نقاط على الحروف

بقلم
البشير ذياب
العرب والسلطة ...والمحرقة النفسية
 هل نحن فعلا بحاجة كي نجلس إلى ذواتنا ونسأل أنفسنا بعض الأسئلة ونجيب عنها أنفسنا بأنفسنا في صمت لأنّنا، وأعني العرب عموما، نخجل من الأسئلة المباشرة كما نخجل من الأجوبة المباشرة، لأنّ طبيعتنا الجينيّة العربيّة والبربريّة لها بعد عنف معنوي يميّزها عن بقية الذّوات الكونيّة، لذلك تجد أنّ ألفاظ المجاملة عندنا معدومة وإن وجدت تجدها جافّة فاقدة للرّوح.
 نحن العرب لا نحسن بناء جسور التّواصل، لأنّنا لا نفهم معنى الحياة، نحن توقف بنا قطار الحياة منذ الفتنة الكبرى، ومنذ أن أصبحت الدّولة تنسب للقبيلة فأصبح كل من هو خارج القبيلة يحسّ أنّه واحد من قطيع القبيلة أو الأسرة، فلا معنى لحياته هو، فهو وما ملكت يمينه وحياته ومماته تحدّدها الدّولة القبيلة.
 منذ أن قامت دولة «بني أمية» إلى أن سقطت دولة «العثمانيين» والمواطن العربي فاقد لمعنى الحياة، تعدّ عليه السّلطة أنفاسه. فقد معنى الحياة وبالتّالي حبّها وما يستتبعه من أمل وتفاؤل وحبّ للنّاس وتوق لبناء علاقات تزهر من خلالها الأحلام الورديّة، وفقد الثّقة بالدّولة وإستتباعاتها من تقديس العلم والنّشيد الوطني وحبّ الإنتماء، وصارت ثقافة الموت أقرب إليه من ثقافة الحياة.
 هذه أسباب سياسيّة، أمّا الأسباب الدّينية فهي على علاقة وثيقة أيضا بدولة القبيلة، فالفقهاء والعلماء والشّيوخ هم الذين أبّدوا هذا الوضع النّفسي القاتل لقرون بأسطول من الفتاوي تكسب سلطة القبيلة هالة من القدسيّة تصعق من يحاول الإقتراب منها في الدّنيا ويعدّه الشّيوخ بعذاب القبر وسؤال منكر ونكير وزلّة قدمه عن الصّراط يوم الدّين، وتحثّ الرّعايا في المقابل على التّسليم بالفقر والحاجة والخنوع، ظلمات وكوابيس نفسيّة صاحبت الشّخصية العربيّة منذ موقعة « الجمل» إلى موقعة «شارع  بورقيبة».
لا يمكن أن نتحدث عن القانون والأخلاق دون أن نمرّ بهذه المحرقة النّفسية للشّخصية العربية، ودون أن نتعامل مع العلاقة بين العربي عموما والقانون والأخلاق على أساس أنّها علاقة مرضيّة يجب البحث عن دواء علمي سوسيولوجي إجتماعي فقهي لا علاقة له بما يدور حاليّا على السّاحة الثّقافية من أفلام ومسلسلات وبرامج تلفزيّة وإذاعيّة تروّج للدّعارة ومزيد من الإنحطاط الأخلاقي والإبتذال للشّخصية العربيّة إمرأة كانت أو رجلا.
التّقدم والرّقي الحضاري لا يمكن أن ينجز بالمال والنّفط والذّهب، ولو كانت كذلك لكانت دول الخليج في صدارة دول العالم تقدّما ورقيا، ولو كان الرّقي والسّلوك الحضاري يمكن أن يكتسب بالجسّور الضّخمة والمباني الشّاهقة والتّعمير لكانت «دبي» و«الرّياض» من أكثر مدن العالم تكريسا لهذا السّلوك، هناك بعد آخر مفقود في البناء الحضاري للأمّة، وهو المعنى أو الغاية من الوجود، وله رافدان أساسيّان إنساني كوني ووجودي ديني، الإنساني يتكّرس في قوله تعالى « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» (سورة الحجرات - الآية 13)، فالعلاقات الإنسانيّة الرّاقية هي مقصد من مقاصد الوجود وبناء جسور التّواصل الإنساني بين النّاس على إختلافاتهم أهمّ من بناء الجسور والطّرقات السّيارة والأبراج الضّخمة، والوجودي هو تحقيق الهدف الثّاني وهو العبادة  «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ»(سورة الذاريات - الآية 56)، ودون الدّخول في التّفاصيل من ينظر حال العرب والمسلمين اليوم يمكن أن يستنتج أّنا لم نحقّق من الرّافد الأوّل شيئا، أمّا الرّافد الثّاني فمن أجله تسفك دماء المسلمين شرقا وغربا، كلّ حزب بما لديهم فرحون.
هذا الشذوذ في مفهوم الدّولة والسّلطة عند العرب ولّد علاقة عدائيّة بين المواطن العربي والسّلطة والدّولة لأنّ السّلطة لم تعد ركنا من أركان الدّولة بل أصبحت هي الدّولة وأصبحت المنافع العامّة التي يفترض أن تقتسم بين الجميع حكرا على من يمارسون السّلطة والمتمعّشون منها، وبالتّالي فإنّ كلّ الأملاك العموميّة أصبحت في لاوعي المواطن ملكا للسّلطة لا للدّولة وبالتّالي فإنّ التّفريط فيها بالإتلاف أو التّراخي أو التّمارض أو غيره من السّلوكات العنيفة تجاه المرافق العامّة للدّولة أصبحت نوعا من التّنفيس عن حالة الإحتقان النّفسي التي يعيشها المواطن تجاه السّلطة وما نراه من عبث بمقاعد الحافلات العموميّة وتكسير الأزهار والأشجار والمقاعد بالحدائق، والتّقاعس في العمل في الإدارات والمستشفيات والمزاج العنيف داخل المؤسّسات العموميّة إلّا نماذج من هذا السّلوك المرضي في العلاقة بين المواطن والدّولة وبالتالي بين المواطن والمواطن بالنتيجة..
------
- أستاذ
bechir_dhieb@yahoo.fr