نقاط على الحروف

بقلم
نجيب بن حريز
كيف تقرأ دفتر أعداد ابنك؟
 نعم، الجميع يقرّ بتهافت المنظومة التربوية وفشل السّياسات المعتمدة تجاه المدرسة في تونس، والكل يعي أنّ الإصلاح الجذري يتطلّب عمقا في تحليل الأزمة وتشخيص للواقع التّربوي أسبابه ودواعيه والنتائج المنجرّة عنه وتأثيراته في مستوياته المتعدّدة ليتمكّن من تحديد مخرجات قادرة على النّهوض بالمدرسة التونسية. تتبلور فيما بعد إلى خطط وبرامج واضحة وناجحة.
وفي كلّ الحالات فإنّ علينا التعامل مع الواقع التربوي على ما فيه من علل والتّفاعل معه حتى لا يؤثّر على أبنائنا من حيث تحصيلهم المعرفي. وفي هذا الإطار ونحن نحتضن دفاتر أعداد أبنائنا، علينا أن نطرح السؤال التالي: كيف نقرأ دفتر الأعداد؟  
الكثير من الأولياء حين يفتحون دفاتر أعداد أبنائهم يتوجّهون مباشرة إلى المعدل النهائي وهذا خطء في منهجيّة قراءة الدّفتر الذي لا يحتوي الأعداد فقط بل يحمل ملاحظات لعلّها تكون في الثلاثيتين الأولتين ذات أهمية ومكمّلة  للمعطى العددي.
ثم إنّ بعض الأولياء يذهبون أبعد من ذلك فيعتبون أنفسهم المعنيين بما بين دفتي الدفتر بمعنى الأعداد المضمنة داخله هي تقييم لهم وحكم على أهليتهم الأبويّة، ممّا يجعل ردّة فعل الكثير من هؤلاء سلبيّة وعنيفة تجاه أطفالهم الذين خيّبوا آملهم، ويتعدّى ذلك السّلوك الى المربّي في بعض الأحيان خاصّة إذا كان الولي معتدا بما يمتلكه من مؤهلات علمية وقدرات في التواصل وإلمام بالطّرق التعليميّة والمناهج التّربوية. وفي كل الحالات، فإنّ تأثير تلك السّلوكات يمتد الى الطّفل الذي يكون في تلك اللّحظات في حاجة أكثر الى دعم مكتسباته لا الى تثبيط عزيمته.
وعليه فإنّه على الولي أن يفهم أن المتدخّلين في العمليّة التّربوية كثر فلا يجلد نفسه ولا يحملها أخطاء قد تكون لغيره، كما أنّه عليه أن يعي أنّ كل موقف سلبيّ تجاه ما حمله الدّفتر قد ينعكس سلبا على مستقبل الطّفل النّفسي والسّلوكي والمعرفي. ويستوجب هذا تفاعلا إيجابيّا مع الدفتر باعتباره تشخيصا نسبيّا لقدرات الطفل المعرفية والسلوكية التواصليّة داخل الفصل الدراسي.
وهذا يستدعي التأكيد على أنّ الدّفتر يحتوي معطيات لفظيّة وأخرى عدديّة ولكلّ منها دلالات ومطاليب.
إنّ النّظر الى الأعداد فقط قد يشكّل عائقا دون التقدّم بالطفل ودعم مكتسباته المختلفة لأنّ الرؤية للدّفتر لم تكن مكتملة ولن تكتمل الاّ بقراءة لملاحظات المربّي والمصاحبة للبيانات العدديّة، يمكن تجاوز الحاصل والمكتسب نحو الأفضل وبالتالي الارتقاء بالطّفل معرفيّا وسلوكيّا. وإنّ  أيّ خلل في قراءة دفتر الأعداد قد تنجرّ عنه نتائج سلبيّة ممّا يجعل تواصل الوليّ بالمدرّس ضروري لفهم ما غمض وتوضيح ما استشكل بالدّفتر.
وعلى كلّ فإنّ اعتبار هدف دفتر أعداد الثّلاثي الأول الإصلاح والدّعم مهمّ وأساسي بالنّسبة للوليّ وإنّ  التقييمات التي أنجزها الطّفل في هذه المرحلة –رغم أهميّة ما تمخّض عنها من أعداد، فإنّها تبغي الوقوف على مناطق التّعثر وأسبابه لدى الطّفل لتجاوزها في المرحلة الموالية. ولتوفير سبل النّجاح في الإحاطة بالطّفل وإصلاح الإخلالات التي حصلت خلال الدورة الأولى من العمليّة التّعليميّة، تكون تهيئة الطفل ضروريّة قبل حصوله على دفتر الأعداد.
ولهذا فعلى الولي أن يستدعي إبنه ويتحدّث معه حول نتائج الاختبارات التي أنجزها في مختلف المواد « فإنه من المهمّ أن يسجّل قراءته لها» ليأخذها فيما بعد بعين الاعتبار عند تحليله للمعطيات الواردة في دفتر أعداده عندما يرد، وليحترم الولي رأي ابنه فيما أنجز وما تحصّل عليه من أعداد لأنّ هذا السّلوك سيجعله يحسّ بأنّ الدفتر ملكا له وبالتّالي فإنّه معني بما فيه وما يتطلّبه من عمليات إصلاح. وليعلم الوليّ أنّ طفله يتميّز «عن بقية الأطفال وينمو بوتيرة منفردة عن كل أقرانه» رغم الإقرار بأنّ جميع الأطفال يمرّون بنفس المراحل من حيث النّمو عموما.
ولذلك من الضروري تفادي مقارنة الطّفل بغيره من الأطفال حتّى لا يحسّ الطّفل أنّه دونهم وبالتّالي يَنكفِئُ على نفسه ويرفض المشاركة في عملية الإصلاح والتّفاعل الإيجابي معها. وبهذا فإنّ «تبنّي سلوكات إيجابيّة وبنّاءة تجاه الطّفل» وما يحويه دفتر أعداده هو السّبيل لإنجاح عملية التّصحيح والإقلاع، كما أنّ الانطلاق من الإيجابي منها ودعمه مهمّ جدا ثمّ التّعرض بعد ذلك الى النتائج السّلبية باعتبارها نشازا والبحث عن كيفية تجاوزها بأسلوب تشاركيّ يعتمد المرحلية والتّدرج.
 كما أنّ الخطّة والبرامج التي ستعتمد في عملية التّقويم والإصلاح يجب أن تكون متوافقة مع قدرات الطّفل على الاستيعاب والفهم، فبالنسبة للطّفل ضعيف الأعداد مثلا يكفي التّركيز «على مادّة واحدة وفي أحسن الحالات مادتين».
وخلال كل هذه المسارات يكون التّواصل مع المدرّس ضروريا لتأمين التّفوق والنّجاح.
------
- أستاذ وباحث
bhnejib@topnet.tn