إنّ الصّوفية الذين جعلوا من التّصوّف طريقا ومسلكا ومعراجا روحانيّا ونورانيّا يوصلهم إلى القرب من الله والأنس به وحده فقط، يمن الله عليهم فيهبهم من لدنه أنواعا من المعارف لا تحصل و«لا تُعرف عن طريق العقل والنظر بقدر ما تفهم عن طريق الذوق والكشف»(1). وما يلقى ذلك ولا يناله إلاّ من جاهد نفسه، وعمل على تخليتها وتحليتها وتزكيتها بكلّ أنواع الطّاعات والقربات، إذ كلّما ارتقى الصّوفي في مدارج ومراقي المقامات، فتح الله تعالى عليه كنوز العلم وأسرار المعرفة، فيعلم أكثر، ويفقه أكثر، ويصدق أكثر، وتحصل له الخشية أكثر، فتكون النّتيجة «انتقاله من النّظر إلى الذّوق، ومن البصر إلى البصيرة، ومن العلم إلى المعرفة. فلا تعارض ولا تناقض، وإنّما فهم أوسع، وفكر أشمل، ورأي أصوب، وطريق أكمل»(2). فتصفو النّفس وترقّ وتشفّ، فتذوق وتكاشف وتشاهد وتتحقّق، فتختصّ بالإلهامات وفيوضات وأسرار وأنوار المعرفة التي تتجاذبها المكاشفة والشّوق، وتمتزج بها المشاهدة والإلهام بالتّحقق فتعطيها خصائص تجعلها متميّزة ومتفرّدة عن غيرها من المعارف التي تحصل لغير المتصوّفة. سنتطرق في هذا المقال إلى خمس من هذه الخاصّيات ونؤجّل الحديث عن خاصّيتين أخريَين في المقال القادم إن شاء الله.
|