بهدوء

بقلم
لزهر عبعاب
النخب السياسية بين الشرعية الثورية المفقودة و الاحتقان الاجتماعي

إن ثورة 14 جانفي لم تكن تتويجا لنضالات منظّمة وفق رؤية بديلة  و هياكل و قيادات سياسية واضحة، بل كانت انتفاضة قامت بها فئات شعبية مختلفة جمعها رفضها للاستبداد و الفساد لا يوحدها فكر ثوري معين ،وكذلك الحال بالنسبة لمحاولات التصحيح الثوري كانت جماهيرية دون قيادة سياسية او مشاركة حزبية ( القصبة 1 و القصبة 2) .

 اما النخب و الأحزاب السياسية  فقد التحقت بهذه الثورة مستفيدة منها بعد ان نصّبت نفسها الصوت  السياسي  داخليا و خارجيا  ، فلم تكن قلبها النابض، بدليل أن هذه الأحزاب و النخب هرولت إلي دوائر الحكم المنهارة لترميمها و الفوز بنصيب منها ( حكومة الغنوشي – حكومة السبسي) وحتى الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة فقد اندرجت في السياق نفسه بعد ان تقاسمت نفس النخب المساحات المتاحة في أجهزة الحكم و مواقع النفوذ دون ان بكون للقوى التي قامت بالثورة وجود يذكر داخل هذه المؤسسة التشريعية الأولى بعد الثورة. 

تموقعت النخب السياسية بعيدا عن نبض الثورة في عمقه الجماهيري  و بعده المضموني، بعد أن استطاعت الاستحواذ على أهم دواليب الدولة  والمجتمع، مستفيدة من إمكانياتها التنظيمية لتحتكر المشهد الإعلامي و القرار السياسي بالتوافق الضمني على أساس ميزان القوى الداخلي و ما يمليه عليها الضغط الدولي، فلم يقع الاهتمام بمن قاموا بالثورة من قوى شبابية  وشعبية مهمشة، فكانت انتخابات 23 أكتوبر  2011 أهم انجاز  حققته هذه النخب فأفرزت شرعية انتخابية( أغلبية و معارضة)،

و لكن الصراع بينها تواصل في ظل ميزان القوى الجديد، حول  افتكاك مساحات النفوذ السياسي و الحزبي دون الاهتمام الفعلي  بمقتضيات الثورة المتمثلة في تفكيك منظومة الفساد ورد الاعتبار للفئات و الجهات المحرومة و بناء دولة القانون وفق عملية الانتقال الديمقراطي المنشودة. بل غرقت هذه النخب في تجاذبات إيديولوجية و اتهامات  متبادلة كأنها تبحث على الشرعية الثورية المفقودة.

لقد كانت الترويكا كثيرا ما تبرر  سلوكها بأنها حكومة الثورة وهو أمر غير صحيح رغم انها أفرزتها إرادة شعبية مكنتها من اكتساب شرعية انتخابية ولكن نسقها و مكوناتها لم تكن ثورية، وكذلك المعارضة  إضافة إلي افتقادها للشرعية الثورية فإنها تعاني من ضعف جماهيري و انتخابي كبير وهو ما جعلها  تبحث على شرعيتها الضائعة بتقمصها لدور المجتمع المدني في العديد من المحطات لتبرّر عجزها على تقديم البدائل السياسية.

إن افتقاد الشرعية الثورية لهذه النخب السياسية في شقها الحاكم و المعارض هو الذي أدّى إلي التشنج في علاقاتها يبعضها البعض و افرز حالة من الاحتقان الاجتماعي و عدم ثقة الفئات المهمشة فيها،أمام هذه الوضعية يتحتم على الجميع  التصرف بمسؤولية في اتجاه  تصحيح عملية الانتقال الديمقراطي و التأسيس لدولة القانون حتى يسترجع الشعب دوره الحقيقي  في تحقيق الأهداف التي قامت عليها الثورة 14 جانفي، من خلال فتح حوار وطني موسع لا يستند فقط للتمثيلية او الشرعية الانتخابية وإنما يشمل كل القوى الفاعلة في المجتمع من مستقلين و قوى شبابية و منظمات  حقوقية و مهنية و أحزاب غير ممثلة في المجلس التأسيسي لإعطاء بعد ثوري لعملية التأسيس لعملية الانتقال الديمقراطي و دولة القانون.