كلمات

بقلم
عبدالنّبي العوني
رفعت الجلسة : الجريمة سياسيّة

 الجرائم السياسية في عالمنا، وبالأخص العربي منه،في اغلبها مبنية للمجهول،وفي الأخير تسجل ضد طرف موهوم،وقميصها يتقاسمه الفرقاء و الأتباع الأوفياء ودهاقنة السياسة في الخفاء،وريعها يستثمره الفطاحل و طلاب الكراسي الأذكياء،وكل بقدر وحساب ،حسب القدرات الخطابية و المقدرات الإخراجية مع بهارات لغوية و كلامية لا نجدها غالبا إلا لدى المتكلمين والمتكلمات والشعراء و الشاعرات و حسب الفضاءات المسوغة لهذا الطرف أو ذاك، دون أن ننسى أصحاب الكسوة السوداء الذين يوزعون التهم حسب الانتماء ليظهروا فحولتهم الخطابية في مرافعاتهم على المنابر الإعلامية كتعويض لإخفاقات في أروقة المحاكم الوطنية.

تاريخيا،وعلى أراضينا العربية،وفي دولنا التي  لم تنغرس بعد في تربتها جذور الحرية،و لم يتعود فلذات أكبادها  بعد، كيف يقتسمون الفضاء إن هبت عليهم نسيمات من حرية،لم تحسم مطلقا هوية المرتكب للجريمة الحقيقي،بل تقذف التهمة في كل اتجاه أو حسب القابلية الاجتماعية و السياسية لأطراف أو مجموعات لتحمل وزر التهمة الجاهزة،بل في بعض الأحيان وفي أوطاننا المتعبة تسبق التهمة الجريمة تحضيرا وتصورا وإخراجا،ومن معجزاتنا التي عجز عن فهمها الأقربون و الأباعد أن أراضينا حبلى بالأغبياء الذين تًركّبُ عليهم التهم جيئة وذهابا،وهم مع ذلك في اشد النشوة والمباهاة،و إن تنطع الغبي عن حملها فان بعض القبائل السياسية على استعداد تلقائي لتحمل جزء من أسفارها،وفق السلوك التضامني الفريد»أي بمعنى حمل الجماعة ريش»و البعض الأخر من القبلية السياسية فإنها تمتلك تاريخيا المقدرة والمقدرات اللغوية و الإخراجية المسرحية الدرامية في التنصل والتبرؤ الماقبلي و المابعدي من الدم المسفوك، وبالاستعانة دائما بالأجهزة المختلفة»إعلامية،دبلوماسية،تواصلية ...».
الجريمة، في عالمنا العربي الأصيل ،يسرع الكل فرادى وجماعات،المتهم والبريء والمستهدف...،لتجييرها وتخزينها سياسيا وان لم تتم فعلى الأقل تحييدها،ووقتها ترى دموع القاتل قبل المقتول وترى الكل سكارى وما هم بسكارى من اثر البكاء والعويل والحزن المفاجئ،وترى أبخرة الدم تخرج من أفواه الساسة و القادة والمحللين، أو كما يقال حديثا «الكرونيكور»، يتقاذفونها كما يتقاذف لاعب البيزبول الكرة،ومن لحظتها يُعلن رسميا أن الوطن بأجمعه سيتحمل الماسي وثقل الجريمة النفسي و السلوكي عوضا عن الناشزين من أبنائه المتخفين،و توزع الغنيمة حسب الطريقة الجهنمية بأكبر البقايا لكن بحساب عكسي على نتائج الانتخابات،أي بمعنى من يتحصل على اكبر البقايا يتحمل اقل ،في حفلة تنكرية وفي تواطؤ ضمني قبل حفلات التأبين ذات التلوين السياسي،و يتحول الدم هنا من مغرم إلى مغنم وسائل قاني ممغنط يجذب إليه التجمعات و الاتحادات المستحدثة والمستجدة و المركبة على عجل و المثبتة بلاصق  مستخلص توا من دم المغدور و مستحلب من حليب الثورة أو الثور تحت إشراف مباشر للمخابر الوطنية الإعلامية و السياسية السباعية.
الدم ....إخواني، في أوطاننا ،يجمع ويفرق، و التفرق والتجمع ليس له قانون ولا  قانون الجمعيات  ولا حتى قانون العزف،يصبح صباحا، سائلا متخثرا وشاهدا على التقاعس والإضمار و يمسي ليلا برنامجا سياسيا موحدا وانتخابيا على الحساب، لا تراعى فيه الأحجام ولا الإحجام حتى موعد الامتحان، أين يكرم السياسي يومها أو يهان،أما الأهل والأحبة و أولياء الدم، فان رصيدهم المعرفي مع الدم يزداد وبعد لأي تتراجع لتسكن الأوجاع الديار.
الكريات الحمراء ،بني وطني،إن أسرع  بها وعلى جناح السرعة، وقبل أن يسكن  الإسفلت،على سيارات إسعاف المخازن السياسية التقليدية،فاعلم بأنها  تتحول بقدرة المحللين و المتباكين و الشامتين،من بنك دم الوطن  وتاريخه ومستقبله،إلى بنوك ملوك الطوائف السياسية و الإيديولوجية المختلفة والمخالفة،المتجمعة والمنقسمة،المتحابين عذريا والمتصارعين.
البلازما ،بني وطني،إن بقي مخبره في المجال الجنائي القضائي أو البحثي الوطني،ربحت العائلة الوطنية  و الأقارب والأحباب ،وخسرت الزواريب و المجاميع السياسية،و إن انتقل به إلى الملاعب السياسية فاعلموا أن اكبر الخاسرين، الحقيقة ، الوطن والأبحاث،أما الرابحون فهم الذين تعودوا ركوب أحصنة الطلق السياسي  الغبي و ثيران الثورة الذين لا أبا  لهم،وعندما ترون بني وطني الكريات البيضاء وقبل أن تجف تنتقل بسرعة الضوء لإسقاط نظام و تأسيسية ،لم تسقط انتخابيا،فاعلموا أن راية الدم افتكها سياسي محترف ينتهز الفرص و يمتهن التلميع،وليس أول همه الدم وأولياؤه، وإنما دافعه جشعه السياسي المتأصل فيه أب عن جد و افقه الكرسي المنتظر الذي ابتعد عنه قليلا، نتيجة الفوضى كما قيل.
أما الأولياء،الأحبة،الأحباب و المحبين،فرغبتهم أن يكشف الدم عن قاتليه و مغتاليه،وهذا يعاكس رغبة السياسوي وملوك الطوائف و الإيديولوجي المتحول، كي يحافظوا على المسار نحو أفق الكرسي المنشود، وإذا ما وضعتم سفر الدم في جراب السياسي فانه الأقدر على تضييعه و تتويهه وإهماله حتى يبلى ، كما خبرناه وكما تفننوا سابقا و الآن على تضييع الفرص على الوطن.
 لكم من كل قلبي أجمل التعازي و ارقها ولكم سلوان وصبر جميل،و لتجار السياسة، الخمول والضمور و الانكماش والخسران ومن ثم الاندثار كما تعودنا وعودونا على ذلك كل حين.
 ودمنا سالمين من الجريمة....و بالأخص إن جيرها سياسي مخصي ،ومن مرافقة سياسي غبي، فالدم المسفوك،ظلما وغدرا،لا ينكفئ،ولا تنخفض له حرارة أبدا.