مقالات في التنمية

بقلم
نجم الدّين غربال
سُبُل تنمية العلاقة بين الجنسين في أفق شراكة مجتمعيّة
 في إحدى قاعات الشاي المُزدانة بها ضواحي مدينة صفاقس الزاخرة بالطاقات الشبابيّة ككلّ مدينة وقرية في وطننا الحبيب، وفي جلسة جمعتني بشابّين يافعين من شبابها التائق إلى التّحرر من كثير من المُكبّلات، تبادلت معهما الحديث عن النهج الأيسر للشّباب والشّابّات على حدّ سواء وهم يرسمون الخُطوات المُمهّدة لمُستقبل واعد يُريدونه، ويكون لهُم فيه القُدرة على تجاوز التّحديات التي تنتظرهم في مختلف المجالات.
وقد رصدنـــا معـــــا في مرحلـــة أولـــى مـــن الحديث عــــددا من المُكبّـــلات التي تحُول بينهما والشّباب عموما وبين وُضوح الرّؤية خاصّة فيما يتعلق بمُستقبلهم في علاقة مع شريك الحياة ووضعهم الاقتصادي.
 وما لاحظناه تعدّد مجالات تلك المكبّلات فمنها الاقتصادي والاجتماعي والنفسي والفكري بما هي تصوّرات ومفاهيم فضلا عن كثير من العادات والتّقاليد والتي وإن كانت مُنتجا من أجيال سابقة في تناغم مع ظُروف حياتهم حينها إلاّ أنّها لم تعد كذلك مع التّطورات الحاصلة مع الأجيال المعاصرة.
من جهة أُخرى وفي المقابل تحدثنا عن تفاعل كثير من الشباب مع أنماط وافدة من السلوك والعلاقات والذي يغلب عليه رُوح التمرد على العادات والتقاليد ما يعكس رغبة في التخلص من كثير منها وليس بالضرورة إيمانا بصُلُوحية تلك الأنماط.
ثم وقفنا عند حقيقة - بعد ما استرسـلا مُرافقي في الحديث - مفادها أن ما زاد بعض الشّباب غُموضا وحيرة الفهم السّطحي المُروّج له والمُسند جهلا للدّين في علاقـة بشروط الزّواج وبمسؤوليّــة الإنفاق في إطار العائلـــة ممّا يطرح على عُقولهم تساؤُلا محوريّا حول المغزى من الدّين وبالتّحديد من القرآن الكريم إن لم يكن في اتجاه تيسير الحياة؟
ولعلّه من المُفارقات أن نجد كثيرا ممّا يُروج له ممن يُحسبون على مراجع الوعي «الديني» العام هو في تناقض صريح مع آيات قرآنية شديدة الوضوح. 
ففي آية صريحة «ما أنزلنا عليك القُرآن لتشقى» ما يُؤكد أن كلّ ما يُروج له باسم الدّين وفيه شقاء للإنسان لا ينسجم لا مع الاتجاه العام للدّين الإسلامي ولا مع الهدف منه مهما كان صيتُ من يُروج له.
أضف إلى ذلك التّجربة الرّائدة لحياة النبي محمد عليه السلام والتي تفتح أُفقا رحبا لحياة زوجية يسيرة كما سيتضح لاحقا ولا يزال كثير ممن يضُنون أنّهم من المُلتزمين بسنّته لم يفقهُوها بعد.
فحين يُطرح موضوع العلاقة بين الجنسين في أُفق الزّواج يبرز بقُوة الحديث الحكمة «يا معشر الشّباب من استطاع منكم الباءة فليتزوّج» ويتمحور جُلّ المضمون المُروّج له على القُدرة الجنسيّة والمادّية للرّجل وكأنّه الوحيد المعني بالزّواج دون أن يشمل المعنى المُروّج لهذا الحديث الشّابة ، فضلا عن أنّ الكائن المعني بالحديث كأنّه، ووفقا لما يُروّج له أيضا، لا نفس له ولا ذهن، فضلا عن تجاهل البعد الاجتماعي له رغم أهميتها جميعا وتوقف الانتماء الإنساني عليها.
أضف إلى ذلك عدم قدرة المُوجّهين في هذا الموضوع على استحضار مُختلف شروط الاستطاعة بمُختلف أبعادها البيولوجيّة والنفسيّة والذهنيّة وكذلك الاجتماعيّة منها والاقتصاديّة وعدم قيامهم بما يكفي لإعانة الشّباب على الاهتداء إلى توفير هذه الشّروط وبنسب تُساعدهم على بداية حياة زوجية ناجحة.
من جهة أخرى وحين يُطرح موضوع مسؤولية الإنفاق في العائلة لا يزال لدى الوعي الجمعي أنها على عاتق الرّجل رغم صورة الشّراكة الناصعة التي رسمتها تجربة النّبي محمد عليه السلام مع زوجته خديجة.
هذه الشّراكة التي كانت قائمة على مال السّيدة خديجة الشّابة في خياراتها وعلى تجارة الصّادق الأمين وقدرته على نسج علاقات تجاريّة مثمرة، لتُقدم للشّباب نموذجا تشاركيّا للمسؤوليّة الاقتصاديّة في الحياة الزوجيّة بعيدا عن الفهم المُحنط أو السطحي للتّجربة أو لبعض الآيات القرآنيّة.
  و أمام غلاء مُستلزمات الحياة ونظرا لشُح الموارد والتي تُمثل ضغطا متواصلا على الشّباب لعلّه من المُفيد التّذكير بأنّ تعميق ثقة كلّ شابّ وشابّة بقُدراته والعمل على اكتشاف كُل منهما لمهاراته وكفاءاته والاستعانة بها على تنويع موارد الرّزق من شأنها أن تُخفف من ذلك الضّغط المُسلط على كلاهما مع عدم الاكتفاء بسلوك طريق واحد أو البقاء في انتظار نهاية مسار تعليمي قد يطُول ولا يُوفّر بالضرورة مورد رزق كاف دُون أن ينقطع عنه.
إن الإصرار على توفير شُروط الاستطاعة لخوض تجربة زوجيّة ناجحة يجب أن يكون ديدن كُل شابّ وشابّة حتى لا يضيّعوا أوقات ثمينة هروبا من مواجهة تلك الاستحقاقات ثم يستسلموا للتّجربة بلا زاد.
 كما يتطلب ذلك جُهدا مُتواصلا ولسنين عديدة على مستويات متعددة سواء على المستوى النفسي الشعوري وعلى المستوى الذهني الفكري أو على المستوى الجسدي البيولوجي وكذلك على المستوى الاجتماعي والاقتصادي :
• فعلى المستوى النفسي تُصقل الحالة بتنمية مشاعر الحبّ والوفاء والإخلاص من طرف الشّاب والشّابة على حدّ السّواء وما تقتضيـــه من تقوية لدى كلاهما وبإرادتهما لكلّ من قيم الاحترام والإيثار والاستعداد للتضحية.
• أمّا على المستوى الذّهني فيكون عبر تنمية المعرفة المُتوازنة التي ترى الإنسان ذكرا كان أم أُنثى مُركّبا مادّيا وشُعوريّا نفسيّا، وكذلك ذهنيّا، فكريا واجتماعيا لا مجرد كائن جسدي أو كائن اقتصادي ويكون أيضا عبر تنمية الثّقافة الزّوجية والمعرفة العلميّة بإدارة الحياة الزّوجية قبل خوض التّجربة.
• وفي مستوى الاستعداد البيولوجي والجسدي فعلى الشّباب بجنسيه أن يُداوم على ممارسة الرّياضة وعلى صيام أيّام معلومة تنمية لصحّته فضلا عن الابتعاد عن العـــادات السّيئـــة ســواء في الشّرب أو الأكل أو النوم أو ما شابه.
• وكذلك لابد للشباب أن يُنمي باستمرار ثقافته الاجتماعيّة ومعارفه في مجال العلاقات الاجتماعيّة، فالحياة الزّوجية حياة اجتماعيّة بامتياز وفيها كثير من العلاقات قد تكُون سببا في توفير بعض من أسباب السّعادة الزّوجية كما قد تكون سببا في تعكير صفوها.
• بقي الجانب الاقتصادي والذي سبق أن تناولناه إلا أننا نُؤكّد على مسألة الشّراكة الاقتصاديّة التي رسمها النّبي مُحمد عليه السلام من خلال تجربته المميّزة وضرُورة تعلّم علم التّصرف العائلي لحسن توفير المال وحسن إنفاقه بما يُحافظ على ديمومة الحياة الزّوجية واستقرارها وكذلك نمائها.
إن الشّباب اليـــوم في أمس الحاجة إلى علاقات تعاون وشراكة نظرا لليُســــر الذي تمنحـــه لحياتهم ومستقبلها في كنف الوحـــــدة وما تُفرزه من شعور بالانتمــــاء والولايــــة والإيواء الاجتماعــــي على نقيض العلاقـــات القائمة على الصراع والتي ما ولدت سوى أمرين اثنين : 
* التنافر الممهّد للتّشرذم والتّفكك واليتم الاجتماعي
* التصادم المُنتج بدوره للتّناحـــر والتّقاتل وذهاب ريح الأسر ومن ثمة هوان المجتمع على أبنائه وقابليته لأن يتلقفـــه المتربصون من الدّاخل والخارج.   
بذلك وغيره يمكن تنمية العلاقة بين الجنسين في أُفق حياة زوجيّة تشاركيّة تكون نواة لحياة اجتماعية ناضجة في ظلّ أسرة  مُتماسكة مُتضامنة تُمثل بحق نواة صلبة لمُجتمع مُوحّد مُتضامن تجمعه قيم الحب والوفاء والإخلاص وعلاقات أفراده ومُكوناته الاجتماعية محكومة بالاحترام المتبادل والإيثار والتضحية.
وما نُنوه له أن علاقة الشراكـــة بين الرجل والمرأة لا تقتصر على الإطار الأسري بل تتعداه إلى الإطار المجتمعي ككل في مختلف مؤسساته التعليميـــة والصحيّـــة وفي مؤسساته التشريعيـــة والتنفيذية والقضائية وكذلك في مختلف مؤسساته المدنية إلاّ أن كل علاقة محكومة بالإطـــار التي تنتمي إليه وبالمهام الذي يفرضها على الشركاء.
 فكلا الإطارين هما عبارة على فضاءات يحيا فيهما الرجال والنساء بعضهم أولياء بعض للقيام بأدوار يُعزز من خلالها كُل واحد منهم كرامة الأخــر والإنسان عموما ويُحافظ على تفضيله على بقية المخلوقات ويحرص كل واحد منهم على رزق الآخــر وصحته وأمنـه.
ولعمري أن ذلك لا يمكن إلاّ أن يقوّي في المجتمع مناعتـــه وتماسكه ويجعله كالجسد الواحد إذا إشتكى منـــه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى حتى يتعافى ويُقاوم الفيروسات التي تتربص به سواء من الداخل أو الخارج حينها يمكن له أن يرتقي ليكون مجتمعا شهيدا على البشرية ومحط أنظارها وقدوة حسنة لكثير من شعوب العالم.
-------
-  رئيس مركز الدراسات التنموية
najmghorbel@gmail.com