شذرات

بقلم
د.محمد عمر الفقيه
ما المقصود بقوله تعالى : غَيرِ الْمغضوبِ علَيهِم و لَا الضالِّين
 فمن هم المغضوب عليهم؟.ومن هم الضالون في سورة الفاتحة؟.
مما يؤسف له أن مما هو شائع في الثقافات الشعبية ومما ورثناه في كثير من التفاسير أن المغضوب عليهم هم اليهود ، وأن الضالين هم النصارى ، وقد رضينا بهذا التفسير ، واسترحنا له كثيرا ، على اعتبار أننا والحمد لله لسنا من الذين تشملهم هذه الأوصاف ، ومصداقا لقوله تعالى :(وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ َ﴾(النحل: 89) 
فعند استقراء  كتاب اللّه  لمعرفة من هم المغضوب عليهم ومن هم الضّالون، سنتوصّل الى هذه الآيات الكريمة التي تبين بالتّحديد من هم المغضوب عليهم ومن هم الضّالون على النّحو الآتي:
 المغضوب عليهم :
قال تعالى :(وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ َ﴾(الشورى: 16) 
وقال أيضا :(مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ َ﴾(النحل: 106) 
وقال تعالى :(ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونََ﴾(آل عمران: 112) وقال أيضا :(وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًاَ﴾(النساء: 93) وقال تعالى :(وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرَُ﴾(الأنفال: 82)وقال :(كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىَٰ﴾(طه: 81) وقال :(وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾(الفتح: 6)
إذا هؤلاء هم المغضوب عليهم، فهم الذين تتوافر بهم الصّفات التي بيّنتها آيات القرآن الكريم، فهذه الصّفة لم تقتصر على اليهود الذين عصوا سيدنا موسى عليه السّلام، وإنّما تشمل المسلمين الذين توافرت بهم الصّفات التي بيّنها القرآن الكريم.
من هم الضالّون؟
قال تعالى : (قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونََ﴾(الحجر: 56) وقال :(إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ  َ﴾(القمر: 47) وقال :(أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَٰكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ َ﴾(مريم: 38) وقال :(هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ َ﴾(لقمان: 11) وقال أيضا :(الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ َ﴾(إبراهيم: 3) وقال :(وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍَ﴾(الأحقاف: 32)
وقال تعالى :(أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍَ﴾(الزمر: 22) وقال أيضا :(يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ َ﴾(الشورى: 18)وقال :(إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾(النساء: 116)
إذا من خلال عرضنا للآيات التي فصلت وبينت الفئة الموصوفة بالضّلال تبين أنّ أيّ إنسان اتصف بهذه الأوصاف سواء كان من المسلمين أو اليهود أو النّصارى أو غيرهم يطلق عليه أنّه من الضّالين، وأن ّهذا الوصف غير مرتبط مطلقا بأمّة أو ديانة معينة.
ومن هنا يتبين مدى أهمّية العودة الى كتاب اللّه تعالى ليوضّح لنا المفاهيم، ويكشف لنا مدى التّضليل الذي من الممكن أن نتعرّض له من خلال قراءة بعض كتب الموروث المتأثّر بالعصبيّة الدّينية والمذهبيّة، فكتاب اللّه لا يحابي أحدا على أحد، فجميع الخلق أمام خالقهم سواء ، فأقرب الخلق الى اللّه أتقاهم للّه تعالى .