نتيجة لما خلّفته الحربان العالميتان من دمار وخراب، عمل المجتمع الدّولي على إنشاء منظّمة عالميّة قائمة على أساس تعاقدي، أوكل لمجلس الأمن فيها مهمّة العمل على حفظ السّلم والأمن الدّوليين، ولتحقيق ذلك، أفرد ميثاق الأمم المتّحدة لهذا الأخير سلطة واسعة في تكييف وتقدير كلّ ما من شأنه تهديد السّلم الدّولي أو الإخلال به، على أنّ المتفحّص للميثاق لا يجد أدنى تحديد لمفهوم السّلم والأمن الدولي، على الرّغم من أنّ هذين المبدأين يعدّان من بين المبادئ الأساسيّة التي نصّ الميثاق على ضرورة تحقيقها، ولعلّ هذا ما كان أيضا في الحالة النّقيضة لهما، ونقصد بذلك حالات تهديد السّلم أو الإخلال به، أو وقوع عمل عدوان. فهذه المصطلحات لم يتناولها الميثاق بالشّرح والتّفصيل، فاسحا المجال واسعا أمام مجلس الأمن لتقدير كلّ حالة من هذه الحالات على حِدَةٍ مع غياب معيار ملزم لمجلس الأمن في تقدير ذلك، ولعلّ تفسير ذلك يكمن في أنّ واضعي الميثاق قد قصدوا وضع معيار مرن وفضفاض لا يقيّد من صلاحيّة مجلس الأمن في القيام بعملية التكييف جهة، وإتاحة وتمكين مجلس الأمن من مسايرة التّطورات والتّهديدات الجديدة التي يكون السّلم والأمن الدّولي عرضة لها من جهة ثانية .
|