قبل الوداع

بقلم
لطفي الدهواثي
طبول الحرب
 تُدقّ طبول الحرب على ليبيا في وسائل الإعلام بمختلف أنواعها وتوجّهاتها والحرب أوّلها الكلام ولعلّ هذه الطّبول لا تدقّ من فراغ. فهل هي الحرب أم هي الخديعة أم كلاهما معا؟
«داعش... داعش» هذا هو العنوان وهذا هو المبرّر وهذه الحرب سوف تكون فى معظمها أو كلّها قصفا على المدن والقرى التي هي تحت سيطرة هذا التّنظيم المشبوه أو هى حرب استباقيّة على ما ينوي التّنظيم السّيطرة عليه.
كيف دخل هذا التّنظيم وكيف تمدّد وبأيّ غاية ؟ وماذا كان من أمره فى سوريا وفى العراق من قبل؟ وما الذي يريده من ليبيا ومن اللّيبيين وهو سيد العارفين بالكارثة التى جلبها على البلاد التى دخلها من قبل؟ كلّ هذه الأسئلة لن تجد لها جوابا حتّى بعد أن تضع الحرب أوزارها فى أمد لا يعلمه إلاّ الله وحده.
(2)
بثّت إحدى وسائل الإعلام شريطا قصيرا تضمّن صورا من مدينتي «برلين» و«حمص» بعد تعرّض كليهما لقصف جويّ وبرّي لم يبق ولم يذر. أمّا مدينة «برلين» فقد كان خرابها بعد الحرب العالميّة الثانية وأمّا مدينة «حمص» فقد خرّبها القصف الذي وقع عليها إثر الثّورة على النّظام وهو قصف بدأه بشّار ولم ينته بعد رغم قوّة الرّوس الذين يتولّوا الآن استكمال المهمّة الدّنيئة.
لا يستطيع أحد شاهد هذا التّقرير أن يتمالك نفسه من الحزن على كلاّ المدينتين لا فرق، غير أنّ ما أصاب «برلين» لا أثر له اليوم، أمّا ما أصاب «حمص» فقد لا يتمّ إصلاحه ولو بعد عقود .
ليس للخراب الذي حلّ بسوريا ومدنها ما يمكن أن يوصف به وقد فاق كلّ خيال، مأساة ما بعدها مأساة وكأنّك تشاهد مدينة «برلين» بعد أن دكّتها القوّات المهاجمة بأطنان من القنابل.
(3)
الحرب لا تبقي ولا تذر، والخراب لا يطال العمارة وحدها. يكفي المتابع منّا أن يرى جحافل النّازحين الذين تركوا دورهم وأعمالهم وما يملكون هربا من مدن لم يعد البقاء فيها يعني شيئا غير الموت. تأتى الطّائرات لتلقي بما تحمله من قنابل، فلا تكاد تغادر المكان حتّى تبدأ معاناة الذين ألقت عليهم ما ألقت. جثث تحترق وأخرى تحت الأنقاض وأناس من مختلف الأعمار، رجال ونساء، يفرّون فى كلّ الاتّجاهات بلا هادٍ. بكاء وعويل وأنين وحزن يلفّ النّاس ويزيدهم شعورا بالعجز، وقتلة مجرمون لا يشبعون من القتل ومن الدماء.
لا يعدم القتلة مبرّرات يقنعون بها أنفسهم أو يجعلونها أعذارا يبرّرون بها أفعالهم الدّنيئة. وإذا كانت «داعش» تقتل باسم ما تدّعيه دينا وفى سبيل إقامة شرع هي أبعد ما تكون عنه وعن مقاصده الكريمة وأوّلها حفظ النّفس، وإذا كان النّظام السّوري مثلا يقتل تحت مبرّر مقاومة الإرهاب والدفاع عن سيادة سوريا أمام مجموعات غازيّة قدمت من وراء الحدود، وإذا كان كلّ هذا القتل وجد مبرّرا فلن يعدم الذّين يدقّون طبول الحرب فى ليبيا المبرّر تلو الآخر لكي تبدأ دورة القتل المأساوي فى هذا البلد، وهل استطاع أحد أن يوقف الجيش الرّوسي أو غيره من الميليشيات أو طلب منها تبريرا ؟
(4)
ثارت الشّعوب أملا فى غد أفضل بعد أن فقدت الدّيكتاتورية كلّ أوراقها وصنعت من الخراب ما لم يعد بإمكان النّاس تحمّله، فهل أخطأت هذه الشّعوب حين ثارت؟ أم هل أساءت اختيار اللّحظة المناسبة للثّورة؟ وهل كان بالإمكان حماية التّجارب النّاشئة من رحم الثّورات أم أنّ قوة الثّورة المضادّة أشدّ فتكا وأكثر قوّة من أيّ ثورة ناشئة ليس لها من ركن شديد سوى الله وأحلام الشّباب؟
لقد كانت الدّيكتاتورية ومن كان عليها من حكّام شرّا كلّها ولم تخلف من وراءها إلّا شرّا ولكن هل يمكن مقارنة شرورها مع شرور ما قد يصيب دولنا أو أصاب بعضها من ويلات الحرب والدمّار؟ . لقد تغنّينا طويلا بالعبقريّة التونسيّة والنّموذج التّونسي، فهل آن الأوان لندرك بأنّ اللّذين قالوا لا للثّورة فى سوريا وفى مصر من بعدها هم من يميل طربا معنا كلّما تحدّثنا عن المعجزة التّونسية؟ فهل يكون الاستثمار فى تونس والرّيع فى ليبيا؟ وهل يكون ما فعله أصدقاؤنا معنا ليس أكثر من إعداد لمهمّة آن الآن أوانها وما تلبث جحافل النّازحين أن تغزونا غزوا؟
.------
- مستشار في الخدمة الإجتماعيّة
lotfidahwathi2@gmail.com