تدوينات

بقلم
محمد الصالح ضاوي
لماذا البحث عن تفسير موحد للقرآن؟؟؟
 إنّ الباحثين عن تفسير واحد ووحيد للقرآن ينطلقون من كون القرآن نصّ ملغوز ومرموز بحاجة الى تفسير، تماما مثل النّصوص السّرية التي يتمّ تداولها أيام الحرب، والتي لا يمكن قراءتها إلاّ بعد حلّ الشيفرة...
إنّ القرآن قبل أن يُسجن بين دفّتي كتاب كان وحيا، والوحي جنس يختلف عن كل الأجناس الأدبيّة التي أبدعها الإنسان..
الوحي طاقة خلاّقة.... لا تختلف عن الطّاقة التي خلقت الكون.....
الوحي طاقة تنضب إن لم تجد قلوبا واعية ورجالا عاملة وعقولا واعية....
الوحي طاقة متحرّرة تموت وتنضب إذا حصرتها في كتاب... في أشكال ورموز ....
الوحي طاقة تتفاعل مع الإنسان....بل هي التي تعطيه إنسانيته ومعناه.... ودونها يصبح الإنسان ظلوما جهولا عجولا ضعيفا.....
ولكلّ إنسان وحيه.... ولكلّ إنسان تنزيله........
لم تنتفع بالقرآن إذا لم يتنزّل عليك............ إذا قرأته فكرّره حتى تسمعه من قائله.... عندها يتنزّل عليك الوحي...... فتدرك معناه وروحه......
إنّ ما نتداوله اليوم ككتاب بحجّة أنّه القرآن هو فعلا قرآنا لكنّه ليس الوحي الحيّ... بل هو وحي جامد فاقد للرّوح....... والإنسان القارئ بشروط القراءة هو الذي يُحييه ويجعل له نورا....
إنّ فعل القراءة والتّكرار هو الذي يحرّر الوحي من سجنه ويجعله يحلّق في السّماء، طاقة ونورا، تماما كما كان لحظة الوحي الأولى، حين تنزّل على الرّسول الأكرم عليه السّلام......
لذلك لم يكن للقرآن تفسير كلاسيكي زمن الرّسول عليه السّلام..... لأنّه كان تفاعلا مباشرا بين قلوب الصّحابة وبين الرّب الذي لم يسعه لا الأرض ولا السّماوات ولكن وسعه قلوب هؤلاء المؤمنون..... 
كانوا يفهمون عن المتكلّم...... ولا يفهمون الكلام.........
كانوا يعيشون لحظة الوحي ويدركون محمولها المعرفي كما أراده الحقّ..... 
لم يكن يهمهم الكلام في حدّ ذاته...والذي يتوزّع بين لهجات عديدة.... غلبت لهجة قريش في جمع عثمان.......
هذا هو الفهم السّلفي الحقّ: فهمٌ عن المتكلّم ... عن القائل... عن الحقّ.... فهمٌ من مصدره... عن تفاعل قلبي وسلوكي.... وليس فهما تأويليا أدبيا لنصّ محنّط فاقد لحرارته ولنوره ولروحه....
-----
- كاتب وصحفي تونسي مقيم في الجزائر
dhaoui66@gmail.com