شخصيات

بقلم
التحرير الإصلاح
مالك بن نبي
 «سأعود بعد ثلاثين سنة وسيفهمني الناس»،بهذه العبارات وصف قبل موته تهميش النخبة الثقافية والفكرية ببلاده لفكره وانتاجه الغزير. إنّه المفكّر الجزائري مالك بن نبي  أحد رواد النهضة الفكرية الإسلامية الذي ترك خلفه إرثا ثقافيا وفكريا ضخما، يربو على ثلاثين كتابا أهمّها: الظاهرة القرآنيّة (1946)،شروط النهضة (1948)، وجهة العالم الإسلامي (1954)، آفاق جزائرية (1964)، الإسلام والديمقراطية (1968)، المسلم في علم الاقتصاد (1972).
ولد «مالك بن نبي» في 5 ذي القعدة 1323 هـ الموافق لـلفاتح جانفي سنة 1905م بمدينة قسنطينة شرق الجزائر في أسرة فقيرة لكن الفقر لم يكن حائلا دون تحقيق طموحه بالعلم، فدخل الكتّاب في المسجد ليحفظ القرآن ويتعلم اللغة العربية، والتحق بعدها بالمدرسة الفرنسية، ثم هاجر في مناسبتين إلى فرنسا حيث استقرّ فيها أكثر من 26 سنة وأصبحت لغة المستعمر أداة التعبير في مؤلفاته لأمد طويل.ثم انتقل إلى القاهرة سنة 1956 أين كانت له أنشطة فكرية من محاضرات ومساجلات خاصة منها مساجلاته مع المفكر الإسلامي سيد قطب حول مفهوم الحضارة والمدنية. ثم عاد إلى الجزائر سنة 1963 ليتقلّد عدّة مناصب هامّة في سلك التعليم لكنّه خيّر الإستقالة بعد أربع سنوات فقط ليتفرّغ للعمل الفكري والكتابة وتنظيم المحاضرات والندوات إلى أن وافاه الأجل المحتوم في 31 أكتوبر 1973.
اهتمّ ابن نبي طيلة حياته بالبحث عن أسباب تخلّف المسلمين وتحديد شروط النهضة من جديد، وأعاد الاهتمام بفكرة الحضارة في ساحة الفكر الإسلامي المعاصر. 
لقد صاغ ابن نبي مقولات الحضارة، وعواملها، ومراحلها، من الأمة الإسلامية لتنطلق في النهاية إليها، في محاولة النهوض والإقلاع لتجاوز التمزق، والتخلف والاستبداد فالحضارة بالنسبة له إنتاج بشري؛ لذا فالتخلُّف الذي يعيشه المسلمون ينبع في الأساس من داخلهم، ويعود إلى ترسب مفردات الثقافة السلبية في عقولهم نتيجة فعل الأفكار الميّتة التي لا تدفع حاملها إلى أي مجهود أو نشاط والأفكار المميتة التي تقتل الإبداع في النفوس و«تخلق العقلية الاستسهالية، وتغيب القدرة التحليلية في فهم المشكلات المعقدة». ويرى أن قابلية المسلمين للإستعمار أي تفكيرهم بعقلية الآخر، والذوبان فيه دون التفريق بين هويتهم وهويته هو أحد الأسباب الرئيسيّة للتخلّف.
وفرّق ابن نبي بين المجتمع الفعّال والمجتمع غير الفعّال، فاعتبر أن فاعلية المجتمع تنطلق من فاعلية الإنسان لهذا كان يقول: «إذا تحرك الإنسان تحرك المجتمع والتاريخ، وإذا سكن سكن المجتمع والتاريخ». ومن هذا المنطلق كان يرى أنّ عملية التغيير الفعلية تبدأ بتخليص الإنسان من عقد النقص، والانبهار بمظاهر ما عند الغربيّين، وبتخلّصه من بقايا التواكل والخرافة، وبإعادة اللّحمة بينه وبين قناعاته وعقيدته وسلوكه وعمله حتّى ينظر إلى نفسه على أنه صانع التاريخ ومحرِّكه. 
إنّ إشكالية الحضارة عند ابن نبي لا تُحلّ باستيراد منتجات حضارية موجودة وإنّما تتلخص في الانطلاق من الإسلام الذي يشكل الإطار الحضاري للعالم العربي والإسلامي لحلّ مشكلة الإنسان وتحديد الشروط لانسجامه مع سير التاريخ ، ومشكلة التراب وشروط استغلاله في العملية الاجتماعية (ليس التراب عند مالك هو الفلح والزرع فحسب، بل هو كل مجال يسبح فيه الإنسان في حياته اليومية، سواء في المجال الصناعي، أو التجاري، أو العلمي أو الأخلاقي الديني)، ومشكلة الوقت وبثّ معناه في روح المجتمع ونفسية الفرد. فلكي نقيم حضارة ما «يجب أن نصنع رجالا في التاريخ مستخدمين التراب والوقت في بناء أهدافهم». 
كما قدّم بن نبي رؤية في الاقتصاد الإسلامي لتجنب الأزمات الاقتصادية، وهي الاعتماد على الاقتصاد الحقيقي (الإنتاج)، وعالج بن نبي الاقتصاد الإسلامي بوصفه سلوكا للمسلم، حيث يصبح السّلوك الرشيد قوة لهذا الاقتصاد وذا تأثير على مراكز القوى السياسية في العالم.
ويرفض مالك الاقتصاد الرأسمالي وينتقده بشدّة إذ يرى أن جزءا من أرباح هذا الاقتصاد ناتج عن المضاربات في حين أنّ العمل يجب أن يكون هو مصدر الثروة حيث يقوم الاقتصاد الإسلامي -حسب بن نبي- على ثلاثية (اليد–الفكر–المال)، ويحدّد المال بأنه ذلك الناجم عن العمل.
 تميز منهجه التحليلي بالعقلانية الديكارتية والغزارة الخلدونية، عاش بسيطا في حياته اليومية، لكنه كان مدرسة فكرية عملاقة نشأت على منهاجه أجيال في شتى أنحاء العالم العربي والإسلامي غير أنّه لم يجد حظّه في بلده الجزائر بالشكل الذي يتماشى مع إنجازاته الفكرية لأسباب شخصية أحيانا وسياسية أحيانا أخرى، لها علاقة بالاتجاهات الفكرية واللغوية المهيمنة على النخبة الجزائرية وقد يعود ذلك أيضا إلى علاقته السيئة للغاية مع جبهة التحرير الجزائرية، بسبب انتقاداته اللاذعة للكثير من المسؤولين فيها.