الرأي الحر

بقلم
محمد الهميلي
قرع طبول الحرب على ليبيا : السبب داعش و الهدف إستعمار جديد للمنطقة !
 تعيش المنطقة العربيّة هجمة شرسة من طرف القوي الغربيّة تحت مسمّى مقاومة الإرهاب بداية من الصّومال و مالي والعراق ثم سوريا وهاهي تلك القوى تقرع طبول الحرب بتحريك أساطيلها الجويّة والبحريّة والاستعداد لتمركز قوّاتها البريّة والبحريّة بعدّة مناطق في ليبيا، المعلوم أنّ الجماعات الإرهابيّة المسلّحة في ليبيا التي تنخرط تحت راية داعش والقاعدة إنّما هي محدودة العدد والانتشار الجغرافي، وكان يمكن أن تبادر قوّات المغرب العربي من المغرب والجزائر وتونس والسلطة الشّرعية في ليبيا بتحمّل مسؤوليّة تطهير المنطقة من تلك الظّاهرة بالتنسيق السّياسي والعسكري الميداني فيما بينها لأنّ إستجلاب قوّات أجنبيّة لا يخدم مستقبل المنطقة ويهدّد إستقلالها الذي بُذلت من أجله ملايين الشّهداء، ويفتح الطريق أمام الاستعماريين لينهبوا المقدرات الاقتصادية البترولية والغازية والمنجمية بالمنطقة خاصة في ليبيا الخزّان الكبير للثروات البترولية.
ولعلّ التّخوف الحاصل من طرف الحكومة التّونسية مردّه الإنتشار المتوقع للمسلّحين الخارجين عن السّلطة الشّرعية في ليبيا في كامل المنطقة هروبا من جحيم القصف الذي خبر الجميع دماره وخرابه في إفغانستان والعراق وسوريا. إنّ الانتشار المخيف والمرعب لفوضى السّلاح بالمنطقة العربية لا يمكن أن يكون بريئا وإنّما هو حراك مسلّح بأجندة أجنبيّة تحت الطّلب، تحرّكه مخابرات دول تبحث عن مكاسب إقتصاديّة وسياسيّة، وبسبب ذلك وصل العالم العربي والإسلامي إلى درجة مهينة ومشينة بافتقاد قياداته الرّسمية للشّخصية الوطنيّة خاصّة عندما أصبح كلّ حكامه يلهثون وراء بيت الطّاعة الأمريكي للحصول على  تزكيته ومباركته ولطلب الاستشارات منه حتى في القرارات السّيادية التي تتعلق بالأمن القومي. 
إن النّظام العالمي الجديد الذي يطلّ علينا برأسه هو نظام ما بعد العولمة الاقتصاديّة والثقافية، هو نظام عسكرة العلاقات الدّولية لا يعلو فيها صوت على صوت القوّة الغربيّة الغاشمة والغطرسة العسكرية لللّوبي الصهيوأمريكي. الهدف من ذلك طمس معالم نجاحات المقاومة العربيّة والإسلاميّة في حروبها الأخيرة مع الكيان الصهيوني وفرض قاعدة «توازن الرّعب». فنتيجة لدخول إسرائيل عصرا يبشّر بإنكماش السّطوة الصّهيونيّة وعجزها عن مجاراة نسق المقاومة التّصاعدي، بادرت غرفة عمليّات حماية هذا الكيان بضرب القوّة العربيّة والإسلامية الصّاعدة عبر زرع ورم جديد في الأمّة عنوانه الإرهاب وسلاحه الفوضى الخلاّقة لاستباق ما قد يحدث في مستقبل السّنوات القادمة من تهديد جدّي لوجود إسرائيل في أوّل مواجهة جديدة بينها وبين المقاومة خاصّة بعد الثّورات العربيّة الأخيرة التي أعطت للمقاومة زخما ثوريّا وقوّة معنويّة من شأنها قلب الموازين. المؤلم هو أن تشارك دول عربيّة كالإمارات ومصر في مشروعٍ لصناعة الشّرق الأسوط الجديد قوامه تدمير الدّول العربية ذات التوجه القومي والحركات الإسلامية وخلق دويلات مهجنة مرتهنة أكثر من ذي قبل إلى الحاكم العالمي الكبير من دون قوّة عسكرية وطنية فاعلة وقادرة على تأمين الأمن القومي. وما نشهده من إنخراط نظام السّيسي في محاصرة وضرب حركة حماس عبر تدمير الأنفاق وإغراقها بالماء وتمويل الإمارات للقوى المضادّة لثورات الربيع العربي إنّما هو شراكة مع العدو وتواطؤ ضدّ الأمّة وشعوبها.
في هذا السياق تأتي التحضيرات الجارية على قدم وساق من طرف الحلف الأطلسي قصد التدخل العسكري في ليبيا بتعلّة ضرب مواقع الإرهاب برغم تعالي أصوات الرّفض المتصاعدة لدول المنطقة خوفا من العواقب الكارثيّة التي قد يحدثها مثل هذا القرار. يعيش العرب الآن أسوء أيّامهم بعد تدمير التّرسانة العراقيّة واللّيبية وضرب جبهة المقاومة العربية والاسلاميّة وإدخالها في فوضى الخلافات وبذر الصراع المذهبي بين ضفّتي المقاومة السّنية والشّيعيّة مع دفع «مصر» أكبر قوّة عربيّة إلى التعاون مع الكيان الصهيوني. وتسعى القوات العظمى إلى زرع قاعدة أطلسيّة متحرّكة لتأمين السّيطرة على الثّروات الإفريقيّة والعربيّة في قلب المغرب العربي انطلاقا من ليبيا كإستشراف لإمكانيّة حصول أزمة إقتصادية عالمية جديدة خاصة بعد سيطرة التّنظيمات الإرهابيّة وبعض الدّول الإفريقية الخارجة عن بيت الطّاعة الغربي على مقدرات النّفط بالدول التي فيها صراعات وحروب. 
إنّ صناعة بعبع الدّولة الإسلامية (داعش) في المنطقة إنّما هو وسيلة وذريعة للتّدخل والسيطرة عليها وبعث نمط حكم جديد يعتمد قيادة الباب العالي من وراء البحار ولكن هذه المرة ليس بحكم عثماني أو خلافة إسلاميّة أو عبر حكام قُطريين موالين بل بالرّجوع إلى حكم الامبراطوريات الغربيّة التي تهيمن على الأقاليم والأمصار وتسيرها عبر حكم بلا سيادة وطنية ومن ثمّ السيطرة على المقدرات الإقتصادية للدول وإستنزاف ثرواتها.
وأمام هذا كلّه، يبقى الأمل قائما أمام وجود دولا إسلاميّة صاعدة كتركيا وأندونيسيا وباكستان والجزائر استطاعت أن تحدّ من الهيمنة الامريكية والغربية وتحافظ على سيادتها الوطنية وإستقلالية قرارها وبامكانها الوقوف أمام المؤامرات التي تحاك للأمة، غير أن النجاة لن تحصل إلاّ بالارتقاء بوعي الشعوب العربية والإسلامية لتتصدّى وترفض كل محاولات الإسكات والاستنزاف والهيمنة. 
-------
- ناشط في المجتمع المدني 
hmilimohamed@live.fr