تمتمات

بقلم
علي الطرهوني
قلم صاحب الجهالة
 فكّرت مرّة في نشر مقال عن «الإعتزال». كتبت أنا معتزلي في السياسة وأكرّر السؤال «مامعنى أن أكون ديمقراطيّا في وطن يسكنه الأفيال؟ أنا لازلت في حالة اختلال . احتلّوا صوتي وصادروه منذ آلاف السنين ودجّنوه باليافطات والأصوات في موسم الانتخابات. منعوا الأجيال، حرموها من فرصة تعيد للأمّة ربيعها الأخضر بكل مقاييس الجمال.
غازلني الشّاب والكهل والعجوز وطلبوا ودّي، استكثروا عليّ دفاعي وحقّي في النّضال. قلت لهم كلاما يثير الانفعال. شكّكت في أسطورة النضال. قال لي المذيع إنّهم أصحاب الثّورة، هؤلاء هم الرّجال، سيقودون قاطرة البلاد نحو المجد والاقلاع والسّنين الطّوال. شعرت بالإحراج، تذكّرت «مع فلان حتّى» و«سر يا زعيم، لا كبا بك الفرس» و«بلادي أمانة» و«حمار الشعب السعيد» ومشتقات فعلول كطرطور وبهلول ومزطول و«بج» مكرّرة.
أخفيت عورات النّاس، تعفّفت عن النّزال فلكلّ النّاس عورات ولكلّ النّاس صولات وجولات ولكلّ النّاس أنباء ومسرّات. قلت في نفسي دعك يا صاحبي، ألا تخشى الاعتقال؟ فالدّعوى جاهزة:«تعكير الصّفو العام ونشر أخبار زائفة» . إذن كن ليّنا مطواعا واحفظ لسانك وقلمك، فهؤلاء لا يتورّعون عن شراء الذّمم بالمال.
لماذا لا تصمت أيّام السّلم وأيّام القتال؟ لماذا لا تخرس صوتك زمن الاستبداد وزمن الحرّيّة؟ فما كلّ شيء يُقال.
قلت سلاحي هو رأسي ورأسي هو رئيسي، فأنا لست شيطانا أو ملاكا، لا أبيع لساني للقطط وأنا غير مجبر على الاحتماء بالصّمت.. تذكّرت عبارة منمّقة «لا خوف بعد اليوم!!» وضحكت...
قبل أن أستقيل أو على الأصحّ أُقال، سأكون شعبويّا عروبيّا وأشكّل جبهة ضدّ الرّداءة وعباءة المتديّنين وسأكون بريق أمل لنهضة قد تأتي أو لا تأتي، ملبيّا نداء الوطن من شرّ غاسق وحاسد وخائن ومرتزقا، فإبليس كان في هذا المكان، لم نعد نشعر بالأمان إذ ولّى زمن الحبّ والعشق والهيام.
قلت لا ضير أن أموت. سيقول النّاس عنّي يوما هذه نهاية رجل شجاع مات واقفا كالجبال. لا يهمّني طول البقاء، أرثيك يا وطنا إن كان يجدي الرّثاء. أفتخر إن قال عنّي ابني ذات يوم «أبي ليس كمثله شيء. رجل في زمن عزّ فيه الرّجال، ما خان مبادئه أو تمسّح على أبواب دعيّ أو حربائيّ أو مزوّر أو كذّاب أو مراوغ لأنه ببساطة لم يتقن التسلّق واللّعب على الحبال ولأنه لم يتأقلم، مات في وطن مازالت تتحكم فيه الأنذال». 
-------
- أستاذ تعليم ثانوي
tarhouniali01@gmail.com