بحوث ودراسات

بقلم
محمد الصالح ضاوي
مفاهيم متعددة في الطاغوت
 الطاغوت مصطلح استخدمه ابن عبد الوهاب للإشارة به إلى كلّ ما عبد من دون الله: « أن الطاغوت عام في كل ما عبد من دون الله» وهو تعريف فضفاض واسع يقع على مصطلح الشرك أيضا، لأن الشرك عبارة عن عبادة ما دون الله أيضا، ولا ندري بأي وسيلة يمكن التفريق بين الطاغوت والشرك؟؟.
ويركّز الدّعاة والشّيوخ على أهمّيّة الطاغوت، فيدخلونه في التّوحيد، ويجعلون الكفر به أصلا من أصول الدّعوة إلى التّوحيد، وركن من أركان التّوحيد، لا، بل هو مسألة عظيمة وشأن كبير، ولا بدّ من الاهتمام به في الدّعوة الوهابية.
ومعنى الكفر بالطّاغوت في المفهوم الوهابي: أن تكفر بالطّاغوت وأهله وملّته، ويدخل في هذه الدّائرة: كل الحكومات الطّاغوتية والدّول والأحزاب والنّوادي ووسائل الإعلام والكتب والمجالس النيابية والهيئات الرّسمية، والقادة والشّعوب والمفكرون والمحاكم وغير ذلك، لأنّ القائمة غير حصريّة، ويمكن في أي وقت إضافة أسماء أخرى. فيجب الكفر بكل هذا والبراءة منه وبغضه، والخروج عليه، وقتاله باسم الجهاد في سبيل الله.
وللتدليل على أهمّيّة الموضوع، يوصي الدّعاة بتكرار هذه المسألة ليلا نهارا، سرّا وعلانيّة. بل إنهم جعلوا الاهتمام بالكفر بالطّاغوت شرطا لكلّ تيار إسلامي، للانتماء إلى السلفيّة والسّنة والجماعة. فمتى أهمل الكفر بالطّاغوت والبراءة منه وبغضه وقتاله، فإنّه لا وجه له للانتماء إلى السّنة والجماعة، بل قد يصبح أيضا طاغوتا، يؤمر بمحاربته وقتاله.
ويرى هؤلاء الشّيوخ، أنّ الرّسل لم يرسلوا إلاّ لمحاربة الطّاغوت والكفر به، وهي مهمتهم الأولى، وعليه، فإنّ ابن عبد الوهاب، الّذي يسير على هدي الرّسل أجمعين، ارتكز في دعوته، مثله مثل الرّسل، على الكفر بالطّاغوت، والبراءة منه، وجهاده.
ويعتقد الدّعاة، الذين يسيرون على هدي الدّعوة الوهابيّة بكل حماس، أنّ الشيخ ابن عبد الوهاب، ما حورب وأبغض إلاّ لتركيزه على مسألة الكفر بالطّاغوت والبراءة منه وقتاله إن أمكن، فهذا هو السّبب الرئيسي للخلاف مع الشّيخ وبغضه ونقده ومحاربته. 
وخلاصة القول عند ابن عبد الوهاب وجماعته، أنّ الإنسان يمكن أن يقول: لا إله إلا الله، وهو لم يكفر بالطّاغوت ولم يعلن البراءة منه، فوجب قتاله ومحاربته لأنّ توحيده ناقص، ولم يأت بالرّكن العظيم والشّأن الكبير.
هذا ملخص لكلام ابن عبد الوهاب وعقيدته من ألفاظه وألفاظ شراح كتبه، الّذين أخذوا عهدا على أنفسهم أن تكون شروحاتهم بيانا للمقاصد السرّية التي هي في ذهن شيخهم وسيّدهم، اعتمادا على كتابات أخرى للشيخ، وعلى مقتضى مبنى كلامه في الكتاب موضوع النقد (كتاب التّوحيد).
ومن كان عنده علم بالكتب الإسلاميّة قبل ابن عبد الوهاب، النّاطقة بالتّوحيد وشروحاته وأصوله، يعلم أن ابن عبد الوهاب أوّل من أدخل هذا المفهوم: الكفر بالطّاغوت، في التوحيد. بل إنّ المصنف كانت له البادرة الأولى في الحديث عن هذا المصطلح بهذه الكيفية، فهو الأول في التركيز عليه، حسب علمنا، من بدء الخليقة إلى عصره؟؟؟. ولا ندري أي فتح عظيم، هذا الّذي بيّنه الشيخ ابن عبد الوهاب، ليكون الأول في تركيزه على المبدأ العظيم الكبير، قبل كلّ الخلق،، أي قبل الرّسل والأنبياء والصّالحين، وقبل حتى القرآن.
فابن عبد الوهاب المخلوق الوحيد الذي تكلّم في هذا الموضوع بهذا الكمّ الزاخر من الكتابات، وبهذه الكيفية العظيمة من الاهتمام، منذ خلق الله الأرض والسماوات العلى.
ونبدأ بالقرآن لبيان صحّة ادعائنا على ابن عبد الوهاب، ونفتش عن آيات الكفر بالطّاغوت لنرى أي شأن لها في مفهوم التّوحيد؟
نطق القرآن العظيم 8 مرات بكلمة الطّاغوت في 8 آيات، هي:
{لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَي فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لاَ ٱنفِصَامَ لَهَا وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}256 البقرة.
{ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ منَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ منَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَاتِ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}257 البقرة.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً منَ ٱلْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِٱلْجِبْتِ وَٱلطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاءِ أَهْدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً}51 النساء.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوۤاْ إِلَى ٱلطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوۤاْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً}60 النساء.
{ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱلطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوۤاْ أَوْلِيَاءَ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً}76 النساء.
{قُلْ هَلْ أُنَبئُكُمْ بِشَرٍّ من ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ}60 المائدة.
{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُل أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى ٱللَّهُ وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ ٱلضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذبِينَ} 36 النحل.
{وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فَبَشرْ عِبَادِ}17 الزمر.
وأول ما يتبادر إلى ذهن القارئ الرّصين، أن السّور التي وردت بها آيات الكفر بالطاغوت، هي سور مدنيّة، باستثناء الآية الأخيرة من سورة الزّمر فإنها مكيّة.
وأسباب النّزول الواردة في آيات الطّاغوت تذكر أنها نزلت في اليهود وفي بعض الصّحابة الّذين أسلموا قبل الهجرة، من خارج قريش. وإليك مثالين:
المثال الأول: في فتح الباري:
«قوله تعالى (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت) الآية، فروى إسحاق بن راهويه في تفسيره بإسناد صحيح عن الشعبي قال: «كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة، فدعا اليهودي المنافق إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه علم أنه لا يقبل الرشوة، ودعا المنافق اليهودي إلى حكامهم لأنه علم أنهم يأخذونها، فأنزل الله هذه الآيات إلى قوله: (ويسلموا تسليما)» وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد نحوه، وروى الطبري بإسناد صحيح عن ابن عباس«أن حاكم اليهود يومئذ كان أبا برزة الأسلمي قبل أن يسلم ويصحب»، وروى بإسناد صحيح آخر صحيح إلى مجاهد  «أنه كعب بن الأشرف.»
المثال الثاني: في تفسير البحر المحيط:
«قال ابن زيد: نزلت {وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّـٰغُوتَ} في زيد بن عمرو بن نفيل وسلمان وأبي ذر»
وفي تفسير ابن كثير:
«قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه {وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّـٰغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا} نزلت في زيد بن عمرو بن نفيل وأبي ذر وسلمان الفارسي رضي الله تعالى عنهم والصحيح أنها شاملة لهم ولغيرهم ممن اجتنب عبادة الأوثان وأناب إلى عبادة الرحمن فهؤلاء هم الذين لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة.»
وقول ابن كثير: «أنها شاملة لهم ولغيرهم ممن اجتنب عبادة الأوثان وأناب إلى عبادة الرحمن» اجتهاد منه رحمه الله في غير موضعه، لأن زيد بن عمرو بن نفيل اجتنب الأصنام، واجتنب الدين النصراني أيضا على ما كان عليه من التثليث في العقيدة، ومعلوم أن التثليث ليس صنم بل هو اعتقاد شيطاني، فهو أقرب إلى الشيطان منه إلى الأصنام. قال صاحب فتح الباري في مناقب الأنصار:
«هو ابن عم عمر بن الخطاب بن نفيل، وقد تقدم نسبه في ترجمته، وهو والد سعيد بن زيد أحد العشرة؛ وكان ممن طلب التوحيد وخلع الأوثان وجانب الشرك، لكنه مات قبل المبعث، فروى محمد بن سعد والفاكهي من حديث عامر بن ربيعة حليف بني عدي بن كعب قال: ” قال لي زيد بن عمرو: إني خالفت قومي، واتبعت ملة إبراهيم وإسماعيل وما كانا يعبدان، وكانا يصليان إلى هذه القبلة، وأنا أنتظر نبيا من بني إسماعيل يبعث، ولا أراني أدركه، وأنا أومن به وأصدقه وأشهد أنه نبي، وإن طالت بك حياة فأقره مني السلام، قال عامر: فلما أسلمت أعلمت النبي صلى الله عليه وسلم بخبره قال: فرد عليه السلام وترحم عليه، قال: ولقد رأيته في الجنة يسحب ذيولا ..... وروى البزار والطبراني من حديث سعيد بن زيد قال:  «خرج زيد بن عمرو وورقة بن نوفل يطلبان الدين، حتى أتيا الشام، فتنصر ورقة وامتنع زيد، فأتى الموصل فلقي راهبا فعرض عليه النصرانية فامتنع”»
وقد اجتنب أبو ذرّ أيضا الأصنام والأوثان وصلى ثلاث سنين لله قبل إسلامه، ومعروف قصّة إسلام سلمان الفارسي.
ويتضح ممّا سبق أن أسباب النزول لآيات الطاغوت حصرت المعاني في سياق معيّن، ليس إلى توسيعه من سبيل. فلم يطلق الله تعالى اسم الطاغوت على كل الأصنام والأوثان وما يعبد من دون الله كما قال ابن عبد الوهاب، وإنما هناك مفهوم خاصّ يختلف عن الأصنام وعن الأوثان.
التفاسير ذكرت عدّة معاني للطاغوت، لنأخذ مثالا من ابن كثير الّذي يفسّر الطاغوت تفسيرا فضفاضا مثل ابن عبد الوهاب. يقول ابن كثير في تفسيره للآية 256 من سورة البقرة:
« أي من خلع الأنداد والأوثان، وما يدعو إليه الشيطان من عبادة كل ما يعبد من دون الله»
   ثم يورد ابن كثير قولة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فيقول:
«قال عمر رضي الله عنه: إن الجبت السحر، والطاغوت الشيطان»
ثم يستخلص من هذا كلّه، ما يلي:
« ومعنى قوله في الطّاغوت: إنّه الشيطان، قويّ جداً، فإنّه يشمل كل شرّ كان عليه أهل الجاهليّة من عبادة الأوثان والتحاكم إليها، والاستنصار بها»
الرّازي بعد أن ذكر التعريف اللّغوي للطّاغوت قال:
«إذا عرفت هذا فنقول: ذكر المفسرون فيه خمسة أقوال: 
الأول: قال عمر ومجاهد وقتادة هو الشيطان. 
الثاني: قال سعيد بن جبير: الكاهن. 
الثالث: قال أبو العالية: هو الساحر. 
الرابع: قال بعضهم الأصنام. 
الخامس: أنه مردة الجن والإنس وكل ما يطغى. 
والتحقيق أنّه لما حصل الطغيان عند الاتصال بهذه الأشياء جعلت هذه الأشياء أسباباً للطّغيان كما في قوله {رَبّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ ٱلنَّاسِ} (إبراهيم: 36).»
أمّا في تفسير البحر المحيط، فقد جمع كلّ التفاسير التي قيلت في الطاغوت، فقال في تفسير الآية 51 من سورة النساء: 
«والجبت والطّاغوت صنمان كانا لقريش قاله: عكرمة وغيره. أو الجبت هنا حيي، والطاغوت كعب، قاله: ابن عباس أيضاً. أو الجبت السّحر، والطّاغوت الشّيطان، قاله: مجاهد، والشّعبي وروى عن عمر والجبت السّاحر، والطّاغوت الشيطان قاله: زيد بن أسلم. أو الجبت السّاحر، والطّاغوت الكاهن، قاله: رفيع وابن جبير. أو الجبت الكاهن، والطّاغوت الشّيطان، قاله: ابن جبير أيضاً. أو الجبت الكاهن، والطّاغوت الساحر، قاله: ابن سيرين. أو الجبت الشّيطان، والطاغوت الكاهن قاله: قتادة. أو الجبت كعب، والطّاغوت الشّيطان كان في صورة انسان، أو الجبت الأصنام وكل ما عبد من دون الله، والطّاغوت الشّيطان قاله: الزمخشري. أو الجبت والطّاغوت كل معبود من دون الله من حجر، أو صورة، أو شيطان قاله: الزجاج، وابن قتيبة.
وأورد بعض المفسرين الخلاف مفرقاً فقال: الجبت السّحر قاله: عمر، ومجاهد، والشعبي. أو الأصنام رواه عطية عن ابن عباس، وبه قال الضحاك، والفراء، أو كعب بن الأشرف. رواه الضحاك، عن ابن عباس. وليث، عن مجاهد. أو الكاهن روى عن ابن عباس، وبه قال: مكحول، وابن سيرين. أو الشيطان قاله: ابن جبير في رواية، وقتادة والسدى أو الساحر قاله: أبو العالية وابن زيد. وروى أبو بشر عن ابن جبير قال: الجبت السّاحر بلسان الحبشة، وأما الطّاغوت فالشّيطان قاله: عمر، ومجاهد في رواية الشعبي وابن زيد. أو المترجمون بين يدى الأصنام رواه العوفى عن ابن عباس، أو كعب، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس وبه قال: الضحاك، والفرّاء. أو الكاهن قاله عكرمة أو الساحر، روى عن ابن عباس، وابن سيرين، ومكحول، أو كل ما عبد من دون الله قاله: مالك. وقال قوم: الجبت والطاغوت مترادفان على معنى واحد، والجمهور وأقوال المفسرين على خلاف ذلك، وأنهما اثنان»
ونستخلص من كلّ التفاسير المذكورة أعلاه ما يلي:
أولا: أن تعريف الطّاغوت بأنّه كل ما عبد من دون الله، مثل تعريف الوهابيين، قال به المتأخرون، من فترة ما بعد السّلف، أي بعد القرون الثلاثة الأولى، وهو اجتهاد منهم. « الجبت والطّاغوت كل معبود من دون الله من حجر، أو صورة، أو شيطان قاله: الزجاج، وابن قتيبة.»
ثانيا: نسب إلى الإمام مالك تعريف مثل تعريف ابن عبد الوهاب، وهو: « كل ما عبد من دون الله قاله: مالك» وهذا التعريف يخالف كلّ السّادة المفسّرين الأوائل من الصّحابة والتاّبعين، وهم أهل التّفسير والتّأويل، مثل عمر وابن عباس، وابن جبير وعكرمة وقتادة وزيد بن أسلم ومجاهد والشعبي ومكحول وابن سيرين وأبي العالية والضحاك ورفيع وعطية والفراء.
ثالثا: تفسير ابن عبد الوهاب أقرب ما يكون تفسيرا لغويّا وليس اصطلاحيا، ودليله، ما ذكره النّووي في كتاب الإيمان باب معرفة طريق الرؤية:
« قال اللّيث وأبو عبيدة والكسائي وجماهير أهل اللغة: الطّاغوت كل ما عبد من دون الله تعالى.»
فهل يترك تفسير هؤلاء ويؤخذ بتفسير الزّمخشري وابن قتيبة والزّجاج، وتفسير ينسب إلى مالك، وآخر لغويّ؟؟
وحتى هذا التفسير المخالف للسّلف لا يرتقي إلى تعريف ابن عبد الوهاب، لأنهم يقصدون بكل ما عبد من دون الله: فرعون وأمثاله،  كما فسّر صاحب البحر المحيط في تفسيره لآية البقرة:
«ما عبد من دون الله ممن يرضى ذلك: كفرعون، ونمروذ، قاله الطبري.»
فإذا كان ابن عبد الوهاب يؤكّد أنه من أتباع السّلف الصّالح، ومن أهل إجماعهم، فكيف يترك التّفاسير التي تؤكّد أنّ الطّاغوت مصطلح دلّ على بعض اليهود الشّياطين الكهنة السّحرة، ويؤخذ بالتّفسير الفضفاض الّذي ليس له تأصيل أو رواية صحيحة؟؟.
حتى ابن كثير، أستاذ ابن عبد الوهاب، بعد أن ذكر تفسيره الخاصّ الفضفاض، رجع إلى قول عمر.
وعندما ترجع إلى التفاسير القرآنية تجد شبه إجماع على أنّ كلمة الطّاغوت ليست عربيّة، بل هي عبرانيّة أو حبشيّة، وأنّ القرآن استعملها للدّلالة على نوع من الشّرك الواقع في اليهود أساسا، وهو السّحرة والكهنة الّذين يسخّرون الشّياطين للتّسلط على رقاب النّاس وقلوبهم، بدعوى الدّين، فيصبح لهم سلطان معنويّ على النّاس بفعل السّحر والكهانة، فيطيعهم النّاس، أو اولئك الّذين يقرنون عبادتهم بعبادة الإله، ويجعلونهم الناطقين الرسميين باسم الأصنام، التي هي آلهة عندهم. وهم المترجمون بين يدي الأصنام.
هذا النوع من العباد هم الّذين سماهم القرآن: طاغوت، فاستعمل الكلمة الأجنبيّة الدّالة عليهم، وهي لها شبه اشتقاق في العربية لمن قال من النحويين أنها مشتقة من فعل: طغى ومن الطغيان.
فالطاغوت بهذا المفهوم القرآني، ليس الشيطان فقط، وليس السّاحر فقط، وليس الصّنم فقط، وإنّما هو مزيج من هذه الأسماء الثلاثة، في شخص واحد: السّاحر الشّيطاني الخادم للصّنم، الآمر النّاس بطاعته وعبادته.
خذ تفاسير ابن عباس الواردة في مصطلح الطّاغوت، وهو ترجمان القرآن، فقد عبر عن الطّاغوت، باليهودي كعب بن الأشرف، وبالأصنام، وبالمترجمين بين يدي الأصنام، وبالساحر. 
عندما تمزج هذه المعاني كلّها تجد معنى الطّاغوت، وهو ما استخلصناه آنفا.
عندما احتار ابن عبد الوهاب في تعريف الطّاغوت، صيّره إلى كل ما عبد من دون الله، وهو مفهوم واسع يقع على الصّنم وعلى الشّياطين، والحيوانات، وحتى على الكواكب، فهل الكوكب طاغوت؟؟ وهل البقرة طاغوت؟؟ ألم يعلم ابن عبد الوهاب أن البقر بريء من عبادة الهنود له؟؟ هل البقر مذنب بعبادة الهنود له، وبالتالي يجب الكفر به وقتاله؟؟. ألا يعلم ابن عبد الوهاب أن الكوكب بريء من عبادة النّاس له؟ وأنّه يسبح لله مثله مثل الملائكة؟؟ فهل الكواكب المعبودة طواغيت يجب محاربتها؟؟.
ما يريدنا ابن عبد الوهاب أن نؤمن به، هو ما سبق وأن قال مثله الطبري في رواية عن ابن حجر في الفتح، قال:
«وقال الطبري: الصواب عندي أنه كل طاغ طغى على الله يعبد من دونه، إما بقهر منه لمن عبد، وإما بطاعة ممن عبد، إنسانا كان أو شيطانا أو حيوانا أو جمادا»
ولما كان كلام الطبري مناف للعقل والنقل، قال ابن حجر في فتح الباري:
«ووقع في حديث أبي سعيد الآتي في التوحيد «فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم، وأصحاب كل الأوثان مع أوثانهم، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم» وفيه إشارة إلى أن كل من كان يعبد الشيطان ونحوه ممن يرضى بذلك أو الجماد والحيوان دالون في ذلك، وأما من كان يعبد من لا يرضى بذلك كالملائكة والمسيح فلا»
والغريب أن أول كلمة طاغوت نزلت في القرآن كانت في آخر الفترة المكّية، وهذا يعني أن المسلمين عبدوا الله تعالى لأكثر من عقد من الزّمن ولم يعرفوا الطّاغوت ولا أمروا بأن يكفروا به ولا كان شرطا في توحيدهم. فهل يعني هذا أن إسلام السيدة خديجة كان ناقصا، وهي التي لم تعرف هذا المصطلح طيلة حياتها؟؟
وهنا نصل إلى نقطة حاسمة، وهي: أنّ القرآن تكلّم ثمان مرات بكلمة طاغوت، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، كم تكلّم بهذا المصطلح من مرّة؟؟.
فتشنا في حديث رسول الله فلم نجد إلا ثلاث إشارات فقط حول مصطلح: طاغوت. جاء في في فتح الباري: باب لَا يُحْلَفُ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى وَلَا بِالطَّوَاغِيت، ما يلي:
«قوله (باب لا يحلف باللاّت والعزّى ولا بالطّواغيت) أمّا الحلف باللات والعزّى فذكر في حديث الباب وقد تقدّم تفسيره في تفسير سورة النّجم، وأما الطّواغيت فوقع في حديث أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه من طريق هشام بن حسان عن الحسن البصري عن عبد الرحمن بن سمرة مرفوعا «لا تحلفوا بالطّواغيت ولا بآبائكم» وفي رواية مسلم وابن ماجه «بالطواغي» وهو جمع طاغية والمراد الصّنم، ومنه الحديث الآخر «طاغية دوس» أي صنمهم، سمّى باسم المصدر لطغيان الكفّار بعبادته لكونه السّبب في طغيانهم، وكل من جاوز الحدّ في تعظيم أو غيره فقد طغى، ومنه قوله تعالى (إنا لمّا طغى الماء).»
وفي سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب في بناء المساجد:
« (450) ــ حدثنا رَجَاءُ بنُ المُرَجَّى حدثنا أَبُو هَمَّامٍ الدَّلاَّلُ مُحمَّدُ بنُ مُحْبَّبٍ حدثنا سَعِيْدُ بنُ السَّائِبِ عن مُحمَّدِ بنِ عَبْدِ الله بنِ عِيَاضٍ عن عُثْمانَ بنِ أَبي الْعَاصِ ، رَضِيَ الله عَنْهُ «أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَسْجِدَ الطَّائِفِ حَيْثُ كَانَ طَوَاغِيتُهُمْ».»
وشرح هذا الحديث في كتاب عون المعبود، يقول:
«(حيث كان طواغيتهم): هي جمع طاغوت وهو بيت الصّنم الذي كانوا يتعبّدون فيه لله تعالى ويتقرّبون إليه بالأصنام على زعمهم. وعثمان بن أبي العاص المذكور هو الثقفي أمره النّبي صلى الله عليه وسلم بذلك حين استعمله على الطائف.
والحديث يدل على جواز جعل الكنائس والبيع وأمكنة الأصنام مساجد، وكذلك فعل كثير من الصحابة حين فتحوا البلاد جعلوا متعبّداتهم متعبّدات للمسلمين وغيروا محاريبها. وإنما صنع هذا لانتهاك الكفر وإيذاء الكفّار حيث عبدوا غير الله هنا.»
سيصاب ابن عبد الوهاب بالذهول إذا علم هذا الكلام، لأنّه أفهمنا أنّ الكفر بالطّاغوت عبارة ودعوة دعاها كلّ الرّسل وعلى رأسهم محمّد بن عبد الله، وهي دعوة ليلا ونهارا وسرّا وعلانيّة، وهي المسألة العظيمة والشّأن الكبير، وأنّ التّوحيد لا يصحّ إلا بها، وأنّها الرّكن العظيم وأنّها... وإذا به نفاجئه بعدد المرّات التي تكلّم فيها رسول الله بهذا المصطلح: ثلاث مرّات فقط طيلة حياته؟؟.  
وحتى ما ذكره الرّسول عليه الصّلاة والسّلام من تجنّب الحلف بالطّواغيت، لا يرتقي إلى مصاف الرّكن العظيم للتّوحيد والمسألة الكبيرة كما قال ابن عبد الوهاب. قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري:
«قال جمهور العلماء: من حلف باللاّت والعزى أو غيرهما من الأصنام أو قال إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني أو بريء من الإسلام أو من النبي صلى الله عليه وسلم لم تنعقد يمينه وعليه أن يستغفر الله ولا كفارة عليه ويستحبّ أن يقول لا إله إلا الله»
فلا قتل ولا محاربة ولا تكفير ولا اتهام بالشّرك ونفي التّوحيد وجعله طاغوتا، كل هذا في تقديرنا من الأوهام.
طيّب، لعلّ ابن عبد الوهاب لا يكتفي بعدد التكرارات لكلمة الطّاغوت في القرآن وهي ثمانية، وعدد التّكرار في السّنة وهي: ثلاثة، فلنفتش عن استعمالات الكلمة عند الصّحابة.
لم نجد في كلام الصّحابة استعمالا لكلمة طاغوت إلاّ في قصّة واحدة نرويها من تهذيب الكمال، قال:
« جُنْدُب الخَيْر الأزْدِي الغَامِدِي قَاتِلُ السَّاحِر، يُكْنَى أبَا عَبْدِ اللَّه، لَهُ صُحْبَة ، .......روى عن: النبي (ت): «حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بالسَّيْفِ»، وعن سَلْمان الفارسيّ، وعليّ بن أبـي طالب.
وقال البخاري: جندب بن كعب قاتل الساحر.
وقال الأعمش، عن إبراهيم، أراه عن عبد الرحمن بن يزيد: أن جندب قَتَل السَّاحر زمن الوليد بن عُقْبَة.
عن محمد بن مِخْنَف، قال: كان أول عُمَّال عُثمان أحدثَ منكراً، الوليد بن عقبة كان يُدني السَّحَرَة، ويشرب الخَمْر، وكان يجالسه على شرابه أبو زُبَـيد الطَّائي، وكان نصرانياً، وكان صَفِيّاً له، فأنزله دار القِبْطِيّ، وكانت لعُثمان بن عفان اشتراها من عَقِيل بن أبـي طالب وكانت لأضيافه، وكان يُجالس أيضاً على شَرَابه عبد الرحمن بن حُبَـيش الأسدي، وكان النّاس يتذاكرون شُربهم وإسْرافَهم على أنفُسِهم، فخرج بُكَيْر بن حمران الأحُمَرِيُّ من القصر، فأتى النعمان بن أوْس المُزَني، وجرير بن عبد الله البجلي، فأسَرَّ إليهما أن الوليد يشرب السَّاعة، فقاما ومعهما رجل من جُلسائهما فمروا بحُذَيفة بن اليمان، فأخبروه الخَبَرَ، فقال: ادخلا عليه، فانظرا إن أحببتما، فمضيا حتى دخلا عليه، فسَلَّما، ونظرَ إليهما الوليدُ، فأخذ كل شيء كان بـين يديه، فأدخله تحت السرير، فأقبلا حتى جلسا، فقال لهما: ما جاء بكما، قالا: ما هذا الذي تحتَ السَّرير، ولم يريا بـين يديه شيئاً، فأدخلا أيديهما تحت السَّرير، فإذا هو طبق عليه قطف من عنب قد أكل عامته فاستحيـيا، وقاما، فأخذا يظهران عذره ويردان الناس عنه، ثم لم يرعهما من الوليد إلا وقد أخرجَ سريره فوضعه في صحن المسجد، وجاء ساحرٌ يُدعى بطروني ـ وكان ابنُ الكَلْبـي يسميه البُشْتانيّ ـ من أهل بابل، فاجتمع إليه الناسُ، فأخذَ يريهم الأعاجيب، يريهم حَبْلاً في المسجد مستطيلاً، وعليه فِيْل يمشي وناقة تَخُبُّ وفرس يركض، والناس يتعجبون ممّا يرون، ثم يدع ذلك ويريهم حماراً يجيء يشتّد حتى يدخل من فيه، فيخرج من دُبُره ثم يعود فيدخل من دُبُره فيخرج من فيه، ثم يُريهم رَجُلاً قائماً ثم يضرب عُنُقَهُ فيقع رأسُهُ جانباً، ويقع الجسد جانباً ثم يقول له: قم فيرونه وقد عادَ حيّاً كما كان، فرأى جُنْدُب بن كعب ذلك، فخرج إلى مَعْقل مولى لصَقْع بن زُهير بن أنس الأزْدي وكانت عنده سيوف، وكان معقل صَيْقَلاً، فقال: أعطني سيفاً قاطِعاً، فأعطاه إياه، فأقبل، فمر على معضد التَّيْمِيّ من بني تَيْم الله من ثعلبة، فقال له: أين تريد يا أبا عبد الله؟ قال: أريد أن أقتل هذا الطَّاغوت الذي الناسُ عليه عكُوفٌ، قال: مَن تعني؟ قال: هذا العِلْج السَّاحر الذي سَحَرَ أميرَنا الفاجر العَاتي، فإني والله لقد مثلت الرأي فيهما فظننت أني إن قتلت الأمير سيوقع بـيننا فُرقة تورِث عداوة، فأجمَعَ رأيـي على قتل الساحر. قال: فاقتله ولا تَكُ في شَكَ فأنت على هُدَى، وأنا شريكك. فجاء حتى انتهى إلى المسجد والناس فيه مجتمعون على السَّاحر، وقد التحف على السَّيْف بمُطْرَفٍ كان عليه، فدخل بـين النَّاس، فقال: أفْرجوا، أفرجوا، فأفرجوا له، (فدنا) من العِلْج فشَدَّ عليه فضربَه بالسَّيْف، فأذْرَى رأسه، ثم قال أحي نفسك،»
فانظر، رحمك الله كيف وصف جندب السّاحر الفاجر بقوله: طاغوت، لأنه تسلّط على الناس بسحره وشيطنته، وجعلهم تحت طاعته قلبيا على الأقل، وهذا هو معنى الطاغوت.
فأين هذا من ترهات من يظن أن كلّ الدنيا أصبحت طاغوتا؟؟. وأين هذا من إضفاء العظمة على الكفر بالطّاغوت، حتى جعله دينا وطريقة وهديا ومثالا وركنا وأصلا من أصول التّوحيد والدّعوة إليه؟؟. 
وأين هذا من جعل الكفر بالطّاغوت الشّغل الشّاغل للدّعاة والعلماء ليلا نهارا، وسرّا وعلانيّة؟؟. 
نعم، القرآن ذكر الطّاغوت وأمر بالكفر به، ولكن ليس على الطريقة الوهابيّة. قال صاحب البحر المحيط في تفسيره للآية: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّـٰغُوتِ وَيُؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ}:
« قال ابن عطية: وقدّم ذكر الكفر بالطاغوت على الإيمان بالله ليظهر الاهتمام بوجوب الكفر بالطاغوت. إنتهى. 
وناسب ذلك أيضاً اتصاله بلفط الغيّ، ولأن الكفر بالطاغوت متقدّم على الإيمان بالله، لأن الكفر بها هو رفضها، ورفض عبادتها، ولم يكتف بالجملة الأولى لأنها لا تستلزم الجملة الثانية، إذ قد يرفض عبادتها ولا يؤمن بالله، لكن الإيمان يستلزم الكفر بالطاغوت، ولكنه نبّه بذكر الكفر بالطّاغوت على الانسلاخ بالكلية، مما كان مشتبهاً به، سابقاً له قبل الإيمان، لأن في النصيّة عليه مزيد تأكيد على تركه.»
فواضح أن الكفر بالطّاغوت متقدّم على الإيمان بالله، وليس جزء منه وركن عظيم كما يقول ابن عبد الوهاب. والإشكال في الآيتين: 
{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُل أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى ٱللَّهُ وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ ٱلضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذبِينَ} 36 النحل.
{وَٱلَّذِينَ ٱجْتَنَبُواْ ٱلطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فَبَشرْ عِبَادِ}17 الزمر.
في الحقيقة الإشكال في ذهن ابن عبد الوهاب الّذي يرى أن «اعبدوا الله» مرادفة لمعنى التّوحيد، وأن «واجتنبوا الطّاغوت» مسألة مستقلّة عن التّوحيد تارة، فيكون الإنسان موحّدا ولكنّه لا يكفر بالطّاغوت؟؟؟ وتارة أخرى يكون ركنا من أركان التّوحيد أي داخلا فيه. 
وهذا التناقض والاختلاط الّذي وقع فيه ابن عبد الوهاب سببه اجتهاده وتأويله لمعاني العبادة واجتناب الطّاغوت. والأصل أنّ اجتناب الطّاغوت في آية النّحل: هو الشيطان، وما يصوّره من عقائد فاسدة، والطّاغوت في آية الزمر عقائد الشّرك والبدع.
قال الرازي في تفسير آية النحل:
«المسألة الرابعة: في الطّاغوت قولان: أحدهما: أنّ المراد به: اجتنبوا عبادة ما تعبدون من دون الله، فسمّى الكلّ طاغوتاً، ولا يمتنع أن يكون المراد: اجتنبوا طاعة الشّيطان في دعائه لكم»
فالكفر بالطّاغوت يأتي ذكره لبيان معاني التّوحيد الكامل، واستمرار العداوة بيننا وبين الشّيطان، والكفر بكل ما يسوّله لنا من انحراف عقدي.
فليس في الكفر بالطّاغوت، الوارد في القرآن والسنة وسيرة السّلف الصالح، ما يؤدي إلى فهم ابن عبد الوهاب وادعاءاته.
بل إن مصطلح الطّاغوت غير مستعمل بتاتا في معجم الألفاظ الدينيّة عند السّادة الصّالحين والأولياء من السّلف إلى وقت ابن عبد الوهاب.
لقد أحصينا في عمل مستقل عن هذا، حوالي 1300 مصطلح من مصطلحات الحكمة والتعريفات الدينيّة، جمعنا حولها أقوالا وتعريفات وحكم في أكثر من 800 صفحة، من مجموعة من المراجع الدينيّة، لم نتعرض إلى هذا المصطلح، ولم نر أيّ واحد من السّادة الأولياء العلماء من استعمل هذا اللّفظ في كلامه، وروي عنه قولة في مصطلح الطّاغوت.
لقد شكّكنا في وجود نيّة مبيّتة في توسيع مفهوم الطّاغوت إلى كل ما يعبد من دون الله، وتوسيع مفهوم العبادة، وربطها بالتّوحيد، حتى يمكن في أي لحظة اتهام الآخر المخالف لهم في التّأويل، بالشّرك والطّاغوت والكفر، وبالتالي محاربته. إنّه إعلان حرب شعواء شاملة على كلّ الحضارة الإنسانيّة، عبادا وعتادا، ثقافة ومادّة وعلما ومنتوجا، ،، حربا على كلّ من لم يتبنّ تأويل ابن عبد الوهاب، حربا على كلّ من لم يقرّ باجتهاد ابن عبد الوهاب، حربا على كلّ من لم يتوهّم وهم ابن عبد الوهاب.
متى فعل الرسول عليه السلام ما فعله ابن عبد الوهاب؟؟.
هل هناك في السيرة ما قام به ابن عبد الوهاب؟؟
كيف يعقل أن نأتي بمصطلح قرآني له سياقه المعرفي والتاريخي ونسقطه على المسلمين، والحال أنّه يخصّ المنافقين واليهود والمشركين؟؟.
هل كان رسول الله يتكلّم ليلا نهارا وسرّا وعلانيّة عن الطّاغوت؟؟. 
ثم يستغرب الدّعاة كيف يبغض الشّيخ ابن عبد الوهاب ويحارب بعد هذه العقيدة؟؟ بعد أن كفر كلّ المسلمين؟؟. لله الأمر من قبل ومن بعد.
وللحديث بقية......
-------
-  كاتب وصحفي 
dhaoui66@gmail.com