مواضيع حارقة

بقلم
حسن الطرابلسي
تحديات تشديد قانون اللجوء في الإتحاد الأوروبي وآفاقه بين الكونية والقطرية
 نبذة تاريخيّة عن سياسة الهجرة واللّجوء
كان من تبعات الحرب العالميّـة الثّانيـة وما ترتب عنهـا من وجود حالات لجـوء كثيرة، وما رافقهـا من استغلال وأعمـال شاقّـة أن تحرّكت الأمم المتّحدة وضمّنت في قراراتها قانون اللّجوء. وتدعّم هذا الحقّ بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر 1948. وفي 14 ديسمبر 1950 تمّ الاتفاق على وجود موظف سام لحقوق الإنسان في الأمم المتحـدة، سرعـان ما تبعته اتفاقيّة جنيف للاّجئين في يوليو/تموز/جويلية 1951.
وبحكم اعترافه بقرارات الأمم المتحدة، تبنّى الإتحاد الأوروبي قوانين اللّجوء وأقرّ مؤسّسات لحماية اللاّجئين. ولكن بعد موجات اللّجوء التي بدأت تتزايد منذ النّصف الثّاني من ثمانينيّات القرن الماضي، وخاصّة بعد حرب البلقان في بداية التّسعينيّات، انطلق حوار سياسي وقانوني بين دول الاتحاد الأوروبي يهدف إلى تعديل قوانين اللّجوء، وكيفيّة توزيع اللاّجئين بين الدّول الأعضاء. وتطوّر هذا الحوار ليتناول كيفيّة تأمين الحدود الخارجيّة للإتحاد.
ولقد تأسّس قانون اللّجوء في الإتحاد الأوروبي على مبادئ حقوق الإنسان في حقّ اللّجوء، كما ارتكز على أرضيّة التّضامن الأوروبي البيني. وحتّى يتحقّق كل ذلك ولا تبقى الاتفاقيّات حبرا على ورق توصّلت دول الإتحاد الأوروبي في يونيو/جوان 1990 إلى اتفاقيّة جديدة أطلق عليها تسمية «اتفاقيّة دبلن» Dublin-Konvention، وتمّ تعديلها سنة 2003 ثمّ في 2013 فيما عُرف بلائحة دبلن III والتي تضمّنت فقرة مهمّة مفادها أنّ أوّل دولة عضو يصلها طالب اللّجوء ويتم فيها تخزين بصمات الأصابع أو تقديم طلب اللّجوء هي المسؤولة عن طلب اللّجوء. 
وهكــذا فــإنّ مهمـّـة «إجــراءات دَبلــن» Dublin-Verfahren/Dublin System نصّت على تحديد دولة واحدة بالأراضي الأوروبيّة مسؤولة على طلب اللّجوء للحدّ من الهجرة الثّانوية داخل الإتحاد الأوروبي والسيطرة عليها (1). كما تمّ في مرحلة لاحقة وبالتحديد سنة 2004 الاتفاق على تأمين الحدود الخارجيّة من الهجرة غير الشّرعيّة والإتجار بالبشر ومنع تسلّل الإرهابيّين المفترضين إلى أوروبا بتأسيس منظّمة «فرونتيكس» (الوكالة الأوروبية لمراقبة حدود الاتحاد الأوروبي).  غير أنّ تدفّق اللاّجئين سنة 2015 ووصولهم إلى كثير من الدّول الأوروربيّة، وأساسا إلى ألمانيا، بعد عجز اليونان عن الإلتزام بإجراءات دبلن،  جعل مطلب تعديل إجراءات دَبلِن أو نظام دبلن يتزايد يوما بعد يوم.
وبعد جدل طويل، توصّل وزراء داخليّة الإتحاد الأوروبي يوم 8 حزيران/جوان 2023 إلى الإتفاق على تشديد قوانين اللّجوء، وعلى إنشاء مراكز على الحدود الخارجيّة للاتحاد يتمّ فيها دراسة ملفّات اللّجوء وعلى تسريع ذلك، كما فرضوا نوعا من التّضامن الأوروبي على الدّول التي ترفض استقبال اللاّجئين.
ما هي الإصلاحات المخطّط لها؟
وافقت دول الاتحاد الأوروبي على إصلاحات لتشديد سياسة اللّجوء الخاصّة بها.  وجوهر مقترحات الإصلاح هو الإتفاق على تدابير تهدف إلى الحدّ بشكل كبير من تدفّق المهاجرين على دول الإتحاد. وبناء عليه فإنّ المهاجر الذي يأتي من دولة تصنّف على أنّها آمنة، سيتمّ مستقبلا نقله مباشرة إلى مراكز استقبال على الحدود الخارجيّة. هناك يتمّ التحقّق في غضون اثني عشر (12) أسبوعًا ما إذا كان لدى مقدّم الطّلب فرصة للّجوء. وإذا لم يكن كذلك، يتمّ ترحيله على الفور.
بالإضافة إلى ذلك، اتفق الوزراء على تسهيل مراقبة وترحيل طالبي اللّجوء المرفوضة مطالبهم، وفي هذا الإطار سيتمّ جمع المزيد من البيانات عنهم وتخزينها بشكل مركزيّ. 
كما أثبت الوزراء الآليّة التّضامنيّة، حيث سيُطلب من كلّ دولة من الدّول الأعضاء استقبال عدد معيّن من طالبي اللّجوء. وإذا كانت دولة أو أكثر لا ترغب في استقبال اللاّجئين كهنغاريا أو بولندا مثلا، فإنّه يُفرض عليها نوع من التّضامن الإلزامي بدفع تعويض عن كلّ لاجئ لا يتمّ قبوله. ويصل التّعويض المالي المطروح إلى 20 ألف يورو لكلّ طالب لجوء لم يتم قبوله. ويتمّ تجميع هذه المبالغ، لتوضع في صندوق تديره المفوضيّة الأوروبيّة، وبه تُموَّل المشاريع المرتبطة بالهجرة. 
وبسبب لائحة خاصّة، يتمتّع لاجؤوا الحرب من أوكرانيا بحماية مؤقّتة في الاتحاد الأوروبي دون الحاجة إلى التّقدّم بطلب للحصول على اللّجوء. ولهذا السّبب، فإنّ القرارات الحاليّة ليس لها تأثير على وضعيتهم.
مشكل الدّول الآمنة
ليس هناك تعريف واضح ودقيق للدّول الآمنة بين دول الإتحاد الأوروبي نفسها. ولذلك فإنّ هذه النّقطة أخذت جدلا طويلا. ويعرف المكتب الفيدرالي للهجرة واللاّجئين في ألمانيا البلدان الآمنة كالتّالي: «تبعا للقانون تتمتّع الدّول الآمنة بنظام ديمقراطي وسياسي، ولا يخشى فيها من الملاحقة الأمنيّة، وتعتبر هذه الدّول قادرة على حماية رعاياها من أيّة ملاحقات غير شرعيّة. ومعنى ذلك وجود قوانين قضائية وإدارية فعالة ومعمول بها لحماية الشّعب. وبهذا تعتبر هذه الدّول آمنة»(2). 
ومن أمثلة هذه الدول الآمنة، رغم الإختلاف في التّقييم كما أشرنا إلى ذلك، نجد تركيا والهند وتونس وصربيا وألبانيا والبوسنة والهرسك وغانا. ويقلّ معدل الاعتراف بوضع مواطنيها كلاجئين عن 20 % وبالتّالي فإنّه يتمّ عزلهم في مراكز «استقبال» على الحدود تكون مشدّدة الحراسة وهي أشبه بمراكز الإعتقال الجماعي، وتدرس ملفاتهم بسرعة ثمّ يتمّ ترحيلهم.
الدّول المستفيدة من تشديد قانون اللّجوء
يهدف التّشديد الجديد إلى أن تستفيد منه كلّ دول الإتحاد الأوروبي وخاصّة الدّول التي تتعرّض لموجات هجرة كبيرة مثل اليونان، وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا. فاليونان وأيطاليا وإسبانيا هي دول حدود الإتحاد الأوروبي وبالتّالي فمن المنطقي أن تكون أوّل عرضة لموجات الهجرة عبر طرق الهجرة غير النّظاميّة المتعدّدة مثل طريق لامبيدوزا وطريق البلقان وطريق جزر الكناري وغيرها.
وأمّا ألمانيا فإنّه رغم بعدها عن البحر المتوسّط إلّا أنّها تعتبر القبلة الأولى للاّجئين المتّجهين إلى الإتحاد الأوروبي. فلقد ارتفع عدد طالبي اللّجوء في العام الماضي (2022) أكثر من أيّ وقت مضى منذ عام 2016. وفقًا للإحصاءات السّنويّة الصّادرة عن المكتب الاتحادي للهجرة واللاّجئين، قدم ما يقرب من 218 ألف لاجئ طلبا للحماية في ألمانيا لأوّل مرّة. وسجّل بذلك ارتفاعا بنسبة 47 % مقارنة بسنة 2021. وهنا لا بدّ من التّذكير بأنّ هذه الإحصائيّات لا تأخذ بعين الإعتبار حوالي مليون لاجئ حرب أوكراني إضافي لأنّهم لا يُدرجون في إحصائيّات اللّجوء بناء على اللاّئحة الخاصّة بهم.
وهكذا يسمح القانون الجديد الذي تمّ الاتفاق عليه، لألمانيا مثلا أن تستقبل، فقط، عدّة آلاف من الأشخاص سنويًا من دول الحدود الخارجيّة عبر آليّة التّضامن. وهكذا ستستفيد ألمانيا كثيرا إذا تمّ تيسير قوانين الهجرة وفقًا لإجراءات دبلن. كما سيقلّص الاتفاق من التّحديّات والمشاكل المطروحة على المدن والبلديّات الألمانيّة بشكل ملحّ والمتمثّل أساسا في توفير سكن للاّجئين وتأمينهم صحيّا.
برلمان الإتحاد الأوروبي وتثبيت الإتفاق
كلّ هذه القرارات ستُعرض قريبا على برلمان الإتحاد الأوروبي في «ستراسبورغ» لتدارسها وربّما لتعديل بعض نقاطها ثمّ إقرارها، وعندها تصبح سارية المفعول. ويطمح السّياسيّون الأوروبيّون إلى أن يحسم النّقاش في هذا الموضوع قبل موفّى هذه السّنة. فيتمكنون من تمرير القوانين قبل الانتخابات الأوروبيّة في يونيو 2024. أمّا إذا فشلوا في ذلك فإنّ الوضع سيتعقّد وسيحدث تغييرا في موازين القوى، لأنّ الأحزاب اليمينيّة ستستغل هذا الموضوع وتدرجه ضمن برنامجها الإنتخابي، لتضمن مقاعد أكثر في الانتخابات القادمة للبرلمان الأوروبي.
الهوامش
(1) https://www.bpb.de
https://www.bamf.de/DE/Startseite/startseite_node.html    (2)  l