من وراء البحار

بقلم
حسن الطرابلسي
الحركات المعادية للإسلام في ألمانيا نشأتها، تاريخها واقعها وآفاقها
 في دراسة أصدرتها مؤسسة «برتلسمان» للعلوم صدرت في خريف سنة 2014 أي قبل تأسيس حركة «بيجيدا» وقبل عملية «شارلي إبدو» الإرهابية، اعتبر 60 % من المستجوبين أنّ الإسلام يمثل خطرا على ألمانيا، كما أعتبر 61 % أنّ الإسلام لا يتوائم مع العالم الغربي.
وطبقا لمعلومات أخرى أصدرتها دائرة الإحصاء الرسمية في شهر جوان 2014، وأيضا قبل «بيجيدا» و«شارلي إبدو»، ذكرت أنّ عدد الإعتداءات والهجوم على المساجد في ألمانيا تزايد منذ سنة 2001. فلقد سجلت هذه دائرة بين 2001 و2011 ما معدّله 22 هجوما على المساجد كل سنة وارتفع عدد الإعتداءات على المساجد إلى 35 هجوما سنويا بين 2011 و2013 ليصل إلى 78 هجوما سنويا بين 2012 و2014. فهل نحن أمام خطر داهم على المسلمين في ألمانيا؟ وما هي أسباب العداء للإسلام والمسلمين؟ وهل يمكن الحديث في وضعية كهذه عن حلول؟
الصورة النمطية للإسلام والمسلمين في ألمانيا:
من جهل شيئا عاداه
تتميّز الصّورة النمطيّة عن الإسلام عند الألمان بأنّه الدّين الذي يهين المرأة ولا يمنحها حقوقها، وأنّه دين عنيف ومصدر الإرهاب في العالم، وأنّه دين يشجّع على ما يسمى في الإعلام الألماني «قتل الشّرف» أو «غسل العار» والذي يعني أنّ أحد المسلمين يقتل أخته أو ابنته لاتّهامها بالزّنا. 
ومصدر هذه الصورة عن الإسلام الأسباب التالية:
ـ صورة الإسلام متأثّرة بالتّقارير التي تنشر عن التّشدّد الإسلامي والعنف والإرهاب و«قتل الشرف» الذي يتمّ تداولها بشكل مطّول في النّشرات والتقارير المتعدّدة.
ـ هناك خلط كبير عند عامة الألمان  بين الإسلام كما هو موجود في القرآن والسّنة وما سار عليه الرّسول صلى الله عليه وسلم ومنهجه المتسامح وبين الإسلام المتشدّد والسلفيّة والجهاد والشّريعة تبقـــى مفاهيم غامضـــة وتحمل معهـــا في الغالب شحنة سلبيّة.
ـ عدم الإختلاط مع المسلمين، إذ أنّ المسلمين يتواجدون بصفة عامّة في المدن الكبرى وفي المناطق التي يتواجد فيها العمل ولذلك فإنّ كثيرا من البلدات والقرى وحتّى المدن خاصّة في ألمانا الشرقيّة سابقا لا يتواجد بها مسلمون أو أنّ عددهم قليل جدّا بحيث لا تتوفر للمواطن الألماني فرصة التّعرف على المسلميـــن عن قرب. فطبقا لمعلومات نشرتها جريــــدة «سيد دويتش تزايتونج» يوم 9 جانفي 2015 فإنّ 63 % من الألمان ليس لهم في دائرة معارفهم مسلمون، وتصل هذه النّسبة إلى 90 % في مناطق من ألمانيا الشرقيّة سابقا، مع العلم أنّ هذه المناطق، مثلا مدينة «دريسدن» ومدينة «لايبتزج»، هي أكثر المناطق التي تتواجد فيها الحركات المعادية للإسلام وفيها تأسّست حركة «بيجدا» في أكتوبر 2014.
ـ ضعف نسبة المسلمين مقارنة مع سكان ألمانيا، إذ أنّ عدد المسلمين يصل إلى 4,3 مليون نسمة وهكذا فإن نسبة المسلمين مقارنة مع سكان ألمانيا البالغ عددهم 82 مليون نسمة لا تتجاوز 5 % وهي نسبة ضعيفة تجعل إمكانية التّعرف على المسلمين بشكل مباشر محدودة ومقتصرة على الأماكن التقليديّة التي يتواجدون فيها مثل منطقة «حوض الرور» وبعض المناطق في شمال ألمانيا ونسبيّا في مقاطعات جنوب ألمانيا كبافاريا وبادن فرتنبورغ، وأمّا في مقاطعات ألمانيا الشرقيّة سابقا، فيبقى وجود المسلمين ضعيفا جدّا إلى منعدم أحيانا.
ـ بقي المسلمون لفترة طويلة غير مندمجين في المجتمع الألماني لأنّهم عندما أتوا إلى ألمانيا في ستينيات القرن الماضي جاؤوا بهدف العمل على أمل العودة بعد سنــوات إلى أرض الوطن، فبقيت تسيطر عليهم عقلية «العامل الضيف» فلم يفكّروا في تأسيس الجمعيات والنّوادي من ناحية كما أنّ مشاريع الحكومات الألمانيّة المتعاقبة لم تعتمد سياسة تدعم الإندماج واقتصر جهدها على الإحاطة بهؤلاء العمّــــال وتوفيــــر احتياجاتهم كضيوف يساعدون ألمانيـــا في إعادة البناء من ناحية اخرى. 
ولذلك فإن الدراسات الإجتماعية التي تناولت العمال الأجانب في فترة الستينات والسبعينات كانت تعتمد مصطلح «العامل الضيف» ولم يختفي هذا المصطلح إلاّ مع ثمانينات وتسعينيات القرن الماضي بشكل نهائي حيث تأكّد لهؤلاء العمّال أنّ إمكانية العودة أصبحت شبه مستحيلة بعد أن كبرت العائلة ودخل الأبناء المدارس والجامعات وتبيّن فقدانهم للغة والديهم أو على الأقل ضعف هذه اللّغة.
هذا الوضع الجديد جعل المسلمين يبادرون إلى تأسيس الجمعيات والمساجد خاصّة لتشهد فترة الثّمانيات انتشار المساجد والجمعيات ذات الخلفية الإسلاميّة ولكنّ العمل الجمعياتي كان بدائيّا ومتواضعا لضعف التنسيق والتّواصل بين هذه الجمعيّات ولمحدوديّة التّكوين العلمي للمشرفين عليها. فلم نشهد فترة تحسّن إلاّ مع بداية التسعينيات حيث وجدنا صنفا جديدا من المهاجرين من الطلبة الذين تخرّجوا وهم يتقنون الألمانيّة إضافة إلى الجيل الثاني الذي بلغ سن تحمّل المسؤولية، فكانوا إضافة نوعيّة. صاحب هذه الفترة مرحلة من الحوار الثقافي والدّيني تجاوز به المسلمون ليس في ألمانيا فحسب وإنّما في كلّ أوروبا الكثير من الإشكاليات، واستطاع المسلمون في ألمانيا سنة 1995 تأسيس المجلس الأعلى للمسلمين. وبدأت نشاطات مهمّة للإنفتاح على غير المسلمين أهمّها يوم المسجد المفتوح الذي يلقى سنويّا إقبالا كبيرا.
الإسلام لا يمنع الإندماج
 أغلبية الجالية الإسلامية في ألمانيا تنحدر من العنصر التركي إذ يصل عددهم إلى 2,7 مليون نسمة أي ما يمثل 63 % من العدد الجملي للمسلمين الذي يصل إلى 4,3 مليون مسلم ويصل عدد المسلمين من دول جنوب شرق أوروبا كالبوسنة والهرسك، وبلغاريا وألبانيا 606 ألف مسلم بنسبة 14 بالمائة، ويصل عدد المهاجرين من الشرق الأوسط إلى 370 ألف بنسبة 8 بالمائة وأما المهاجرين من شمال إفريقيا فعددهم 302 ألف وأغلبهم من المغرب. (حياة المسلمين في ألمانيا، 2009) ولا يمثل التونسيون إلا 85 ألف من العدد الجملي للمهاجرين المسلمين في ألمانيا ولكن للمهاجرين التونسيين خصوصية متميزة سنأتي على ذكرها في العنصر اللاحق. 
الملفت في هذا التنوع والتّعدد الإسلامي المهجري أنّ الجيل الأول منهم كان محدود المستوى العلمى مع الأسف خاصّة لدى الجالية الأكثر عددا، فلقد أثبتت الدّراسات أنّ المستوى التّعليمي للجالية التّركية هو أضعفها بين الجالية عموما كما أثبتت هذه الدّراسات أنّ الجالية التونسيّة، وهذه خصوصيتها النّوعية في ألمانيا، تتمتّع بأعلى المستويات العلمية منذ أوائل المهاجرين التّونسيين سنة 1962 حيث كان عددهم لا يتجاوز 13 تونسيّا مسجّلا ليرتفع سنة 1973 إلى 11124 مهاجر. 
هذا الوضع الذي كان يميّز الجالية التّركية في ألمانيا جعلها تنغلق على نفسها، وقد تميّز هذا الانغلاق في عدد من المظاهر، فالجمعيات الأولى التي تأسست اقتصر اعضاؤها على العنصر التركي. إلى جانب ذلك اصطدم المهاجرون المسلمون بمشكل آخر، ففي الوقت الذي لا يمثل الدّين حضورا كبيرا في الحياة الإجتماعية والسّياسية للمجتمع في ألمانيا لأنّ الدين ينتمي إلى المجال الشّخصي كما أنّ فصل الدّين عن السّياسة بلغ مرحلته المتقدمة في ألمانيا، على العكس من ذلك نجد أنّ نسبة التّدين لدى المسلمين المهاجرين مرتفعة فالدراسات الميدانية أثبتت أن 36 % من المسلمين يعتبرون أنّ نسبة التّدين لديهم عالية جدّا وأنّ 50 % منهم يعتبرون أنّ تديّنهم عادي، مع ضرورة التّذكير أنّ هذه النسب لا تنطبق على المهاجرين المسلمين الشّيعة إذ وجدنا لدى المستجوبين الأيرانيّين نسبة تديّن أضعف، هذا الوضع انعكس على البناء الجمعياتي الإسلامي إذ اقتصر المنخرطون في الجمعيات الأولى على الجالية التّركية كما أنّ طبيعة تكوين الجمعيّات كانت تستجيب للمعطيات السّابقة حيث أنّ أغلب الجمعيات هي عبارة عن مركز متكامل يحتوي على مسجد ومطعم أو مقهى وحلاّق وتلفزة، تعرض القنوات التركيّة فقط، وأحيانا مجزرة لبيع اللّحم الحلال والمواد الغذائية التّركية. وتواصل هذا الوضع لسنوات عديدة ولم نشهد تغيّرا ملحوظا في البناء الجمعياتي الإسلامي إلاّ مع النصف الثاني لعشرية ثمانينات القرن الماضي، فبدأت تظهر الجمعيات الثقافية والرياضية لنجد منذ بداية هذه الألفيّة جمعيّات نوعيّة مثل مراكز الدّراسات والبحوث والمعاهد العلميّة التي ضمت بينها مختصّين من أصل تركي أو إسلامي وكذلك ألمان وهو مشهد جديد في العمل الجمعياتي بدأ يتطوّر بشكل جيّد وسليم ويشهد الواقع على ذلك إذ تثبت دراسة حياة المسلمين في ألمانيا أن 50 % من المسلمين هم أعضاء في جمعيات ألمانيّة في حين أنّ 4 % فقط ينتمون إلى جمعيّات مرتبطة بالبلد الأصل، كما أنّ لدى الأغلبيّة العظمى من المسلمين رغبة وقابليّة في التّواصل مع الألمان ولا تمثّل نسبة من لا يرغبون في التّواصل إلاّ ما يعادل 1 % من المسلمين المهاجرين.
وهكذا يمكننا القول أنّ الإسلام والتّدين العالي وليس المتشدّد لا يتعارض مع أن يندمج المسلم في مجتمعه ويكون فاعلا فيه ولكنّ الصّورة التي رسمها الإعلام عن الأتراك، في مرحلتهم الأولى، لا تزال تجد صدى في الواقع وتمّ تغذية هذا الإحساس الذي تزيده الحركات اليمينية والمحافظة حدّة ممّا جعل البعض يتحدّث عن مجتمع مواز في ألمانيا.
إشكاليات وصعوبات 
تساهم في تغذية العداء للمسلمين
يمكن أن نعيد الأسباب التي تغذّي عداء المسلمين إلى أسباب مباشرة وأخرى غير مباشرة، بعضها مصدره المسلمون أنفسهم، وسنحاول أن نختصرها في النقاط التالية:
 الإسلام والآخر:
 بين تصوّر فقهي معتدل وآخر متشدّد وناف
يعاني المسلمون في ألمانيا، وفي الغرب عموما، من وجود تصوّرين فقهيين أحدهما معتدل وسطي وآخر متشدّد منغلق وناف. 
ويؤكد علماء الإسلام من المدرسة الأولى، ذات الأغلبيّة بين الجالية المسلمة، ويمثّلهم مؤسّسات أهمّها المجلس الأوروبّي للإفتاء ومن ينتمي إليه من منظمات فقهيّة وبحثيّة أو من شخصيّات علميّة، أنّ العالم مقسّم إلى صنفين: أمّة إجابة وهم المسلمون، وأمّة دعوة وهم غيرهم. ورغم أنّ علماء هذه المدرسة يؤكّدون أنّ «هناك نقلة نوعيّة هائلة في الطّرح الفقهي على السّاحة الأوروبيّة» كما يقول الدكتور خالد حنفي رئيس هيئة العلماء والدّعاة في ألمانيا، إلاّ أنّه يقرّ أنّ «خطابنا الدّيني في الغرب يحتاج إلى مراجعة شاملة، وكذلك الفتاوى، ولابدّ من العناية بفقه الواقع، والتّوقع، والمآلات، والموازنات، والمقاصد» وأمّا «فيما يتعلّق بالمظاهر الإسلاميّة والهدي الظّاهر» فإنّ الدكتور حنفي يقول أنّه دعى «كثيراً إلى ضرورة الاقتراب من لباس الأوروبيّين وهيئتهم وحياتهم ما دمنا نتحرّك في الإطار الشّرعي المباح» وهو في موقفه هذا يرتكز على « أن شيخ الإسلام ابن تيمية قرّر هذا بل أوجبه عندما كتب: «إنّ المسلم بدار الكفر لا يؤمر بالمخالفة لهم في الهدي الظاهر، لما عليه في ذلك من الضّرر، بل قد يستحب للرّجل أو يجب عليه أن يشاركهم أحياناً في هديهم الظاهر إذا كان في ذلك مصلحة دينيّة، من دعوتهم إلى الدّين والاطّلاع على باطن أمرهم، لإخبار المسلمين بذلك أو دفع ضررهم عن المسلمين، ونحو ذلك من المقاصد الصّالحة» (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، ص 176)» (حوار مع د. خالد حنفي في مجلة المجتمع، 2015)
يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعله العدو بعدوه
إلاّ أنّ المتشدّدين الإسلاميّين يختلفون مع الطّرح السّابق فهم يقسمون العالم أيضا إلى قسمين: دار إسلام وهم المسلمون ودار كفر وهم غيرهم. ورغم أن أغلبهم جاء لاجئا إلى ألمانيا أو أسلم حديثا أو هو من أبناء الجيل الثاني، فإنّ هذا الإختلاف الإجتماعي أو الإثني لا يخفي صفة بارزة توحّدهم وهي أنّهم في أغلب الحالات أنصاف مثقفين، فلم أجد من بينهم من يحمل شهائد عليا في العلوم الدينية من جامعات معروفة.
فهذه المجموعات لا تستوعب المحاولات الفقهيّة التي ذكرنا طرفا منها عند الدكتور خالد حنفي وإنّما ترفع شعارات برّاقة ينخدع بها بعض الشّباب الإسلامي المتحمّس والغيور لأنّها تحدثه عن الجهاد والجنّة الموعودة والسّبعين حورية التي ينتظرن الشهيد في سبيل الله.  ويتقن بعض غلاة السلفية الجهادية أو أنصار الجماعات الإسلاميّة المتطرّفة مثل هذه الشّعارات التي تنشر عبر شبكة العلاقات الإجتماعية واليوتيوب وتعرض باللّغة الألمانية، فيقع فريسة سائغة لها ويصبح عنصرا مجنّدا لها يأتمر بأمرها ولا يناقش آراءها، ومن أمثلة ذلك في ألمانيا مجموعة شرطة حماة الشريعة في «فوبرتال»، وهي مجموعة تدّعي أنّها تريد المحافظة على الفضيلة والأخلاق في مدينة فوبرتال. ومجموعة أخرى أطلقت على نفسها اسم «إقرأ» تأسّست سنة 2012 توزّع القرآن باللّغة الألمانية في السّاحات والأماكن العامة. والمشكل، حتّى تتّضح الصذورة للقارئ العربي الذي لا يقيم في ألمانيا، ليس في توزيع كتاب الله وإنما في الطريقة والمنهجية المعتمدة. إنّ توزيع القرآن دون فهم هو توزيع لكتاب صعب لا يستطيع أن يفيد صاحبه وإنّما هناك طرق أسلم وأنجع لتوزيع كتاب الله وتتمثل في إهداء كتاب الله إلى الأصدقاء أو زملاء العمل، وهي أنجع الطّرق، لأنّ هناك رابطا شخصيّا بين الدّاعي والمدعو يزيل كثيرا من الحواجز ويسهل عمليّة التّواصل والفهم، وأمّا الطّريقة الثّانية فهي توزيع القرآن على من يزورون المساجد سواء في يوم المسجد المفتوح أو ممّن يرغبون في التّعرف على الإسلام والمسلمين أو لممثّلي المدارس التي تصطحب معها تلاميذ بهدف التّعرف على الإسلام.
وأمّا توزيع القرآن أو ما تسمّى بشرطة الشّريعة، فإنّها لم تجلب معها مكاسب للإسلام والمسلمين وإنّما تمّ توظيفها سلبيّا لتنفر الألمان من الإسلام ومن المسلمين.
كما أنّ هناك مجموعات أخرى أكثر تشدّد تسمّم العلاقة بين المسلمين في ألمانيا وغيرهم لأنّها تصدر أحيانا تهديدات تقود إلى إلغاء مهرجانات أو احتفالات كبرى كان يعتزم القيام بها ممّا من شأنها أن يعمّق حالة الكراهية ضدّ المسلمين مثلما حدث من إلغاء كارنفال مدينة «براونشفايـــغ»، أكبر كارنفال في شمال ألمانيا، الذي كان من المقرر أن يكون في يوم 16 فيفيري 2015، وكان من المنتظر ان يحضره 250 ألف مشارك.
المرأة المسلمة في الغرب: إزدواجية المعاييرالغربية ترفض احتشام المسلمة
يعتبر موضوع المرأة من المواضيع التي تحوز على مجال واسع في السجال الثقافي الألماني، فالمرأة المحجبة أو المنقبة ينظر إليها نظرة دونية ورسمت حولها صورة سلبية، وهو ما جعل بعض القوانين تصدر لمنعها من ممارسة عملها كمحجبة ممّا أثار غضب منظمات حقوق الإنسان، حيث أدانت منظمة هيومان رايتش ووتش المعنية بحقوق الإنسان، سنة 2009، فرضَ حَظْرٍ على ارتداء الحجاب للمُعَلِّمات المسلمات أمام تلاميذهنّ في نصف الولايات الألمانية المحلية. وأكّدت المنظمة الأمريكية الشهيرة أن هذا التشريع «يشكل تمييزًا عنصريًا في مجالي الجنس والدِّين وينتهك حقوق المرأة الأساسية لهؤلاء السيدات». 
كما تعتبر عالمة الإثنيات والأستاذة بمعهد الدراسات الثقافية والاجتماعية الأنثروبولوجية بجامعة فيينا «أنجريد تورنر» أنّ المجتمع الغربي يعاني من ازدواجية متمثّلة في إتاحة حرّية التّعري للمرأة ومنع المرأة المسلمة من أبسط حقوقها في ارتداء الزّي المناسب لها. وتقول تورنر: «عن الإسلام وحرية التّعري يحتاج المسلمون بشدّة لكشف هذا اللّغز.. لماذا يسمح للمرأة التي بجانبها بالتّعري في الوقت الذي لا يسمح لها بارتداء الحجاب كما تريد؟!»
وتضيف «إحداهما عارية والأخرى مغطاة تقريبًا بالكامل، ولكن التي تعرّي جسدها - رغم أنّها تثيرنا - إلاّ أنّنا لا نعطي لمن تتعرّى أدني اهتمام أو تساؤل عن زيّها.» وتؤكد أنجريد تورنر أنّه «بينما المرأة المسلمة ظاهرة بيننا إلاّ أنّها أصبحت تمثّل مشكلة حينما غطّت جسدها وأعلنت عن شخصيتها المسلمة، وهذا حدث منذ بضع سنوات، قبلها لم تكن المرأة المسلمة تثير أيّ قلق ولم يكن لها وجود على صفحات جرائدنا، ولكن الاهتمام المتزايد بها مؤخّرًا أصبح يعقّد حياتها سواء في أماكن العمل أصبحت المحجّبة غير قادرة على التّواصل وفي محطّات القطار والحدائق العامّة أصبحت تواجه العداء، والنّاس يتحدّثون عنها الآن في كلّ وقت كما لو لم تكن موجودة من ذي قبل، أو كأّنها غير مفهومة، فإذا حاولت أن تجد عملاً أو أن تستريح قليلاً في إحدى الحدائق العامّة تواجه المطاردة بسبب زيّها وجسمها المغطى، أمّا إذا كشفت عن جسمها حسب التّقاليد الأوروبية أصبحت مندمجة جيدًا في المجتمع. وأصبح المسلمون عندنا يواجهون الإجبار على خلع الحجاب والكلّ أصبح مسؤولاً عن هذا في المجتمع سواء الأفراد أو السّاسة أو الصّحفيين أو النّساء».
إنّ هذه الصّورة عن المرأة المسلمة خاصّة وعن الإسلام بصفة عامة من شأنها أن تغذّي دعوات الطّرف الدّيني والعنصري تجاه المسلمين إلى درجة تجعل رجل الأمن أحيانا يغفل عن هذه الحقيقة ويهاجم الضحيّة في الوقت الذي كان عليه حمايتها كما حدث عند اغتيال الصيدلانية المصرية «مروة الشربيني» من متطرف يميني في قاعة محكمة بمدينة دريسدن سنة 2009 أثناء آدائها لشهادتها.
الإعـــلام: نشر الإسلام في أسوإ صوره
من الأسباب التي تساهـــم بشكل كبير في تعميق التّطرف ضد المسلمين الدّور السلبي للإعـــلام، فطبقا لدراســـة أصدرها معهد ميديا تينور، الذي يعـــدّ أول معهد بحثي متخصّص في تحليل وسائل الإعلام منذ سنة 1993، وأجريت في الفترة من غرّة ديسمبر 2013 إلى الخامس عشر من نفس الشهر سنة 2014، أثبتت هذه الدراسة أنّ صورة الإسلام والمسلمين هي أكثر الصّور المشوّهة ضمن الفئات الإجتماعية المختلفة كرجال البنوك والسّاسة والإعلاميين. ففي سنة 2014، كما يقــــول معهد تينور، سيطر على نشرات الأنباء والتقارير الإعلامية الحديث عن «الدولة الإسلامية» أو «دولة الخلافــــة» بشكل غير مسبــــوق فاق سبع مرّات ما كان ينشر عن «طالبان» و«القاعدة» و«بوكو حرام».
وقد أثبت التقرير الذي اعتمد على حوالي 266 ألف تقرير إعلاميّ وعلى متابعة 19 وسيلة إعلام بين قنوات تلفزية، وإذاعية وصحافة مكتوبة أنّ صورة الإسلام تقدّم بشكل سلبي لم يسبق له مثيل.
والمتابعون للشّأن الألماني يذكرون جيّدا الكيفيّة التي عرض بها  كتاب «ألمانيا تسعى إلى حتفها» لصاحبه «تيلو ساراتسين»، السّياسي السّابق في الحزب الإشتراكي الديمقراطي والعضو السّابق في مجلس إدارة البنك المركزي الألماني، التي كانت أشبه بالتسويق منها بالنقد أو بعرض مجرد لكتاب، حتى فاقت مبيعات الكتاب 750 ألف نسخة في مدّة وجيزة. وقد أثار «ساراتسين» بكتابه جدلا واسعا على خلفيّة النظريّة التي يمثّلها والتي تتلخّص في اتهام المسلمين بأنّهم أقلّ اندماجا من غيرهم في المجتمعات الغربية واتّهم الدّين الإسلامي بأنّه أقرب الأديان إلى الإرهاب والتطرف.
ويمكننا، لفهم دور الإعلام أكثر، أن نعود إلى الماضي القريب جدّا، فكما تقول الباحثة في مجال الإعلام الدكتورة «سابين شيفّر» تابع عملية شارلي إبدو وكوبنهاجن عدد أكبر بكثير من عملية قتل ثلاثة مسلمين في الولايات المتحدة وفي نفس الفترة الزمنية تقريبا. وهي في هذا المستوى تتحدث عن معايير مزدوجة للإعلام.
 
الحركات المعادية للإسلام: 
بيجيدا Pegida كنموذج
أشرنا في العناصر السّابقة إلى الأسباب المباشرة وغير المباشرة لانتشار ظاهرة العداء والخوف من الإسلام والمسلمين. ونحاول الآن دراسة أحد أهم الحركات التي أنتشرت في ألمانيا بسرعة وأثارت حولها ضجّة إعلامية كبيرة وهي حركة بيجيدا.
وترمز «بيجيدا» إلى الحركة التي بدأت في مدينة دريسدن منذ 20  أكتوبر 2014 في تنظيم مظاهرات ضد ما تسمّيه أسلمة أوروبا وضد ما تعتقده من فشل سياسة الهجرة واللجوء في ألمانيا.
وقد انطلقت الحركة بعد أن فتح لوتز باجمان Lutz Bachmann غرفة خاصة على صفحة التواصل الإجتماعي في 11 أكتوبر وسماها «أروبيون مسالمون ضدّ أسلمة أوروبا» لتتحوّل بعد ذلك إلى «مواطنون أوروبيّون ضدّ أسلمة أوروبا» وتختصر تحت اسم «بيجيدا» وهم المتظاهرون الذين ينتمون إلى مدينة «دريسن» وهي أشهرها وأمّا في المدن الإخرى فإنّ الإسم يحدث فيه تعديل بسيط ليرمز إلى المقاطعة أو المدينة التي تنحدر منها مجموعة المتظاهرين، لنذلك نجد اسماء مثل ليجيدا Ligida وترمز إلى مدينة لايبتسج، وباجيدا Bagida نسبة إلى مقاطعة بافاريا، وكوجيدا Kögida نسبة إلى مدينة كولونيا إلخ.
وقد بلغت نسبة المشاركة في هذه المظاهرات أوجها في مدينة «دريسدن» يوم 12 جانفي 2015 ليصل عدد المتظاهرين حسب تقديرات الشّرطة إلى 25 ألف متظاهر وإلى 15 ألف متظاهر يوم 21 جانفي في مدينة «لايبتزج». والملفت للإنتباه أن هذا العدد بدأ منذ ذلك التاريخ في التناقص بشكل ملفت ليصل عدد المشاركين في دريسدن إلى 4300 متظاهر يوم 16 فيفري 2015 وإلى 550 في مدينة «لايبتسج» في نفس اليوم.
ويعيد متابعون ذلك إلى الأسباب التالية:
ـ بيجدا لم تستطع ان تتحول إلى مشروع برامجي واضع يجمع حوله الأنصار وإنما اقتصر فقط على الشعارات المعادية للأجانب والمسلمين. 
ـ تورط العديد من قياداتها في علاقات مع التيار النازي والمعادي للأجانب مثل ما نشر عن مؤسسها باجمان وهو يظهر في صورة على نفس شاكلة صورة هتلروكذلك تصريحاته المستهجنة ضد الأجانب.
ـ منذ منتصف جانفي دخلت الحركة في مشكل قيادي بعد استقالة مؤسسها باجمان من رآستها وتولي كاترينا أورتال مكانه إلا أنها سرعان ما استقالت بدورها ليحدث فراغ قيادي إلى جانب الفراغ البرامجي.
الإنفتاح والإندماج والحوار 
هي الكلمات المفاتيح
أشرنا إلى بعض الأسباب المتعددة لظاهرة الكراهية ضد المسلمين، وأثبتنا أنّها تشوّه الوجود الإسلامي في ألمانيا وتجعل منه دينا يخيف الآخرين. وهذا الوضع يفرض على المؤسّسات والجمعيات الإسلاميّة أن تطوّر من أسلوب عملها وتنفتح أكثر على غيرها، وفي هذا الإطار يمكن التنويه بفكرة يوم المسجد المفتوح لما لها من أهمية في التواصل مع الألمان وكذلك إقامة المهرجانات التي يدعى إليها الألمان وغير المسلمين. كما أنّ عليهم أن يشجعوا الجالية الإسلامية على الإنخراط في العمل الجمعياتي لأن نسبة إنخراط المسلمين في الجمعيات الإسلامية ضعيفة جدّا، وعليهم أن يطوّروا التواصل والتنسيق بين الجمعيات الإسلامية لتحسين التواصل والتفاعل السريع.
ومن ناحية أخرى نأمل أن تواصل الدوائر الرّسمية دعمها للحوار مع الإسلام والجمعيات الإسلامية كما هو الحال في «مؤتمر الإسلام» عبر الإنفتاح أكثر على الجمعيات وعلى المثقفين المسلمين. 
من العوامل لمساعدة اكثر على تحسين الأجواء هو الكف على التعامل مع المسلمين من خلال الدوائر الإستخباراتية بدرجة أولى وإنما المفروض أن يتمّ التّعامل معهم كجزء من المجتمع الألماني، وقد أكبرت إحداث مؤتمر الإسلام وكذلك جائزة للإندماج وغيرها من الجهود ولكنّنا لا نزال في بداية لطريق.
 المصادر
(1) Studie: Eine Mehrheit der Deutschen fühlt sich vom Islam bedroht, unter:
http://www.faz.net/aktuell/politik/inland/studie-eine-mehrheit-der-deutschen-fuehlt-sich-vom-islam-bedroht-13358936.html
(2) RELIGIONSMONITOR: 57 Prozent der Deutschen fühlen sich vom Islam bedroht, unter:http://www.zeit.de/gesellschaft/zeitgeschehen/2015-01/islam-pegida-islamfeindlichkeit-religionsmonitor
(3) Islamfeindlichkeit in Deutschland: «Auch ein religiöser Mensch kann integriert sein», 9.01.2015; unter: 
http://www.sueddeutsche.de/politik/islamfeindlichkeit-in-deutschland-auch-ein-religioeser-mensch-kann-integriert-sein-1.2296698
(4) Verwüstungen, Fäkalien, verbrannte Korane - Anschläge auf Moscheen in Deutschland häufen sich, in: http://www.daserste.de/information/wissen-kultur/ttt/sendung/ndr/moscheen100.html
(5) مذكرة  من اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا بخصوص  حمى  الكراهية  والاعتداءات  ضد  المسلمين  والمساجد، على الرابط التالي: 
http://fioe.org/ShowNews.php?id=186
(6) Haug, Sonja/Müssig; Stephanie/Stichs, Anja 2009; Muslimisches Leben Deutschland, Im Aftrag der Deutschen Islam Konferenz, Nürnberg
http://www.bertelsmann-stiftung.de/cps/rde/xchg/SID-63377EFB-4294276F/bst/hs.xsl/nachrichten_98902.htm
(7) ويمكن الإطلاع على النسخة الكاملة للدراسة  عن «حياة المسلمين في ألمانيا» على الرابط التالي:
http://www.bmi.bund.de/cae/servlet/contentblob/566008/publicationFile/31710/vollversion_studie_muslim_leben_deutschland_.pdf
(8) Deutschland: Kopftuchverbote verletzen Menschenrechte, in: http://www.hrw.org/de/news/2009/02/25/deutschland-kopftuchverbote-verletzen-menschenrechte
(9) Feminismus und Kopftuchdebatte: Der nackte Zwang, Von Ingrid Thurner, Sueddeutsche Zeitung, 25.06.2010, unter: http://www.sueddeutsche.de/kultur/feminismus-kopftuchdebatte-der-nackte-zwang-1.963023#
(10) Auswertung von TV-Sendungen: Medien berichten negativ über den Islam, in: http://m.spiegel.de/kultur/gesellschaft/a-1013391.html
(11) Gibt es wirklich Islamophobie? Versuch einer Aufklärung - Von Sarah Al-Mousllie, unter: http://textfabrik.islam.de/26192
(12) كما يمكن العودة كذلك إلى بعض كتابات الباحثة الدكتورة سابين شيفرعلى الروابط التالة:
http://www.medienverantwortung.de/wp-content/uploads/2009/07/20081030_Schiffer_TelAviv-MinervaInst_dt.pdf
http://www.bpb.de/apuz/29060/der-islam-in-deutschen-medien?p=all
http://www.kulturrat.de/islam/islam-1.pdf (Islamfeindlichkeit in Deutschland Ausgrenzende Strukturen ernst nehmen, Von Sabine Schiffer; S. 38)
-------
- باحث تونسي مقيم في المانيا
trabelsi.h@gmx.de