البشير ذياب |
التربية والثقافة والإعلام... وتنقية الحوض الآسن : 116 - 2017/03/02 |
أولى مسالك تغيير النّفس هي مداخلها، ولا يمكن أن نؤثّر في النّفس البشريّة ما لم نحسن الولوج إليها من أبوابها، وهي السّمع والبصر والفؤاد، وهي وسائل الشّعور والإدراك، وهي المستهدفة الأولى بوسائل القصف الرّقمي الموجّه في ثقافة العولمة، عبر وسائل الإعلام والاتّصال بأنواعها المختلفة مقروءة ومسموعة ومرئيّة، والغريب ليس أن تستهدفنا ثقافة العولمة، بل الغريب هو أنّنا نخرّب كياناتنا ذاتيّا، وذلك من خلال برامجنا التّربوية بمستوياتها المختلفة، ثمّ بوسائلنا السّمعية البصريّة بأنواعها المختلفة، ظنّا ممّن أشرفوا على سياسة هذه القطاعات وصياغة برامجها أنّ هويّة الشّعب التونسي هي الكابح الوحيد لإنطلاقته الفعليّة في بناء ثورة علميّة وإقتصاديّة، ستبهر العالم، كما كان يروّج وقتها، ولا يزال بعض رعاة هذه التّجربة المدمّرة يروّجون لها إلى اليوم ويريدون إحياءها من جديد وبكلّ صفاقة رغم أنّ الأرقام تتحدّث عن نفسها، فنحن لسنا في تقهقر مستمر من النّاحية العلميّة والإقتصاديّة فقط، بل أصبحنا نتصدّر قائمات العالم العربي والإسلامي في التّدهور القيمي والأخلاقي وما أقوله موثّق بالأرقام، إلاّ إذا أصبح الإنجاب خارج إطار الزّواج، والطّلاق، والزّواج المثلي وتعاطي المخدّرات داخل المؤسّسات التّربوية وغيرها من المسقطات الأخلاقيّة لا يعدّ من مقومات التّدهور في مجتمع الحداثة، وقد يكون كذلك عند رعاة الفكر والثّقافة اليوم، ما دام رموز هذه الفئات الشاذّة أصبحوا يقدّمون في الفضائيات ودور السّينما على أنّهم نماذج للنّجاح والتفرّد والتميّز في المجتمع، بل وأصبحت تخصّص لزيارتهم لمؤسساتنا التّربوية تغطية إعلاميّة تليق بمقامهم، وتكرّس نموذجهم التّدميري لدى النّاشئة. |
اقرأ المزيد |
العرب والسياسة ...تأهيل غرف القيادة. : 106 - 2016/05/05 |
ياسي التاريخي تعاني من تشوّهات في تعريف مفاهيم مصطلحات السّلطة والدّولة والمواطنين والرّعايا والحقوق والواجبات...، هذه المفاهيم السّياسية والإجتماعيّة والفكريّة لا يمكن أن تترسّخ من تلقاء نفسها لدى العامّة، أو بمبادرات فرديّة أو جمعياتيّة، وإنّما يفترض أن تكون النّخب السّياسية والفكريّة والثقافيّة هي القاطرة لأيّ حركة حضاريّة إجتماعيّة لأنّ المجتمعات لا ترتقي حضاريّا من تلقاء أنفسها، وإنّما يكون رقيّها بقيادة نخبها، لذلك نجد التّاريخ العربي حافلا بتدجين وهرسلة النّخب من المفكرين والمبدعين من غير المؤمنين بقداسة السّلطة. |
اقرأ المزيد |
العرب والسياسة ... وعقدة إنتقال السلطة : 105 - 2016/04/07 |
ما تعرضت له المجتمعات العربية عموما من هرسلة من ناحية حقوق المواطنة منذ موقعة الجمل إلى موقعة شارع بورقيبة لا يمكن أن يمرّ دون أن يترك عاهات وتشوهات مزمنة من النّواحي الثقافية والسّياسية والفكرية... ولا يمكن أن نأسّس لمجتمع سليم وأعني بسليم قادر على إستيعاب الحضارة الحديثة ولا أقول الغربيّة بجانبيها المادّي والمعنوي دون أن نخضعه لمراحل متعاقبة من التّأهيل النّفسي والفكري تخلّصه من الآثار المباشرة لهذه المحرقة النّفسية السّياسية لأربعة عشر قرنا من الزّمن. لذلك فإنّ الأحزاب السّياسية التي تتوق لبناء مستقبل حقيقي لأي دولة عربية عليها أوّلا أن تكون هي ذاتها في كوادرها السّياسية قد تخلّصت من هذه العاهة، أي أنّنا اليوم بحاجة لقادة فكر سياسي ينتجون المنوال السياسي لا طبقة مستهلكة للمثلّجات السّياسية المستوردة غربا وشرقا، لذلك فإنّ المراجعات بالنسبة للأحزاب السّياسية هي أمر ضروري ولكن المراجعات التي لا تأخذ في الإعتبار المواريث السّياسية والاجتماعية والفكريّة التي سحقت المجتمع فإنّها تظلّ مراجعات قاصرة ولا يمكن أن ننتظر منها حلولا جدّية يمكن أن تحقّق قفزة نوعية في المستقبل. |
اقرأ المزيد |
العرب والسلطة ...والمحرقة النفسية : 104 - 2016/03/17 |
هل نحن فعلا بحاجة كي نجلس إلى ذواتنا ونسأل أنفسنا بعض الأسئلة ونجيب عنها أنفسنا بأنفسنا في صمت لأنّنا، وأعني العرب عموما، نخجل من الأسئلة المباشرة كما نخجل من الأجوبة المباشرة، لأنّ طبيعتنا الجينيّة العربيّة والبربريّة لها بعد عنف معنوي يميّزها عن بقية الذّوات الكونيّة، لذلك تجد أنّ ألفاظ المجاملة عندنا معدومة وإن وجدت تجدها جافّة فاقدة للرّوح. |
اقرأ المزيد |
عمر إبن الخطاب وآليات إنتقال السلطة : 103 - 2016/03/03 |
« التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار، وفي باطنه نظر وتحقيق»، هكذا قال إبن خلدون، فهل مازال العرب والمسلمون عموما في مرحلة الإخبار عند قرائتهم للتّاريخ، أم أنّهم نظروا وحقّقوا فلم يجدوا شيئا يستحقّ الوقوف عنده فتركوه جانبا وآنصرفـوا؟ أم أنّ العرب خصوصا تعطّلت عندهم ملكة التّفكير وأصبحوا تحرّكهم الغرائز أكثر ممّا يحركهم العقل؟. |
اقرأ المزيد |
المنظومة الأخلاقية ..الحلقة المفقودة في رحلة البحث عن الحلول : 102 - 2016/02/18 |
إذا كانت الحكومة بوزرائها وموظفيها، والإقتصاد بمصانعه وآلياته وبناه التحتية والفوقية، والإدارة بمكاتبها وموظفيها ومسؤوليها هي الأثاث المادّي لبيت الدّولة، فإنّ المنظومة الأخلاقية هي النّور الذي يضيء ضلمتها ويضفي ويكشف مواضع الجمال فيها ومواضع الخلل، هذه المنظومة ككلّ المنظومات يجب أن تكون قابلة لمسايرة تطور الحياة الإجتماعية، وبما أنّ الحياة تسير بنسق حثيث نحو التّقدم فإنّ الإنسان الذي لا يتقدّم يتخلّف بالضّرورة، والملاحظ لسيرورة الرّقي الإجتماعي للشّعب التونسي يلاحظ ذلك بكل سهولة، فنسق التّطور العمراني مقارنة بالمجتمعات التي تشبهنا يعدّ بطيئا، ونسق التّقدم العلمي يسير إلى الخلف، أمّا الإقتصاد أو خلق الثّروة بالأساس فهو في مرحلة موت سريري متقدّم، ووسط هذا التردّي تعود بنا النّخب السّياسية والفكريّة لنقاشات بيزنطية حول حرّية الجسد وزواج المثليين، وصلاة الإستسقاء، وغيرها من المواضيع وسط تغييب لطرح منظومة حلول شاملة تأخذ في الإعتبار كلّ المعطيات الدّاخلية والخارجيّة الوطنيّة والإقليميّة والدوليّة. |
اقرأ المزيد |
إصلاح التعليم بين مثالية المأمول وواقعية الممكن : 101 - 2016/02/04 |
بدأ الحديث في الدوائر السّياسية والثقافة والتّربوية عن إصلاح المنظومة التّربوية، وهي خطوة نثمّنها ونتمنّى أن تتّجه في الاتّجاه الصّحيح وأن تأخذ بعدا وطنيّا بعيدا عن التّحكم الإيديولوجي الذي طبع المناهج التّعليمية القديمة، وأن يأخذ هذا الإصلاح في حدّه الأدنى بالقيم الإنسانية المشتركة التي يجب أن تتربّى عليها النّاشئة كي لا نعيد إنتاج نفس الأخطاء. |
اقرأ المزيد |
التمليك الثقافي لقيم الثورة.... الحلقة المفقودة في مسار الإنتقال : 100 - 2016/01/21 |
أن تسبق الثقافة الفكرة أو تلحق بها ليس مهمّا، ولكن المهم هو إيجاد ثقافة الفكرة وتركيزها بكل الوسائل المتاحة، فالرسالة المحمدية لم تكن لها ثقافة سابقة، بل جاءت فكرة غريبة على مجتمع الجزيرة العربية، بل فكرة مناقضة لثقافة المجتمع بل محاربة لها أصلا، فالمجتمع العربي قبل الرسالة كان يعيش على الخمر والميسر والدعارة والعبودية وقوة المال والجاه، وقد لخصها جعفر بن أبي طالب في خطابه أمام نجاشي الحبشة حين قال « أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف»، في ظلمة هذه الجاهلية تأتي ثورة الرسالة لتأخذ الجزيرة العربية من النقيض إلى النقيض، يقول جعفر متحدثا عن ثورة الجزيرة العربية «فكنا على ذلك حتى بعث فينا الله رسولا نعرف صدقه ونسبه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام»، إذن من النقيض إلى النقيض تأخذ رسالة محمد أجلاف الجزيرة العربية، برجال منهم، ملكهم محمد ثقافة رسالته فكانوا هم النواة الأولى للنخبة الإعلامية الداعية للرسالة الجديدة، فالمرحلة الأولى من ثورة جزيرة العرب هي التبني الإعلامي لنخبة من الرجال والنساء تولوا الدعوة لهذه الرسالة وضحوا من أجلها، وهاجروا ، فكانت تتملكهم في حلهم وترحالهم. |
اقرأ المزيد |
محاضن السيادة... بين التهميش الممنهج والإرتجال الإيديولوجي : 99 - 2016/01/08 |
لن نخوض في مفهوم السّيادة داخليّة كانت أو خارجيّة لأنّه مثار جدل وإختلاف، والسّيادة لا ينظر إليها بعين واحدة، فهي تختلف بإختلاف الخلفيّة الفكريّة والإيديولوجيّة وبالتّالي فإنّ الحديث عن مفهوم السّيادة في هذا الوقت بالذّات هو من قبيل العزف على وتر الخلاف الذي لن ينتج إلاّ مزيدا من اللّحن النّشاز، إلاّ أنّ هذه السّيادة وأيّا كانت نوعيتها هي ثمرة لأدوات سياسيّة واجتماعيّة تتأثّر بها صعودا ونزولا، وهذه الأدوات لها محاضن تربويّة واجتماعيّة تسهر على صياغتها وتكريسها لتصبح سلوكات يوميّة أو غريزة وطنيّة لدى العامّة. |
اقرأ المزيد |