك فإنّ الأحزاب السّياسية التي تتوق لبناء مستقبل حقيقي لأي دولة عربية عليها أوّلا أن تكون هي ذاتها في كوادرها السّياسية قد تخلّصت من هذه العاهة، أي أنّنا اليوم بحاجة لقادة فكر سياسي ينتجون المنوال السياسي لا طبقة مستهلكة للمثلّجات السّياسية المستوردة غربا وشرقا، لذلك فإنّ المراجعات بالنسبة للأحزاب السّياسية هي أمر ضروري ولكن المراجعات التي لا تأخذ في الإعتبار المواريث السّياسية والاجتماعية والفكريّة التي سحقت المجتمع فإنّها تظلّ مراجعات قاصرة ولا يمكن أن ننتظر منها حلولا جدّية يمكن أن تحقّق قفزة نوعية في المستقبل.
أكيد أن الزعماء السياسيين تساءلوا عن سبب تحول الربيع العربي إلى شتاء قارس ومعارك طاحنة بين الإخوة الأعداء، لكن أكيد أن الأجوبة كلها تحوم حول المؤامرة الخارجية وتدخل الكبار والوضع الإقليمي المعادي من حيث المبدأ لهذا التحول التاريخي في الوعي العربي...،
هذا كله صحيح، ولكن كل هذه العوامل ما كانت ستنجح لو أن المجتمع العربي والإسلامي لم يكن مهيأ أصلا وتاريخيا لهذه النزاعات ومن يتصفح تاريخ إبن كثير أو غيره سيجد لذلك ألف عذر تاريخي فموقعة الجمل بين علي وعائشة لم تكن بسبب النّقاب فرضا أو سنّة، أو بسبب طول اللّحية من قصره، وموقعة صفين لم يكن فيها الخلاف بين علي ومعاوية بسبب صلاة العشاء أربع أو خمس أو بسبب السّدل أو الضمّ في الصّلاة، والخلاف بين أهل بدر في سقيفة بني ساعدة لم يكن حول طريقة دفن النبي الكريم أو حول تجهيز جيش أسامة من عدمه، الخلاف كان حول السّلطة وطريقة إنتقالها، والمحرقة الأفغانيّة بعد خروج الرّوس ليست بعيدة حتى تنسى، فبعد أن كانت البنادق توجّه لصدور الروس بالتّهليل والتّكبير تحوّلت وجهتها نحو صدور الإخوة بنفس وتيرة التّهليل والتّكبير، لأنّ الحروب السليمة لا يتوقف قادتها عند صياغة الإسترتيجيّة الحربيّة في تحقيق الإنتصار، بل المرحلة الأهم من الإنتصار هي مرحلة ما بعد الحرب، وما بعد الإستقلال، وما بعد سقوط النّظام، وما بعد الفوز في الإنتخابات، هذه المرحلة هي مرحلة النكبة الحقيقية للجماعات والأحزاب والحركات العربية والإسلامية، يعيدون تكرارها وكأنها قدرهم المحتوم، 
لذلك قلت أننا بحاجة لقادة يتقنون إنتاج الفكر السّياسي ويجعلون من مقرّات أحزابهم ورشات للتأهيل الفكري والسّياسي لا قصعة يلعقها المتطفّلون والحمقى والمتملّقون.
جلّ الحروب التّاريخية التي شهدها العالمين العربي والإسلامي وملايين الأرواح التي أزهقت من المحيط إلى الخليج سببها الرئيس إن لم يكن الوحيد هو السّلطة، أما الدّين والمذاهب فليست سوى واجهات دعائيّة إستعملها السّياسيون لإكتساب شرعيّة الحكم أو شرعية الحرب والإبادة من أجل السّلطة.