إن القارئ الجيد لمســـار التاريــــخ البشري يــدرك أن ما حدث فــي تونس أمر متوقّع، دون أن يعــــرف بالضـــرورة شكلـــه وتوقيتـــه. وما حدث يوم 17 ديسمبر 2010 هو تحرّك احتجاجيّ عفويّ غذته سنوات من الشعور بالظلم، تحوّل بفضل بعض وسائل الإعلام الأجنبية وبفضل شبكات التواصل الاجتماعي إلى حراك ثوريّ متنام وتضامن بين الجهات والمناطق في البلاد، لكن الانتبــاه إلى فكرة «الثورة» بمفهوم التغيير الجذري لم يتّضح إلا بصفة متأخــــرة، أي بعد أيام من مغادرة بن علي البلد، عندما بدأت اعتصامات القصبة تطالب بإسقاط النظــــام وبمجلس تأسيسي. قد تكون هناك جهات أجنبية نهضت بـــدور حاسم فــــي إخراج بن علــــي من البـــلاد، لكن المرء لا يستطيع أن ينكر دور الشعب في إشعال الثورة والسير بها نحو النجاح في إسقاط النظام.
قد يكون من المبالغة أن نسمي ما حدث في تونس بين هذين اليومين «ثورة»، لكن الأيام ستثبت أنها ثورة من بنات زمنها، هي ثورة القرن الحادي والعشرين التي لا تقوم بالضرورة على سفك الدماء وسحل في الشوارع، بل على مسار طويل مضنٍ من إعادة التثقيف سعيا إلى بلوغ مرحلة استقرار ديموقراطيّ.
|