في الشأن السياسي

بقلم
بسّام العقربي
النهضة وحكومة الصيد: إنتعاشة أم إنتحار في السياسة
لا طال ما طرح مشاركة النّهضة في حكومة «الحبيب الصيد» بوزير يتيم جدلا كبيرا في الأوساط السّياسية التّونسية عامّة أو حتى داخل حزب حركة النّهضة نفسه خاصة بعد ما راج حول إستقالة أبرز الوجوه السياسية التاريخيّة و القياديّة للحركة وهو «عبد الحميد الجلاصي».

فمنذ بدأ «الحبيب الصيد» بتشكيل الحكومة أسرعت النهضة عن طريق مجلس الشّورى بإصدار بيان تُعرب فيه عن مشاركتها في الحكومة إذا عُرض عليها ذلك، إلاّ أنّ «الحبيب الصيد» وبعد مشاوراته لم يصل إلى اتّفاق مع حركة النهضة وبعض الأحزاب الأخرى كآفاق تونس والجبهة الشعبية، فيما أعلنت النّهضة بعد ذلك عدم منح ثقتها لتلك الحكومة وانضمت إليها بقيت الأحزاب المقصية من تشكيلتها، فسارع هذا الأخير للتشكيلة الإحتياطيّة والتي  أعطى فيها النّهضة وزارة واحدة وثلاث كُتاب دولة، فأمن الصّيد ومن ورائه نداء تونس مكر النّهضة في البرلمان وصحّ بذلك المثل الشّعبي القائل  «أكرم الفم تستحي العين» وقد نجح رئيس الحكومة وحلفاؤه في ذلك أيّما نجاح.إلاّ أنّ الوزارة المُسندة لزياد العذاري ليست ككلّ الوزارت، فهي الوزارة التي جعلت ثوار 14 جانفي 2011 يهتفون «التشغيل إستحقاق يا عصابة السراق» ولا أستغرب أنّ الصّيد عرض أمانة هذه الوزارة على عدد من الأحزاب فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها «العذاري» إنّه كان ظلوما جهولا. فربّما يكون «العذاري» ظالما لنفسه ولحزبه بتقلّده هذا المنصب لما له من رمزيّة عند الآلاف من الشّباب العاطلين عن العمل، وظلمه هذا ليس لأنّه عديم الكفاءة وإنّما لضعف وهشاشة الاقتصاد التّونسي وغياب الموارد الاقتصادية وضعف الإستثمار وتنامي المديونية وغلاء المعيشة والتضخّم المالي وانهيار الدّينار أمام بقية العملات. هذا وقد تتنامى الإحتجاجات ضد «زياد العذاري» في الجهات الدّاخلية خاصّة تلك التي تُسيطر فيها «الجبهة الشعبية» سياسيّا وتاريخيّا وبذلك يكون قد واصل في رسم تلك الصّورة السّيئة للتّرويكا عامة وللنهضة خاصّة.لم تكتفِ حركة النهضة بوزير بل بثلاثة كتاب دولة منهم من هو مكلّف لدى وزير الماليّة وهو منصب حسّاس جدّا سيجعله في مواجه منظمة الأعراف من ناحية خاصّة رجال الأعمال الذين يتهرّبون من دفع الجباية ومن ناحية أخرى سوف يُواجه المنظّمات النقابيّة التي لا تكفّ عن المطالبة بالزّيادة في الأجور أمام ضعف إقتصاد الدولة.من جهة أخرى تسلّمت النّهضة كتابة الدّولة المكلّفة بالاستثمار المُساهم الأكبر في خلق مواطن الشّغل في صفوف الشّباب المُعطّل عن العمل. إذن حركة النّهضة تقلّدت حقائب تجعلها في مواجهة مباشرة مع الشّعب عكس بعض الأحزاب الي تقلّدت وزارة البيئة والمرأة وغيرها. فبهذه المشاركة جعلت النّهضة الشّعب المُفقّر والمُعطّل أمامها وواقع البلاد التّنموي وراءها وليس لها والله سوى التشمير على سواعد الجدّ والحزم، فمنافسها المتربّص بها والذي شرّكها في الحكومة يُريد عزلها شعبيّا بعد أن أزاحها سياسيّا عن طريق الصّندوق وذلك بأن أوكل إليها أصعب المهام في الحكومة الجديدة.أمّا أهم النّقاط التي ربحتها النّهضة من خلال مشاركتها في حكومة «الحبيب الصيد» فهي أوّلا عزل الجبهة الشعبيّة أكبر عدو إيديولوجي للإسلام السّياسي الذي يرفض المشاركة في حكومة تكون حركة النّهضة مشاركة فيها وبذلك تمكّنت النّهضة من كسر ذلك التّحالف التّاريخي بين المنظومة القديمة ـ بعض الوجوه في نداء التونس ـ واليسار الذي بلغ أشدّه في التّسعينات من القرن الماضي بعد الحملة التي شنّها نظام المخلوع على الإسلاميّين.أمّا ثانيا، فقد ضمنت النّهضة لنفسها وجودا سياسيّا متواصلا على صعوبته ونجحت إلى حدّ كبير في تجنّب المواجهة مع بقية الأحزاب والقوى المُعلنة والخفيّة الرّافضة لوجود الإسلاميّين في السّاحة السّياسية التّونسية خاصّة بعد ما اعتبروه فشلا في إدارة البلاد بعد 23 أكتوبر 2011 وبعد إغتيالين سياسيين في عهدها. وبهذا الوجود في الحكومة قد جنّبت النّهضة نفسها وأبناءها سيناريو مشابه لما حدث للإخوان المسلمين في مصر.هكذا كانت رؤية حركة النّهضة السّياسية للمرحلة الحاليّة وهكذا جازفت وشاركت في حكومة «الحبيب الصيد»، فربّما تكون هذه المشاركة انتعاشة سياسيّة وربّما تكون إنتحارا سياسيّا أعطت من خلالها الفرصة لمنافسيها في الانتخابات القادمة

.--------  صحفي و أستاذ بالخارج

bassemagrebi@yahoo.fr