الرأي الحر

بقلم
عماد العبدلّي
هل تكفي عورات آل سعود للتغطية على حماقات إيران و حزب الله؟
 كلنا لدينا حساب طويل نريد تصفيته مع آل سعود و جملة الأدوار التاريخية التي قاموا بها في المنطقة على كل الأصعدة والتي اندرجت في قسمها الأغلب منها ضد مصالح الأمة و شعوبها. ولكن أن نرى ما يكتب الآن حول السعودية من جهة و إيران من جهة أخرى بعد انطلاق «عاصفة الحزم» (استعمل هذا المصطلح كما يتداول دون أن أتبناه)، فإنّ ذلك يطرح أسئلة خطيرة حول مدى قدرة مثقفي النخبة «الثورية» في دولنا (ومنها تونس على وجه التدقيق) على إدراك تعقيدات الوضع وقراءة ما يجري بعيدا عن الآليات الاعتيادية التي تعتمد علّة منظور اثنيني إغريقي يرى الخير كله في جانب واحد والشر كله في الجانب الآخر.
لا أكاد أجد كلمة فرق واحدة بين ما يكتبه هؤلاء وما تتلهى به الأدوات الإعلامية لحزب الله وإيران في محاولة لقلب الحقائق لما يجري في المنطقة.
 ليكن واضحا:
1. لقد كنت طوال سنوات طويلة داعما لا مشروطا لحزب الله عندما كان فعله وخطابه يندرجان ضمن صيرورة وطنية تحررية، وليس ضمن مقاربة طائفية كما هو الحال الآن، وهو ما كان يضعني في صراع دائم مع عديد الأصدقاء والمقربين الذين كانوا يستغربون حجم هذا الدعم.
2. السعودية «دولة» (إذا صح أن نسميها كذلك) لا تغادر أجندتها الأمريكية أبدا، ولكن الأهم أن ندرك، بعيدا عن القراءات التسطيحية، أن الأجندة الأمريكية تشتغل بأكثر من طرف بما فيها الطرف الإيراني ...نعم الطرف الإيراني وجملة أذرعه السياسية والعسكريـــة في المنطقــــة والأحداث الجاريـــة في لبنان وسوريـــا والعراق لا يمكن أن تؤول خلاف ذلك، فأعيدوا للعقل مكانه ولا تضحكوا علينا بمثل هذه التحليلات التي لا يعنيها من الأمر سوى الدفاع عن «الحمل» الإيراني الوديع في مواجهة «المعتدي» أو «الكمبرادور» السعودي.
3.  المثقفون الحقيقيون لهم دور أكثر تعقيدا من مجرد الاصطفاف السريع هكذا داخل أزمة شديدة التعقيد ... لقد سكتنا جميعا على همجية الحوثيين وهم يتقاسمون الأدوار مع عصابات علي عبد الله صالح من أجل إغراق اليمن في فتنة لا خلاص منها والقضاء على آخر متعلقات الثورة اليمنية الرائعة برغم كل ما شابها من تعثرات.
 كما أنّنا نتحمل جميعا وزر السكوت عما جرى ويجري في سوريا (العراق قصّة أخرى لها خصوصياتها التي لا يتّسع لها ذا المقال) وكأنّنا قبلنا جميعا بأكبر مغالطة فكرية وسياسيّة اتفق عليها الجميع (النظام الاسدي المجرم، حزب الله، إيران، قوى التّحالف الدّولي ضد داعش، ...الخ) ومؤدّاها أن ما يجري في سوريا من صمت مخز على مجازر النظام الأسدي هي ضريبة لابد منها في معركتنا ضد الإرهاب الداعشي (علما وأنّ داعش لا تحارب النظام السّوري أصلا عدا مناوشات ظرفية ومحدودة بين «الأخوة الأعداء» ). 
4. وعندما انفتحت أبواب الفتنة على مصراعيها في اليمن (وربما عموم المنطقة)، نسينا من أشعل الحريق واهتممنا بمن يكتوي الآن بلهبه (اللهم لا شماتة) لفرط جشعه في تحويل كل المنطقة إلى منطقة نفوذ إيراني في وقت تحولت فيه إيران بوضوح من «جمهورية إسلامية» تأسّست على خلفية ثورة عظيمة إلى دولة فارسية طائفية تخرب أكثر مما تبني وتستعمل مصالحها في المنطقة العربية الإسلامية من أجل  تحسين شروط تفاوضها مع أمريكا في إطار صفقة تاريخية لن يكون الملف النووي سوى عنوانها الظاهر المخادع. 
5. من الأكيد أن اتخاذ موقف مما يجري في اليمن ليس سهلا لتعقيد المشهد الداخلي والخارجي المؤثر في اليمن، ولوجود تقاطعات صعبة في فهم الغاية ممّا يجري الآن بعد أن تعدّدت المواقف المتناقضة من الجميع (السعودية، الإمارات، مصر، إيران، فضلا عن التلبيسات المتعمدة للموقفين الأمريكي والأوروبي).
فبين الخوف على اليمن من التدخل الإيراني الخطير في شؤونه الدّاخلية من أجل توسيع الحضور الإيراني في المنطقة في وقت تستعدّ فيه لصفقة نووية مع أمريكا، وهو تدخّل تمّ بالاستعانة بفلول المجرم علي عبد الله صالح، وبين الرفض المبدئي للتدخلات العسكرية من أنظمة معادية للديمقراطية (قلبا وقالبا) ومندرجة منذ عقود ضمن السياسة الأمريكية في المنطقة (السعودية، الإمارات، مصر،الأردن، الخ)، بين هذا وذاك يصعب اتخاذ موقف ...ولكن !!!
لا بدّ من التحلّي بالشّجاعة لقول كلمة لا لمن يسوقون نفس الصورة التي كانت لحزب الله وإيران منذ عقود خلت، فإيران لم تعد جمهورية إسلامية ذات مشروع تحريري عالمي وإنما دولة فارسية طائفية تصفّي مع المنطقة العربيّة الإسلاميّة آثار جروح تاريخية غائرة لم تندمل بعد، وحزب الله لم يعد حركة مقاومة بل فرعا عسكريا لمشروع لم يجد سوى بشار الأسد ليكون ملهمه و حامل لوائه !!! في هذه المفترقات الخطيرة تظهر الحكمة أو تغيب ...فلا تبيعوا عقولكم بسهولة لمن لا يحترم ذكاءكم. 
---------
-  محامي وناشط سياسي وحقوقي - جينيف سويسرا
abdelliimed@yahoo.fr