في العمق

بقلم
أ.د.عماد الدين خليل
مدخل إلى بناء العالم في المنظور القرآني (الحلقة الثانية)
 أما الشّمس والقمر فتلك معجزةً أخرى تنتفي بوجودها أيّة مساحة للصّدفة على الاطلاق، يكفي أنّها من صنع اللّه الذي أتقن كلّ شيء. لقد وضعت الشّمس في مكانها تماماً ... هذا الفرن الذرّي الذي يتفجّر في كلّ لحظة بمليارات السّعرات الحراريّة والذي يقدّم خدماته الرّباعيّة للإنسان: الإضاءة، والتّدفئة، والتّبخير، وصناعة الطّعام بامتزاج الضّوء بالكربون بمادّة الكلوروفيل الخضراء... فماذا لو كانت الشّمس أبعد قليلاً عن موضعها الرّاهن؟ ألا تتجمّد الحياة على سطح الأرض في دقائق معدودات، وماذا لو كانت أقرب قليلاً، ألا يقود ذلك إلى ارتفاع رهيب في درجات الحرارة تستحيل معها الحياة؟ أيّة صدفة هذه التي وضعت هذا الفرن الذري الذي لا تنقضي عجائبه ولا ينقطع سخاؤه، في هذا الموضع المناسب تماماً لاستمراريّة الحياة على الأرض؟ ألا يدعونا هذا للتّفكير والتدّبر في خلق اللّه 9، ذلك الذي يضع الأمور في نصابها تماماً ... لا زيادة ولا نقصان، ولا تقديم ولا تأخير؟ 
« إنّ الشّمس هي من الجيل الثّاني أو الثّالث من النّجوم، مكوّنةً من عناصر كيمياويّة أخرى، بعد الهيدروجين والهيليوم وهي تولد كمّية كبيرة من الطّاقة وتخسر من طاقتها التي تصدرها كلّ يوم بمقدار 4 مليون طن في الثّانية الواحدة! لكن بسبب كتلتها الهائلة فإنّها تستطيع إنتاج الطّاقة لأحقاب زمنيّة متطاولة. والشّمس متذبذبة فهي تنكمش وتتّسع قليلاً، باستمرار، وهذا ما يساعدها على عدم الانفجار. فبسبب الانفجارات النّوويّة داخل الشّمس، يزداد الضّغط عليها، وفي داخلها، وبذلك تتمددّ قليلاً، وعند التّمدّد يتمّ تبريدها، وبالتّالي تقلّ معدّلات الاندماجات النّوويّة وبالتّالي يقلّ الضّغط، وبسبب ذلك يحصل انكماش فتزداد الجاذبيّة، ويزداد الضّغط عليها وبالتّالي تزداد معدّلات الاندماجات النّوويّة، وهكذا تتكرّر العمليّة باستمرار. 
فهذا التّوازن الهيدروستاتيكي هو الذي يساعدها في محافظتها على كيانها. ولكن هذه العمليّة لا تستمر إلى الأبد، لأنّ كميّة الهيدروجين محدّدةً داخلها، مهما كانت كبيرة ... وبالتّالي ستتناقص إلى أن تصل إلى درجة جعلها غير قادرةً على خلق اندماجات نوويّة، وبالتّالي تتوقّف الانفجارات النّوويّة، فيبقى داخل الشّمس كمّية كبيرة من الهيليوم، وهو بطبيعته أثقل من الهيدروجين أربع مرّات، فتتولّد فيها قوّة جاذبيّة شديدة تجعلها تعمل على سحب الشّمس نحو الانكماش والتّحوّل إلى مرحلة التّكوير كما بينها القرآن الكريم بقوله : ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾(التكوير:1) وهي ضمّ الشّيء بعضه إلى بعض. 
فانكماش الشّمس انكماشاً عظيماً يجعل الضّغط داخلها يتزايد، ودرجة الحرارة ترتفع إلى 25 مليون درجة، وبما أنّه أصبح في باطنها نسبةً كبيرةً من الهيليوم وقليل من الهيدروجين، فهذا ما يؤدّي إلى ارتفاع درجة حرارة باطن الشّمس، فيندمج الهيليوم (ثلاث ذرّات من الهيليوم) وتتحوّل إلى كاربون فتتولد طاقة هائلة، وعصف نووي، وضغط مئات أضعاف من اندماج الهيدروجين. فمن مميّزات الهيليوم أنّه عندما يكون تحت ضغط هائل ويحدث فيه انفجار نووي، يؤدّي بالضّرورة إلى انفجار كلّ الهيليوم الموجود في باطن الشّمس. 
وبالتّالي ستتحوّل الشّمس من جسم منكمش إلى جسم منتفخ انتفاخاً سريعاً جدّاً، بسبب الضّغط الهائل من الانفجارات الهيلوميّة، فتقوم بابتلاع كوكبي عطارد والزّهرة وتقترب اقتراباً شديداً من الأرض. فعندما تتضخّم الشّمس وتنتفخ، يتحوّل قطرها من (مليون و400 ألف) كم إلى (300 مليون) كم، وفي فترة قصيرة جدّاً جدّاً، ربّما ساعات، ممّا يؤدّي إلى غيابها وطلوعها عندنا وكأنّها تطلع من المغرب»(1).
أمّا القمر، فتلك معجزةً أخرى، بالنّور الذي يبثّه على الأرض، عبر لياليها المعتمة، وبدورانه حول الأرض شهراً بعد شهر، فيما يعطي البشريّة القدرة على حساب الأيّام والأشهر والسّنين، وفيما يقوم به في عمليّة المدّ والجزر، في البحار والسّطوح المائيّة، فيسقي الأرض بعد مواتها؟ ألا يدعونا هذا إلى التّدبّر في خلق اللّه المعجز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟ إذن لنتابع الآيات التي تحدثّنا عن الشّمس والقمر:﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ.. ﴾(يونس: 5)، ﴿.. وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى...﴾(الرعد:2)، ﴿وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ ...﴾(إبراهيم:33)، ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾(الأنبياء:33 )، ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ ﴾(الحج:18)،﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً﴾(الفرقان:61)، ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾(العنكبوت: 61)،﴿...  وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ...﴾(لقمان:29)،﴿... وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ﴾(الزمر:5). ﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ*وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ﴾(الرحمن:5-6)،﴿وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً ﴾(نوح:16)،﴿وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً﴾(النبأ:13)، ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ﴾(الانشقاق: 16-18)،﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا﴾(الشمس:1-2)، ﴿فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾(الأنعام:96)،﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾(النحل:12)، ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ*وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ*لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾(يس:38-40).
ها هنا أيضاً، يدين كتاب اللّه أولئك الذين وضعوا غشاوة الجهل والانكار على أعينهم وأبصارهم فلم يعد بمقدورهم أن يروا معجزة الشّمس والقمر كما تتبدّى واضحةً لكلّ ذي عقلٍ ونظر: ﴿..فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾(العنكبوت:61)،﴿فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾(الرّحمن:13)،﴿... إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾(الرّعد:4) !!
وتمتد يد اللّه القديرة فتضبط حركة الشّمس والقمر وفق مسافاتٍ لا تتزحزح ولا تميل، فهما يجريان في أفلاكهما التي صمّمت لحركتهما الدّائبة التي لا تتوقّف حتّى أجلها المقدّر في علم اللّه الأزلي، وهما تمارسان سياحتهما عبر السّماوات في مجالاتٍ محدّدة لا تند ولا تخرج عن المساق ... ومن ثمّ يَجِيءُ هذا التّسخير المعجز واحداً من بين عشرات بل مئات غيره من معجزات الخلق وآيات اللّه في الأنفس والآفاق.
وثمّة اللّمسات الجماليّة لهاتين الكتلتين المدهشتين، فليست المنفعة وحدها هي التي تحكم وظيفتهما على جلالة قدرها، وإنّما هنالك إلى جانبها ما تبثانه من جمال يؤكّد غائيّة الخلق بما لا يقبل مماحكة ولا جدلاً:﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً...﴾(يونس:5)، ﴿وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً﴾(نوح:16)، ﴿وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً﴾(النبأ:13)،﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ*وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ*وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ﴾(الانشقاق:16-18)،﴿فَالِقُ الإِصْبَاحِ ...﴾(الأنعام:96)، ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾(يس:39)، وكلّنا قرأ عشرات القصائد ومئاتها، تلك التي تغنّى بها الشّعراء بضوء القمر، وبنوره الذي ينثّه على الكائنات والأشياء عبر اللّيالي، ولا تزال قريحتهم وستظلّ تتغنّى بهذه الظّاهرة الفريدة في بنيان الكون والعالم:﴿... مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ ...﴾(يونس:5) ومن ثمّ دعيت الشّمس والقمر، جنباً إلى جنب مع النّجوم والجبال والشّجر والدّواب للإذعان لأمر اللّه والسّجود له 9، أليستا هما من صنعه وبتقديره، فماذا لو لم يشهد عالمنا هذا شمساً ولا قمراً؟ كيف سيكون الحال:﴿..ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾(الأنعام:96).
ونَجِيءُ إلى معجزة الخلق الأخرى في هذا العالم : البحار، ذلك الخزين الاستراتيجي من الماء الذي يغطي خمسة أسداس الكرة الأرضية، يتبخر ويفيض خيراته على البشرية مطراً غزيراً منذ آلاف السّنين، فلا ينقص ولا يغيض، يقدم للإنسان خدماته الكبرى يوماً بيوم وسنة بسنة: امتطاء لظهره بقدرة اللّه وحده، واستخراجاً لكنوزه من اللّؤلؤ والمرجان لتزيين الحياة، وإطعاماً لملايين النّاس بأسماكه التي تظلّ تتكاثر وتتكاثر وتزداد عدداً رغم ما يلاحقها من صيد الصّيادين.
ولطالما حدثنا كتاب اللّه عن هذه الوظيفة الرّباعية للبحار : التّبخير والنّقل والإطعام والزّينة، وأدار كاميراته المدهشة لالتقاط الشّواهد عليها، ولطالما حدّثنا عن تسخير اللّه لهذه الظّاهرة الكبرى ورحمته بالنّاس بشكمها، وهي المترعة بالملوحة، عن أن تطغى على المياه العذبة وتدمّر الحياة ... وعن الرّياح التي يسيّرها 9 لتمكين المراكب ذات الأشرعة من اجتياز المسافات الطّوال في المحيطات والبحار، والتّنقّل من قارّة إلى أخرى ومن مكان إلى مكان. وقال مندّداً بالذين يخالفون عن أمره بأنّه : ﴿إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾(الشورى:33). وقد يقول قائل من أولئك المتشكّكين : وماذا في ذلك؟ فإنّ سكون الرّيح إذا كان يؤثّر على السّفن الشّراعيّة ويوقف حركتها الأيام والأسابيع الطّوال، فإنّه لن يؤثّر بحالٍ على السّفن البخاريّة ومن بعدها الكهربائيّة والذريّة. ولكن القرآن الكريم يدير المنظور فيصفع هؤلاء بإجابته القاطعة : ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ﴾(الشورى:34) حيث يسقط حجّتهم، ويبيّن لهم أنّ هنالك أكبر بكثير من سكون الرّيح ووقف السّفن الشّراعيّة ... هنالك ضرب السّفن، وتفكيكها وإغراقها بمن عليها وما فيها في دقائق ولحظات ، أيّة كانت هذه السّفن، بخاريّة أو كهربائيّة أو ذريّة ... وما أكثر السّفن والغوّاصات التي أغرقها اللّه في القرنين الأخيرين، حيث لم يتبقّ مكان للسّفن الشّراعيّة التي تدفعها الرّيح ... وليست حادثة الغوّاصة الذّريّة السّوفياتيّة ببعيدة عن الأذهان، وليست واقعة السّفينة الأسطورة (تايتانيك) عام (1913 م) ببعيدة عن الأذهان هي الأخرى ... لقد بنيت لكي تكون أكبر سفينة يشهدها التّاريخ البشري على الاطلاق ... وأقلعت من ساحل إيرلندة لكي تجتاز المحيط الأطلسي في طريقها إلى أمريكا، ويقف صاحبها الملياردير على سياجها وهي تبدأ رحلتها تلك، لا ليسمي باسم اللّه، ولكن ليقول بأنّ الضّمانات التي وضعت فيها تتحدّى أيّ شيء، لا بل أنّه مضى في تبجّحه إلى القول بأنّه يتحدّى الإرادة الإلهيّة إن كانت قديرةً على إغراق سفينته العملاقة تلك!
وفي داخل السّفينة وهي تجتاز المحيط، في صالاتها وباراتها، ومواخيرها وغرفها ... مضى المسافرون يرقصون ويشربون ويغنّون ويضربون المواعيد ... و... و... مطمئنّين أشدّ الاطمئنان إلى أنّ ناقلتهم تلك لن يصيبها أذىً، وأنّهم سيصلون آمنين إلى أهدافهم، وإذا بها على حين غفلة تضرب جبلاً جليديّاً لا يظهر منه سوى الخمس، والأخماس الأخرى مخفيّةً تحت الماء، فيشطرها شطرين ويقودها بمعظم من فيها، وهم آلاف مؤلّفةً، إلى القاع : ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ ﴾(الشورى:34).
وحقاً إنّ اللّه سبحانه وتعالى، الغفور الودود الرّحيم، عفا عن الكثير من الحالات المشابهة، فوصلت السّفن إلى أهدافها بسلام دون أن يصيبها أذى، رغم ما جرى فيها من موبقات، ولكنّه جلّت حكمته يريد أن يقدّم وسيلة إيضاح بين الحين والحين، يسدّ بها أفواه أولئك المتشكّكين، أو المتشبّثين بالرّؤية الأحادية العوراء، فيقود هذه السّفينة أو الباخرة أو الغواصة إلى مصيرها المفجع.
وثمّة ملاحظة يتحتّم أن تقال في معرض حديثنا هذا، حيث تأكيد القرآن الكريم على الفلك التي تحملها المياه وعلى تسخير البحر لتجري فيه المراكب ... ألم يكن أولى بنا أن نكتشف نحن القاعدة الفيزيائيّة التي تمكّن المياه من حمل الأثقال؟ أكان يتحتّم لمكتشف كأرخميدس أن يقوم بهذا الكشف؟ وكذلك الحال في الآيات التي تتحدّث عن الطّيور التي تسبح في الفضاء:﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ ﴾(الملك:19) أفلم يكن أولى بنا أن نسبق الآخرين في اكتشاف قدرة الهواء على حمل الأجسام قبل أن يكتشفها الغربيّون؟! صحيح أنّ محاولاتٍ أوّلية جرت في هذا الاتجاه كتلك التي نفذها الأندلسي «عباس بن فرناس» وذهب ضحيّتها... ولكن هذا وحده لا يكفي، فإنّ الكشوف لن تتحقّق وتؤتي ثمارها إلاّ بالجهود المتواصلة والمثابرة المحمومة للوصول إلى الأهداف.
يكفي أنّ كتاب اللّه يعطينا الإشارات، ويقدّم لنا الشّفرات، وهو يتحدّث عن شبكة من الأمور التي تعنى بها الفيزياء والرّياضيّات ... ولقد جهد أجدادنا زمن تألّقهم الحضاري في الاستجابة لهذه الإشارات وفكّ رموز جانب من الشّفرات، ولكنّهم لم يواصلوا الطّريق لجملة من الأسباب التي قادت حضارتنا إلى ما يشبه الشّلل، بينما مضى الغربيّون بجهودهم المدهشة يبحثون وينقبون ويكتشفون ... ألم يكن «ابن غانم الموريسكي» قد ألّف كتاباً بعنوان:«العلم النّافع في صناعة المدافع» تلك التي ترمي بالبارود فسبق لها الغربيّين، ولكن نكستنا في الأندلس وخروجنا منها قتلاً أو تنصيراً أو ترحيلاً إلى الشّمال الإفريقي، أوقف محاولات كهذه من أن تواصل الطّريق وتصل إلى الثّورة الصناعيّة فتسبق دول أوروبا الغربيّة ... ولكن للتاريخ وللفعل الحضاري سننه ونواميسه ولا ريب.
فلنتابع جملةً من الآيات التي تتحدّث عن تسخير البحار بأمر اللّه 9 : ﴿... وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرهِ ...﴾(إبراهيم:32). ﴿رَّبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾(الإسراء:66). ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرهِ ...﴾(الحج:65). ﴿وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً ﴾(الفرقان:53). ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾(الروم:46). ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ...﴾(لقمان:31). ﴿... وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ﴾(غافر:80). ﴿اللَّهُ الَّذِي سخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾(الجاثية:12). ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ*بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ﴾(الرحمن:19-20). ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾(النحل:14). ﴿... وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً ... ﴾(النمل:61). ﴿وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ﴾(المؤمنون:22). ﴿وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ*وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ*وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ*إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ﴾(ياسين:41-44). ﴿... وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ*لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾(الزخرف:12-13).
والمهم أنّها إرادة اللّه وحده وآياته البيّنات ما يفسر لنا فيزيائيّاً قدرة المياه على حمل الأجسام الثّقيلة، وإلاّ ما كان هذا الذي نشهده بأمّ أعيننا لعلّنا نشكر اللّه 9 على سخائه ونعمائه... لعلنا...ثمّ يَجِيءُ الدّور في بناء العالم على ما تمثّله الجبال من وزن حركة كرتنا الأرضيّة التي لولاها لظلّت تميد بنا وبالكائنات كافة ذات اليمين وذات الشّمال فيما يستحيل معه القيام بأيّ نشاط حضاري، وفيما يحول حياتنا على الأرض إلى جحيم لا يطاق وقلق أبدي من الاهتزاز الدّائم الذي لا يستقرّ على حالٍ.
أهي الطّبيعة التي نفذت هذا (البلانس) من أجل استقرار حركة الأرض وتمكين البشريّة من مواصلة طريق الحياة والتّقدّم والرّقي؟ أم هي الصّدفة العمياء التي صنعت هذا كلّه؟ فمهما قيل بهذا الصّدد من نظريّات وأطروحات كافرة فاجرة تسعى إلى سحب يد اللّه المبدعة 9 وحاشاه، من صياغة العالم الآمن المستقرّ السّعيد، فهي لن تكون في بدء التّحليل ونهايته سوى عبث صبياني لا يمكن التّسليم به بحالٍ من الأحوال. وها هي الكشوف الأكثر حداثةً في ميدان الجيولوجيا، وفي ساحات فلسفة العلم تؤكّد أنّ تلك المعطيات السّاذجة لا تعدو أن تكون، بتعبير «سوليفان» في «حدود العلم»:«نظريات السخف الطائش»!
والآن فإنّ لنا أن نتابع إرادة اللّه سبحانه وتعالى التي شاءت لكرتنا الأرضيّة هذه ألاّ تبتلى بالتّأرجح الدّائم الذي تستحيل معه الحياة، وأن تمارس بناء العالم بأكبر قدر من الدّقّة والإحكام : ﴿وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ ...﴾(الرعد:3). ﴿وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ ...﴾(الأنبياء:31). ﴿... وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ ...﴾(لقمان:10). ﴿وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾(النحل:15). ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً ...﴾(غافر:64). ﴿وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ ...﴾(ق:7). ﴿... وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ ...﴾(الحجر:19). ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ ...﴾(المرسلات:27). ﴿... وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ  ...﴾(النمل:61). ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً*وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً﴾(النبأ:6-7). ﴿وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا﴾(النازعات:32). ﴿وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ﴾(الغاشية:19). ﴿أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً ...﴾(النمل:61).
وبمجرد إلقاء نظرة بانوراميّة من الطّائرة على توزيع الجبال وسلاسلها على القارّات، تتبيّن لنا عدالة صنع اللّه سبحانه وتعالى في بناء العالم وحمايته من التّأرجح الدّائم، حيث لا تكاد قارّة من القارّات، أو حتّى مساحة متّسعة من الأرض تخلو من الجبال التي تتراوح بين تلك الجبال الشّامخة في ارتفاعها، وتلك المتوسّطة أو المنخفضة، وهي في كلّ الأحوال وزّعت هذا التّوزيع العادل لكي تكون رواسي لكرتنا الأرضيّة، وأوتاداً تمسك بها عن التّأرجح والميل فيقرّ قرارها، لقد نصبت الجبال بإرادة اللّه وحده في سياق بنائه للعالم وفق أكثر الطّرائق إحكاماً وإعجازاً !
ثمّ ماذا عن تمهيد الأرض وجعلها صالحةً للتّنقل والحركة والذّهاب من مكانٍ إلى مكان، فيما تقتضيه ضرورات الحياة البشريّة والفعل الحضاري، حيث كان يمكن أن يكون سطح الكرة الأرضيّة على درجة كبيرة من التّعقيد الطوبوغرافي، بحيث أن تكنولوجيا العالم كلّه لو سخّرت لأزالته وتسويته لاستحال عليها ذلك، لكنّها إرادة اللّه وحده التي صمّمت العالم هذا التّصميم المدهش الذي مكّن الإنسان من مواصلة الحياة والإعمار على سطح كرته هذه التي مهّدت له مسبقاً هذا التّمهيد المحكم، يقول تعالى:﴿وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ...﴾(الرعد:3).﴿وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ ...﴾(ق:7). ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً ...﴾(طه:53). ﴿... وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾(الأنبياء:31). ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾(الزخرف:10). ﴿وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا...﴾(ق:7). ﴿وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ ﴾(الذاريات:48). ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾(الملك:15). ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطاً*لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً﴾(نوح:19-20). ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً﴾(النبأ:6). ﴿وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾(الغاشية:20). ﴿وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَــا﴾(الشمس:6). ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُــمُ الأَرْضَ فِرَاشــاً ...﴾(البقرة :22). ﴿وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيــدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾(النحل:15).
كلّ الضّمائر المعتمدة في الآيات السّالفة تقود إلى اللّه9... فأيّة صدفة هذه التي صنعت هذا كلّه؟ وأيّة طبيعة عمياء أمرت به وهي لا تملك عقلاً يمكنها من تحديد الأفعال؟ وأيّ سخف طائش هذا الذي يقول به الملاحدة، فتتلقّفه منهم معظم القنوات الفضائيّة وتمضي معصوبة العينين دون أن تلتفت مجرّد التفاتة إلى صنع اللّه القدير 9 ؟!
ومرّة ثانيةً وثالثةً ورابعةً : إنّ بناء العالم بهذا القدر المحكم من الصّياغة، والتي سنواصل متابعتها عبر هذا البحث، لا يمكن بحالٍ من الأحوال أن يَجِيءُ نتيجة صدفة عمياء، أو طبيعة خرساء، أو سخف طائش، رغم أنّ اتباع المدرسة المادّية الفاجرة هذه يظلّون يردّدون هذا مع أنفسهم ومع الآخرين، ويظلّون يردّدونه حتّى أصبح بالنّسبة إليهم بمثابة الحقائق المطلقة المسلّم بها، والتي لا تقبل، رغم سخفها وفجاجتها، ارتطاماً بطبائع الأشياء، وبنسق الخلق ونواميسه، جدلاً ولا نقاشاً. فماذا عن الأمطار التي لولاها، ولولا استمراريتها في ايصال القطرة العذبة إلى أفواه الإنسان وضرعه وزرعه لما قامت للحياة قيامة؟
نحن نعلم، على مستوى الرّياضيّات والفيزياء، أنّ حدوث ظاهرةٍ ما بمفردها قد يكون وليد الصّدفة التي لا هدف لها ولا غاية ... ولكن عندما تنبني عليها ثانيةً لكي تقودها إلى هدف محدّد، فإنّ الصّدفة تضعف وتغيب وتتلاشى ... فكيف إذا انبنت عليها ثمانية حالات توافقيّة أخرى؟ ألا يتوقّف مؤشّر الصّدفة عند نقطة الصّفر المطلق لكي يسمح للغاية أن تعمل عملها في هذه الظّاهرة المدهشة التي طالما نبّه كتاب اللّه عليها قرّاءه في أكثر من مائة وستين آية أو مقطع قرآني، لكي يتأكّدوا بما لا يسمح لأيّ مجال للجدل والمناقشة، أنّ وراء ظاهرة الأمطار هذه إرادة علويّة قديرة فاعلة مبرمجة، هي التي ترتّب الأسباب على المسبّبات، وتسوق المقدّمات إلى نتائجها المحتومة؟!! وهي ها هنا ايصال الماء العذب للإنسان والحيوان والنّبات على السّواء، بعد جملة من العمليّات الكبرى التي يعقب بعضها بعضاً، والتي في حالة غياب أيّة حلقة منها، ستبوء المحاولة بالفشل المحتوم؟!
الهوامش
(1) هافال عارف برواري : إشارات كونية من القرآن ، ص 92-93.