تأثير السّياسة المتّسع مداه إلى مختلف مجالات الحياة، جعل التّفكير فيها وبهذه الخصيصة، أمرا بالغ الصّعوبة والتّعقيد لمن سعى للإحاطة بأفكارها وممارساتها، إلّا أنَّ عبد الرحمن الكواكبي، استطاع أن يبدع ويتميّز في تفكيك واحد من أهم مفاهيمها ألا وهو مفهوم الاستبداد وثقافته، وذلك من خلال مؤلّفه الصغير حجما، العظيم فائدة، الموسوم بـ «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد». فالاستبداد لغة عند الكواكبي «هو غرور المرء برأيه والأنَفَةُ عن قبول النّصيحة، أو الاستقلال في الرّأي وفي الحقوق المشتركة، وفي اصطلاح السّياسيين هو: تصرّف فرد أو جمع في حقوق قوم بالمشيئة وبلا خوف تبعة. وقد تطرأ مزايدات على هذا المعنى الاصطلاحي، فيستعملون في مقام كلمة استبداد كلمات: استعباد، واعتساف، وتسلّط، وتحكّم»(1) .
|