بحوث

بقلم
رجاء موليو
الدين ونشأته (3/3)
 نشأة الدين :
تعتبر قضية الدّين من أهمّ القضايا التي استحوذت على تفكير العقل البشري منذ القدم. فالحقيقة التي أجمع عليها مؤرخو الأديان هي أنّه ليست هناك جماعة إنسانيّة ظهرت وعاشت دون أن تفكّر في مبدأ الإنسان ومصيره وفي تعليل ظواهر الكون وأحداثه. فقد أرخوا لقبائل وحضارات عاشت دون قوانين اجتماعيّة أو اقتصاديّة لكنّهم لم يجدوا قبيلة أو حضارة عاشت دون دين. وإذا أردنا بحث منشأ دين من الأديان، فإنّ أعظم المسائل التي تثار أمامنا هي: متى ظهرت فكرة التّديّن على وجه الأرض؟وما الذي دفع الإنسان إلى التّدين؟ هذا ما سوف نتطرق إليه بالدّرس والتّحليل في هذا المبحث قيد الموضوع. 
«كيف نشأ الدّين في الأغوار السّحيقة من تاريخ البشر وعلى أيّ صورة لاح المقدّس الغيبي في طفولة الفكر الإنساني؟. إنّ الإجابة على هذه الأسئلة تنقلنا إلى مسرح عجيب من الحياة الإنسانيّة، إلى الحياة الأولى، حيث يقابلنا عدد من الوثائق غير الواضحة، وجملة من آثار متفرّقة، أقيمت عليها مختلف الفروض. فظهرت نظريّات ومذاهب - منذ نهاية القرن الثّامن عشر حتّى الآن» (1). 
- النّظريّة التّطوريّة : وتذهب إلى أنّ فكرة اللّه وجدت في المجتمعات الأولى بشكل عقائد انبثقت إمّا من الأفراد وإمّا من الجماعة. 
- النّظريّة الفطريّة : وهي تذهب إلى أنّ فكرة اللّه أو الدّين على العموم إنّما هي فكرة فطريّة، وجدت في عقل الإنسان ولكن أوجدها فينا موجود أعلى.
1 - المذهب الحيوي:  
ينسب هذا المذهب في تفسير نشأة الدّين إلى عالمين من أشهر العلماء الباحثين في العلوم الإنسانيّة – المختلفة- أولهم تيلور tylor في كتابه civilisation primitive ثمّ أخذ به سبنسر في كتابه principe de sociologie ولم يختلفا إلاّ في نقطة واحدة، وقد عرف مذهب تيلور بأنّه المذهب الحيوي الحقيقي. أمّا مذهب سبنسر فقد أطلق عليه اسم Manisme، وإن كانا الاثنان لا يختلفان في جوهرهما» (2).  ويبدو أنّ تيلور وسبنسر يعتبران أنّ أقدم دين في الوجود هو الاعتقاد في الأرواح وعبادتها ويعبر عنه أيضا بالمذهب الرّوحي.
ولا يخفى أنّه ليس المقصود بالرّوح هنا - حسبما يوحى به التّعبير غير الموقف باسم المذهب الحيوي – مبدأ الحياة الحيوانيّة، أعني تلك القوّة التي تقوم عليها وظائف النّمو، والتّنفّس، والحسّ، والحركة، بل المقصود نوع آخر أسمى من ذلك، هو مبدأ حياة التّفكير، والإرادة المنظّمة، والعاطفة، والضّمير، وبالجملة مبدأ الحياة العاقلة الرّفيعة (3). 
إلا أنّ هذا المذهب يثير مسائل متعدّدة لكي تصبح فكرته مسلّمة تمام التّسليم- وأهم تلك المسائل: 
1 – نشأة النّفس الإنسانيّة:  
«كانت أولى الآلهة عند أصحاب المذهب الحيوي هم الأسلاف.  ويسمّى هذا المذهب Evhemerisme نسبة إلى الفيلسوف اليوناني Evhemere، كان الفيلسوف يشرح فكرة الآلهة بتكهّن الملوك الموتى، وبهذا كان أسبق الباحثين إلى وضع أسس مذهب حيوية المادة أو المذهب الحيوي.
ويرى تيلور(4) أن هذه الفكرة نشأت عن اعتقاد الإنسان البدائي في الحياة المزدوجة التي يحياها في يقظته من ناحية وفي نومه من ناحية أخرى. فقد تصوّر الحياتين على اعتبار أنّ كلتيهما حياتان حقيقيتان وواقعيتان. فما يراه في نومه – أي في حلمه – إنّما هو تعبير في حياة حقيقيّة قضاها لها كلّ مقومات الحياة التي يمارسها أثناء اليقظة (5) .
ومن هنا يتبيّن من كلام تيلور أنّ مخيلة الأقدمين متأثّرة جدّا بالأحلام ، وأنّ الحلم جزء من الحقيقة التي يعيشها.
2 – عبادة النّفوس الإنسانيّة - عبادة الأرواح الدّينيّة: 
لم تكن النفس الإنسانيّة «روحا» لأنّها متّصلة بالجسم ولا تخرج منه إلاّ نادرا، وإذا لم تكن النّفس شيئا أكثر من ذلك، فإنّها لم تعبد أيّ عبادة. أمّا كيف عبدت وأصبحت قدسيّة، فهذا إنّما يتحقّق بتحوّلها إلى روح، تبتعد عن المكان المعين الذي كانت تشغله من الجسد ولا يستطيع الإنسان أن يتّصل بها إلاّ بمراعاة لطقوس خاصّة. فالنّفس إذن لا تصبح روحا إلاّ إذا انتقلت من الجسد، والموت وسيلتها في هذا الانتقال. ولم يتميّز الموت عند البدائي عن إغفاءة طويلة أو نوم مستغرق، له كل صفات النوم. إنه انفصال النّفس عن الجسد. يشبه في هذا ما يحدث في كلّ ليلة، ولكن انفصاله أبديّ سرمديّ» (6). 
ما يحاول أصحاب هذا الاتجاه إثباته هو أن انتقال النّفس من الجسم الإنساني عن طريق الموت يجعل تلك النّفس الإنسانيّة تتحول إلى روح مقدّسة، لذلك فإنّ أوّل عبادة إنسانيّة اتجهت إلى الموتى.  
3– عبادة الأرواح أصل عبادة الطّبيعة :
«يرى أصحاب هذا المذهب الحيوي أنّ عبادة الطّبيعة نشأت عن عبادة نفوس الأسلاف. وتيلور يختلف عن سبنسر(7) في هذه النّقطة.  فأمّا (تايلور ) مؤسّس النّظريّة فيرى أن العقليّة البدائيّة فيها من سذاجة الطّفولة ما يقصر بها عن التّمييز بين الجماد والحيوان، ويجعلها تعامل كلاّ منهما معاملة الكائنات الحيّة، كما يداعب الطّفل دميته ويناجيها كأنّ فيها روحا. وأمّا (سبنسر) فإنّه يرفض هذا التّفسير بحجّة أنّه لا ينطبق على نفسيّة الطّفل، ولا على نفسيّة الحيوان، فضلا عن العقليّة «البدائيّة» ويرجع أنّ عبادة الطّبيعيّات ليست نتيجة التباس عقلي كما زعم تيلور، بل وليدة التباس لغوي في أسماء الأسلاف المقدّسين» (8).  
«لكن نجد أنّ هذه النّظريّة تتعرّض للنّقد، وهذا الأساس غير صحيح عند بعض العلماء على الإطلاق، إنّ الصّور التي يستحضرها البدائي غير متماسكة وغير مطردة. قد يظهر الميّت الذي يعبد أحيانا في صورته الطّفوليّة وأحيانا في الصّورة التي مات عليها، وأحيانا أخرى يبدو في شكل مختلف عن هذه أو تلك. ومن هنا لا يستطيع البدائي أن يعتقد أنّ ما يراه هو حقائق ثابتة على الدّوام لا اختلاف فيها ولا تباين»(9).  
«وفي المقابل نجد (دور كايم)(10)يوجه كلّ قوّته الجدليّة لمهاجمة هذه النّقطة الضّعيفة في النّظريّة، مبيّنا أنّ البدائيّين ليسوا في حاجة إلى تفسير ظاهرة الأحلام، وأنّهم إذا احتاجوا إلى تفسيرها فليس الطّريق الذي وظّفته النّظرية متعيّنا.
ويمكن الاحتفاظ من بين هذه الوجوه بوجه واحد نحرص على تقريره وتأييده، لا لصحّته وصلته بجوهر الموضوع فحسب، ولكن لأنّه في الوقت نفسه يحدّد فكرة «عبادة الأسلاف» تحديدا  معقولا، ويبرز أسبابها الحقيقيّة، ذلك أنّ تجارب الحلم إن سلم أنّها تكفي للاعتقاد بالرّوح، فإنها لا تكفي بمجردها لتعليل الاعتقاد بألوهيّة مصدرها؛ فإنّ من الرّؤى ما هو هذيان وأضغاث أحلام، ومنها ما هو مجرّد ذكريات ماضية عاديّة : وليس شيء من ذلك يثير عقيدة التّأليه»(11).
وخلاصة لما ورد ذكره فإنّ هذا المذهب استند في تفسير الباعث على التّدين الخيال والأحلام، موضّحا أنّهما اللّذين أيقظا فكرة التّديّن عند الإنسان البدائي.
2 – المذهب الطّبيعي : Le naturisme
«نشأ المذهب الطّبيعي في بنية تختلف تمام الاختلاف في البيئة التي نشأ فيها المذهب الحيوي، ويرى فريق من العلماء أنّ العامل الأول في إثارة  الفكرة الدّينيّة كان هو النّظر في مشاهد الطّبيعة، ولاسيّما الأفلاك والعناصر. ومن أشهر مقرّري هذه النّظريّة هو العالم الألماني ماكس مولر Max Mulerا(12) في كتابه «الأساطير المقارنة» comparativ mylhology وهو لا يبنيها على هذا الاعتبار النّفسي وحده، بل يستند فيها إلى وثائق، استمدّها من دراساته المقارنة للأساطير والتّماثيل القديمة» (13). 
والملاحظ أن دراسته لكتب (الدّيانة الإبراهيميّة)، تمثّلت في وجود أسماء لآلهة فيها وهي في الغالب أسماء لتلك القوى الطّبيعيّة العظيمة كالسّماء والنّار ونحوها.
ولم يستطع الإنسان أن يقيم أيّة علاقة مع الطّبيعة وأن يتفهّمها بدون أن يتفهّم مسالك ما بعد الطّبيعة  اللاّ متناهي، وكلّ شيء في الطّبيعة يرمز إلى قوّة لا متناهية. النّهر الذي يجري، يظهر تلك القوّة اللاّ نهائيّة، طالما لم يجف ماؤه ولم يفض. لاشيء في الطّبيعة على الإطلاق إلاّ وهو يوقظ فينا هذا الإحساس العنيف عن اللاّ متناهي، هذا الإحساس في أعماقنا ويسيطر علينا، وعن هذا الإحساس فاض الدّين ونشأ (14). 
يعتبر «ماكس مولر» أنّ الجانب اللاّ متناهي في الطّبيعة هو مركز إثارة النّزعة الدّينيّة في النّفس البشريّة. ويبرهن على ذلك بقوله أنّ القوى الطّبيعية أثارت في النّفس البشريّة مختلف الأحاسيس والمشاعر لذلك كان عليه أن يتفكّر فيها وأن يتدبّرها، وأن يتساءل كيف تكوّنت. وكذلك يحاول أن يحوّل هذا الإحساس الغامض البدائي له عنها بفكرة واضحة ومحدّدة التّصوّر.
وفي المقابل يقول «ساباتييه» بأنّ الشّعور بالرّهبة والخوف من القوى العلويّة لا يكفي وحده لتفسير الفكرة الدّينيّة ، ولابدّ له من شعور آخر يوازنه ويلطف من حدّته (...) وهذه هي حقيقة التّدين (15) 
ونجد أن «دور كايم» يرى أنّ منطق المذهب الطّبيعي يحتّم على أنّ أكثر الأشياء استلفاتا للإنسان البدائي، وأكثرها إثارة في حسّه وخياله، هي الشّمس ، القمر، السّماء، البحر والعواصف والرّياح، ولذلك كان  ينبغي أن تعبد، لكن أثبت - أنتروبولوجيّا -  أنّ هذه القوى لم تعبد إلاّ في وقت متأخّر (16) . ممّا يبرز أنّ المظاهر الأكثر جاذبيّة في الطّبيعة لم تؤثّر في عبادة الإنسان، بل إنّ الذي يؤثّر في شعور الإنسان قوّة أكثر جاذبيّة للحسّ والوجدان البشري ألا وهي الدّين.
3 - مذهب طوطم : Totem :
وقد بشر «دوركايم» بهذا المذهب في أوائل القرن العشرين عندما كانت فرنسا تعيش مشكلة المعرفة ووسائلها ومشاكل فلسفيّة هامّة. حاول «دوركايم» أن يجيب عن هذا السّؤال أو يحلّ ذلك الإشكال، وبعد دراسات عميقة خيّل إليه أنّه وصل إلى حلّ المشكلة في أدقّ الصّور (...) الدّين البدائي (...) وانبثاق مقولات العقل عنه (17) . 
والملاحظ أنّ الطّوطميّة(18) أقدم ديانة عرفت حتّى الآن، لأنّها لا تمتّ بصلة  إلى ديانة أقدم منها، وأيضا لأنّنا لا نستطيع درسها وفهم ما ترمي إليه إلاّ إذا أخذنا أساسا لأبحاثنا نظامها الاجتماعي وهو أقدم نظام وجد حتّى الآن.
4 – المذهب المؤلّه أو مذهب التّوحيد الفطري : 
تميّز هذا المذهب باعتبار أساس التّدين هو إله. فإذا كانت جلّ المذاهب التي عرفناها قامت في أساسها على فكرة التّطوّر، فإنّ المذهب المؤلّه، أو مذهب التّوحيد الفطري قام على فكرة«عقيدة الإله الأكبر» وهي أوّل عقيدة عرفتها الإنسانيّة على مرّ العصور، وهذا المذهب يعتبر مرحلة جديدة في تاريخ الأديان.
وقد حاول كثيرون من علماء الدّين أن يثبتوا بدء الإنسانيّة، بدين الوحي الحقيقي، وأنّ هذا الوحي أقام فكرة «اللّه»  في نفس الإنسان، ولكن الخطيئة الأولى أخفت تلك الحقيقة عن البشر، فلم تصل إلى فكرة التّوحيد إطلاقا أي «فكرة اللّه» أو فكرة «إله السّماء» (19).  
فقد ظهرت أبحاث بعد ذلك عن فكرة إله السّماء في الفيلولوجيا الهنديّة الجرمانيّة، فقد كشفت الفيلولوجيا المقارنة لتلك اللّغات عن وجود إله السّماء الأسمى بين القبائل. والملاحظ أنّ فكرة التّدين في هذا المذهب تمركزت حول صفة الإله باعتباره مركز العبادة والتّقديس.
وزيادة على ذلك نرى أنّ فكرة إقامة نشأة الدّين على فكرة إله السّماء - ظهرت بعد ذلك عند الألمان خاصّة – وذلك عند «شلنج» في كتاب «فلسفة الميتولوجيا»، وقد ذهب فيه إلى أنّ فكرة عن التّوحيد غامضة وغير واضحة كانت تسود الإنسانيّة الأولى. ولكن هذا التّوحيد لم يتحقّق بوضوح من حيث هو، ومن هنا انتقلت الإنسانيّة إلى التّعدّد والشّرك، وهامت في بحار من أساطير تعدّد الآلهة وكثرتهم.
ومن رجال هذه النّظرية نجد العالم الاسكتلندي أندريو لانج (20)  Andrew lang، وقد كان ظهوره مؤذّنا بولوج عهد جديد في تاريخ الأجناس والأديان، وقد احتل هذا المفكر مكانة عظيمة وهامة في الحياة الأدبيّة لإنجلترا، ثمّ اشتغل بالدّراسات الاجتماعيّة والميتولوجيّة والدّينيّة، واعتنق المذهب الحيوي، وهاجم النّظرية الطّبيعيّة لماركس مولر هجوما قضى على صحّتها، وقد مهّد له هذا شهرة كبيرة في أوروبا وأمريكا (21). 
والملاحظ أنّ هذه النّظريّة المؤلّهة التّوحيديّة الفطريّة تمركزت حول جعل أساس فكرة التّدين الإله الأكبر أو إله السّماء وهي فكرة سادت الإنسانيّة منذ النّشأة الأولى لكنّها فرضت غموضا لم يتوصّل إلى توضيح معالمه، وهي نظريّة أجهضت النّظريّات السّابقة منها الحيويّة والطّبيعيّة والطّوطميّة.
«وهكذا نجد أنّ لكلّ المجتمعات دينا، ما عدا قبائل الفيدا في سيلان(...) لأنّهم يعبدون الشّجر لأنّها تعطيهم الثّمار، والظّلال، وتطعم الإنسان والحيوان! أمّا قبائل الأقزام في إفريقيا فلا دين لها! أمّا هنود أمريكا الشّماليّة، فهم يعرفون أنّ هناك إلها، ولكنّهم لا يتعاملون معه لأنّه انصرف عنهم وأصبحوا في أسوأ حال !
كما اعتقد الإنسان البدائي بآلهة (جمع إله) شرّيرة وراء الظّواهر والكوارث الطّبيعيّة، فأخذ يتقرّب إليها بالعبادات والأضاحي» (22). 
من هنا يتّضح أنّ فكرة التّديّن أو وجود معبود موجودة منذ القدم، حيث تجد الإنسان منذ وجوده على الأرض يقدس شيئا أو يتّخذ معبودات، سواء محسوسة كالأصنام، والنّار، والشّجر، والحيوان، والنّبات أو روحيّة وهي معبودات تحس بالرّوح والظّواهر الطّبيعيّة أو قوى غيبيّة يخضع لها عن طريق القوّة القاهرة. ففكرة التّديّن والتّعبّد لشيء ما  هي موجودة في فطرته الطّبيعيّة ممّا يبرز أنّ الدّين فطري في الإنسان ومخلوق معه منذ وجوده على الأرض.
كما يرى بعض كتاب القرن «الثّامن عشر» والذين مهّدوا للثّروة الفرنسيّة أنّ الدّيانات والقوانين مستحدثة وأعراض طارئة على البشريّة، وهذا ما قال به «فولتير» حيث اعتبر أنّ فكرة التّأليه اخترعها دهاة ماكرون من الجهلة والقساوسة. لكن كلّ هذه المزاعم المتداولة لم يبق  لها ذلك الصّيت خاصّة بعد الرّحلات إلى خارج أوروبا، حيث اكتشفت العوائد والعقائد والأساطير وتبيّن أنّ فكرة التّدين فكرة أقدم من المجتمعات من أي حضارة مادّية وأنّها لم تقم على خداع الرّؤساء وتضليل الدّهاة ولم تقم على أسباب طارئة. بل كانت تعتبر في نزعة أصلية بين النّاس. وما يدعم هذا القول نجد معجم «لاروس» يقول : «إنّ الغريزة الدّينية مشتركة بين كلّ الأجناس البشريّة، حتّى أشدّها همجيّة، وأقربها إلى الحياة الحيوانيّة» (23) 
وكذلك ما قاله هنري برجسون: «لقد وجدت وتوجد جماعات إنسانيّة من غير علوم  وفنون وفلسفات، ولكنّه لم توجد قطّ جماعة إنسانيّة بغير ديانة» (24) .
من خلال هذا العرض البسيط يتبين أن: 
• الدّين فطري في الإنسان.
• أنّ فكرة التّدين فكرة مشاعة ومتداولة ولم تخل منها أيّة أمّة من الأمم مهما وصلت مراتب عالية من الحضارة المادّية. 
• أنّ الدّين أساسه ومنشأه إله واحد أكبر وهو إله السّماء.
وهكذا فالأديان أو الدّين يحلّ من الجماعات البشرية محلّ القلب من الجسد
الهوامش
(1) نشأة الدين، علي سامي النشار، دار المحبة، دار آية، دمشق 2009م، ص: 5 بتصرف.
(2) نشأة الدين، علي سامي النشار ، ص: 28 – 31 بتصرف.
(3) الدين، عبد الله دراز، ص: 128 .
(4) تيلور : إدوارد بيرنت تايلور (1832-1917) أنثر وبولوجي  إنجليزي، ساعدت دراساته على تحديد مجال الأنثروبولوجية بجامعة أكسفورد، أهم كتبه الثقافة البدائية.                                                                           
(5) نشأة الدين، علي سامي النشار، ص: 32 .
(6) نشأة الدين، علي سامي النشار ، ص : 34 .
(7) سبنسر: هربرت سبنسر (1820 - 1903)، فيلسوف وعالم انجليزي ومؤسس نظرية التطور في العلوم الإنسانية وعلوم الأحياء من مؤلفاته: مبادئ علم النفس، مبادئ علم الاجتماع... (ملحق موسوعة الفلسفة، عبد الرحمن بدوي ص : 1283).  
(8) الدين، عبد الله دراز ، ص : 133.
(9) نشأة الدين ، علي سامي النشار، ص : 38.
(10) إميل دور كايم، (1858 - 1917) فيلسوف وعالم اجتماع فرنسي يعتبر أحد مؤسسي علم الاجتماع الحديث، وقد وضع لهذا العلم منهجية مستقلة تقوم على النظرية والتجريب في آن معا.
(11) الدين، عبد الله دراز، ص: 134 .
(12) ماكس مولر: max muller 1900 -1823 ولد في مدينة ديساو بألمانيا وكان عالما ألمانيا، اهتم بصفة خاصة باللغة السنسكريتية الهندية القديمة، وقد أسهم في الدراسة المقارنة في مجالات اللغة والدين وعلم الأساطير.
(13) الدين، عبد الله دراز، ص: 114 .
(14)  الدين، عبد الله دراز ، 66 بتصرف .
(15)  الدين، عبد الله دراز ، ص: 126-127 بتصرف.
(16)نشأة الدين، النشار، ص: 79 .
(17)  نشأة الدين، النشار ، ص 81 – 82 بتصرف.
(18) الطوطم : اسم يطلق عند الأقوام الأمريكية والأسترالية القديمة على حيوان أو نبات يعتقدون أنهم منحدر ون منه، ويحيطونه بهالة من التقديس، فإذا كان حيوان امتنعوا عن إهراق دمه، وإذا كان نباتا تبركوا به. صليبا جميل المعجم الفلسفي، دار الكتاب اللبناني، ج.2، ص : 25.
(19) نشأة الدين ، النشار ص : 151 بتصرف.
(20) Andrew Lang, (1844 – 1912), était un homme de lettre écossais, poète, romancier, critique littéraire. Il est surtout connu pour ses travaux sur le folklore. La mythologie et la religion.
(21) نشأة الدين ، النشار ، ص : 151 – 154 بتصرف.
(22) نشأة الدين، الدكتور وسيم السيسي، 26 /11/2010 . today.almasryalyoum.com      
(23) الدين عبد الله دراز ، ص : 128.
(24) نفسه ، ص : 129.