تمتمات

بقلم
رفيق الشاهد
إذا خاب التلميذ فاللوم على المعلم
 إلى والدي الحبيب الذي افتقدته في الظروف العصيبة. رحم الله زمانا ومن عايشه من المصلحين والأبطال والمجاهدين. نعم مجاهد كل من خط بالقلم لينير العقول ومجاهد كل من أعمل المعول ومجاهد كل من - على لسان الشيخ إمام - «يغرق في أنهار العرق طول النهار ويلمّ همّو في المساء ويرقد عليه»، مجاهد كل من كابد وصارع فغالب الجهل والفقر ومجاهد كل من صنع المهندس والطبيب.
كلما تعودني الذكرى، تتوالى بخاطري معرض صور عالقة لا يمحوها الدهر لهؤلاء الأبطال الخارجين عن كل المقاييس. كيف أقاس بمن لا يخضع لمقياس؟ أين أنا، عفوا! في لغتي العربية - أفصح وأكثر اللغات ثراء- لم أجد صيغة تصغير للأنا، فأقول إذن أين أنا هذا القزم من ذاك الأب العملاق؟ ألا يكفيه فخرا ذلك الذي تعلقت همّته بأن ينهل ابنه من العلوم بالقدر الذي يحقق آماله ويدعم ذاته باعتبار فضل الذين يعلمون على الذين لا يعلمون، والذي أبى إلا أن يعيش أبنه أكثر منه رفاها. ولكنني شاهد على فشلي وخسارتي في ما نجح فيه وفاز والدي. 
نعم لقد أطعمني من آلامه وألبسني لباس التقوى وملأ عقلي علما ونورا. ولما اشتد عودي شدّ أزري، واليوم لا أنسى فضله وإن تأخرت عن الإفصاح عنه حتى انقلب علي أولادي في زمن اعتلى فيه المنابر ذوو الزغب ودعوا أولادنا بالتخلي والبراءة من الآباء الذين لا يؤدون الصلاة وعدم جواز الطاعة لهم وللأمهات السافرات. تمنيت لو أطال الله عمرك لأصاحبك في كل ما تبغي حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا. قم أيها المعلم فاليوم يرفرف العَلَم بين أعلام الغربة ويئن النشيد الوطني بين زعق الغربان السود. قم لتلقن هؤلاء نبذات من الوطنية، أنت الذي كنت دائما توصيني إن لم يكن بالإمكان الإقلاع عن التدخين فلتكن السيجارة تونسية. 
كنت دائما أطلب من زوجتي مزيد القراءة لنتمكن من مواكبة أطفالنا لِما توفر لهم من إمكانات تفوق ما توفر لجيلنا. لم تفسد أخلاقهم على لسان صديق من جيلي ولكني ومن مثلي عجزنا عن مرافقتهم وساروا في الطرق الوعرة وحدهم دون دليل ولا رقيب.
إذا خاب التلميذ فاللّوم على المعلم وإن فسد العنب في غذقه فالداء في الدالية. 
---------
-  مهندس
chahed@meteo.tn