شخصيات

بقلم
التحرير الإصلاح
الشهيدة دلال المغربي
 دلال المغربي (1958-1978) واحدة من البراعم الفلسطينيّة التي نبتت على أرض الشتات. ولدت عام 1958 في مخيم اللاجئين صبرا القريب من بيروت من أم لبنانية وأب فلسطيني لجأ إلى لبنان في أعقاب النكبة عام 1948. تلقت دراستها الابتدائية في مدرسة يعبد ودرست الإعدادية في مدرسة حيفا وكلتا المدرستين تابعة لـوكالة غوث اللاجئين الفلسطينين في بيروت.
التحقت دلال بالحركة الفدائية وهي على مقاعد الدّراسة وشاركت في معسكرات الأشبال والزّهرات التّابعة لحركة فتح ثمّ تلقت العديد من الدّورات العسكرية وتدرّبت على جميع أنواع الأسلحة وحرب العصابات وعرفت بجرأتها وحماسها الثّوري والوطني ثم وشاركت عام 1973 في الدفاع عن المقاومة الفلسطينية المرابطة في بيروت. 
وفي شهر أفريل من نفس العام قامت وحدة إسرائيلية خاصة بتنفيذ جريمة اغتيال ثلاث من قادة المقاومة في بيروت وهم «محمد يوسف النجار» و«كمال عدوان» و«كمال ناصر». فعمت أوساط الشّعب الفلسطيني والشارع العربي موجة غضب وحزن شديدين على هؤلاء الشهداء،مما دفع الشهيد أبو جهاد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح في ذلك الوقت، إلى وضع خطّة لعملية فدائية ثأريّة هدفها الأول: الوصول إلى مبنى البرلمان الإسرائيلي في «تلّ أبيب» لإشعار العدو بأنّ الحق لن يموت، والثّاني: احتجاز عدد من الصّهاينة بهدف مطالبة حكومة العدوّ باستبدالهم بعدد من المعتقلين الفدائيّين الفلسطينيين والعرب داخل سجون الاحتلال الصهيوني.
استلزم الأمر لإنجاح الخطّة تدريب عدد من الشّباب من أبناء حركة «فتح» على استخدام السّلاح لمدّة طويلة ، فكانت «دلال مغربي» الوحيدة بين الفتيات اللاّتي تجاوزت كافّة الصعوبات بقوّة، الأمر الذي حدا بالشّهيد «أبو جهاد» لاختيارها قائدة للمجموعة التي أطلق عليها تسمية «مجموعة دير ياسين» ... وكانت مهمّة المجموعة القيام بعمليّة تتمثّل في إنزال على الشّاطئ الفلسطيني والسّيطرة على حافلة عسكريّة والتّوجه إلى «تل أبيب» لمهاجمة مبنى الكنيست. كانت العملية التي أطلق عليها تسمية «كمال عدوان» فدائية ومع ذلك تسابق الشّباب على الاشتراك فيها.
كانت الشهور الأولى من عام 1978 سيئة للغاية على المقاومة الفلسطينية، فقد فشلت في عدّة عمليات عسكريّة وتعرّضت مخيماتها في لبنان إلى عدّة ضربات ومذابح،  فأصبحت هناك ضرورة ملحّة للقيام بعمليّة نوعيّة وجريئة لضرب إسرائيل في قلب عاصمتها، فكانت عمليّة «كمال عدوان» في صبيحة 11 مارس من نفس العام، حيث استقلّت دلال المغربي صحبة 13 من المقاومين الفلسطينيين قاربين مطاطيين ونفّذت عمليّة إنزال ناجحة على الشاطئ من دون أن يكتشفها الإسرائليّون الذين لم يخطر على بالهم أن تصل الجرأة بالفلسطينيين للقيام بإنزال على الشاطئ على هذا النحو.
نجحت دلال وفرقتها في الوصول إلى الشّارع العام المتّجه نحو «تل أبيب» وقامت بالاستيلاء على حافلة إسرائيلية كانت متجهة إلى المدينة وتمت السيطرة على ركابها الثلاثين من الجنود الذين اتخذتهم «دلال» رهائن واتجهت بالحافلة نحو قلب المدينة وقد رفعت على مقدّتها علم فلسطين وفي أثناء المسير استطاعت المجموعة السّيطرة على حافلة ثانية ونقل ركابها إلى الحافلة التي تقلّهم ليصل عدد الرهائن إلى 68 رهينة. 
كانت «دلال» تطلق خلال الرحلة النيران مع فرقتها على جميع السيارات العسكرية التي كانت تمرّ بقربها موقّعة عشرات الإصابات في صفوف جنود الاحتلال نظرا لأنّ الطريق الذي سارت فيه «دلال» كانت تستخدمه السّيارات العسكريّة لنقل الجنود من المستعمرات الصهيونية في الضواحي إلى العاصمة «تل أبيب».وفي الاثناء كانت دلال تخاطب رهائنها بصوت واثق من نفسه قائلة : «لتعلموا جميعا أنّ أرض فلسطين عربيّة وستظل كذلك مهما علت أصواتكم وبنيانكم على أرضها».
بعد ساعتين من انطلاق العمليّة وبعد أن أصبحت «دلال» وفرقتها على مشارف «تل أبيب» كلفت الحكومة الإسرائيلية فرقة خاصّة من الجيش يقودها «باراك» بالتصدي لـ «مجموعة دير ياسين» والسيطرة على الحافلة وقتل أواعتقال جميع أعضاء المجموعة. فقامت وحدات كبيرة من الدّبابات وطائرات الهليوكوبتر بملاحقة الحافلة إلى أن تمّ إيقافه وتعطيله قرب مستعمرة «هرتسليا» وهناك اندلعت حرب حقيقية بين «دلال» والقوات الإسرائيلية، حيث قامت قائدة المجموعة بتفجير الحافلة بما فيها من جنود فقتلوا جميعهم  وسقط في العمليّة العشرات من الجنود المهاجمين ولمّا فرغت الذخيرة من «دلال» وفرقتها أمر «باراك» بحصد الجميع بالرّشاشات فاستشهد الجميع ما عدى إثنين.
تركت «دلال» وراءها وصية بخطّ يدها تطلب فيها من المقاتلين حملة البنادق تجميد جميع المتناقضات الثانوية وتصعيد المتناقض الرئيسي مع سلطات الاحتلال وتوجيه البنادق إليها، وقد استشهدت فداءً لما أوصت به، فقدمت حياتها دفاعاً عن ثرى وطنها، وكتب الشاعر السوري الكبير نزار قباني عن دلال مقالا قال فيه : «إن دلال أقامت الجمهورية الفلسطينية ورفعت العلم الفلسطيني، ليس المهم كم عمر هذه الجمهورية، المهم أن العلم الفلسطيني ارتفع في عمق الأرض المحتلة ، على طريق طوله (95) كم في الخط الرئيس في فلسطين».
لقد استشهدت دلال المغربي من أجل فلسطين وانتقلت إلى جوار ربّها وقد أدّت مهمّتها على أحسن وجه وبقي اسمها خالدا في تاريخ فلسطين وفانوسا يضيئ الطريق أمام المقاومة الفلسطينيّة بجميع فصائلها.