شذرات

بقلم
د.محمد عمر الفقيه
نظرية الفداء بين اليهودية والمسيحية والمسلمين والقرآن
 من معتقدات اليهود والنّصارى أنّهم أبناء اللّه وأحبّاؤه، قال تعالى :﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤهُ  ﴾(المائدة :18). لذلك فبالنسبة للنصاري فإنّ المخلص يتحمّل ذنوب ومعاصي من يؤمنون به، فليس عليهم بعد ذلك حساب ولا سابقة عذاب. جاء في إنجيل يوحنا : «أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي، وَإِنْ مَاتَ فَسَيَحْيَا». أمّا اليهود فقد زعموا أنّهم لن تمسّهم النّار إلاّ أياما معدودات، قال تعالى :﴿ وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامًا مَّعْدُودَة  ﴾(البقرة :80).
وقد انتقلت فكرة الخلاص للأسف من اليهوديّة والمسيحيّة الى المسلمين على نحو معيّن، فقد نسب المسلمون لنبيّهم ﷺ روايات حول شفاعته والتي تشمل المجرمين والقتلة والزّناة وآكلي الرّبا واللّصوص وقاطعي الطّرق وإن لم يتوبوا، فقد نسبوا للنّبي ﷺ أنه قال : «شفعاتي لأهل الكبائر من أمتي»(1). وكأنّ الحديث فيه إغراء بارتكاب الكبائر لكي ينال شفاعة النّبيّ ، وهناك عشرات الرّوايات المنسوبة للنّبي ﷺ والتي تشير بشكل واضح أنّه يكفي المسلم أن ينطق بشهادة التّوحيد لدخول الجنّة على ما كان من العمل ، أو أن يقول بعض الأذكار وبعد ذلك ينال الجنّة على ما كان من العمل.
 وعند معايرة بين هذه المعتقدات وما حمله تراث المسلمين من روايات من جهة  وكتاب اللّه من جهة أخرى سنكتشف مدى تهافت وسقوط هذه العقائد وهذه الرّوايات :
أولا : تؤكّد الآيات القرآنيّة بشكل جليّ أنّ الإنسان ابتداء يولد من غير خطيئة، وأنّ آدم عليه السّلام يتحمّل وحده خطيئته أمام اللّه، وأنّه قد اعترف بخطيئته وندم عليها وتاب منها، وقبل اللّه توبته، قال تعالى على لسان آدم وحواء : ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّم تَغفِر لَنَا وَتَرحَمنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلخَٰسِرِينَ ﴾(الأعراف :23). وقال تعالى :﴿ فَتَلَقَّىٰٓ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَٰتٖ فَتَابَ عَلَيهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ ﴾(البقرة :37).
فالقرآن الكريم يقرّر بشكل جليّ أنّ الإنسان يولد من غير خطيئة، وأنّه مسؤول عن أعماله هو فقط، وأنّ دخوله الجنّة أو النّــار هو نتيجة ومحصلة لأعماله وليس نتيجة ومحصلة لأعمال غيره، قال تعـالى:﴿ أَلَّا تَزِرُ وَازِرَة وِزرَ أُخرَىٰ * وَأَن لَّيسَ لِلإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ * وَأَنَّ سَعيَهُ سَوفَ يُرَىٰ * ثُمَّ يُجزَىٰهُ ٱلجَزَآءَ ٱلأَوفَىٰ ﴾(النجم :38-41).
كما يقــرّر القرآن الكريـم بشكل جليّ أنّ دخـول الجنّة هو محصلة طبيعيّة لعمـل الإنسـان نفسـه. قال تعــالى :﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾(النحل :32).
والقرآن الكريم يقرّر قاعدة عامّة تخضع لها كلّ البشريّة مهما اختلفت مللهم وشرائعهم دون استثناء، قال تعالى :﴿ وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعدُودَةٗ قُل أَتَّخَذتُم عِندَ ٱللَّهِ عَهدٗا فَلَن يُخلِفَ ٱللَّهُ عَهدهُ أَم تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعلَمُونَ * بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةٗ وَأَحَٰاطَت بِهِ خَطِيٓـَٔتُهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ أَصحَٰبُ ٱلنَّارِ هُم فِيهَا خَٰلِدُونَ.. ﴾(البقرة :80-81).
فالمتأمل لقوله تعالى : ﴿بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةٗ وَأَحَٰاطَت بِهِ خَطِيٓـَٔتُهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ أَصحَٰبُ ٱلنَّارِ هُم فِيهَا خَٰلِدُونَ) يدرك تماما درجة تهافت الروايات وسقوطها التي تتحدّث عن شفاعة الرّسول ﷺ لأهل الكبائر من أمّته.
وبناء على ما سبق ووفقا للمعيار القرآني الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فإنّ المخلص الوحيد للإنسان أمام اللّه هو الإنسان نفسه وذلك من خلال عمله وسعيه ، وأنّ الإنسان مرهون بعمله، قال تعالى :﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾(المدثر :38).
ألم يئن الآوان أن ندرك مدى حاجتنا لإعادة قراءة موروثنا الدّيني والفكري في ضوء معياريّة كتاب اللّه؟