الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
افتتاحية العدد 186
 نبدأ مع هذا العدد سنة ميلاديّة/إداريّة جديدة متسائلين عمّا تخفيه لنا من أحداث، فهل ستنسينا هذه السّنة ما عشناه من مآسٍ وآلام خلال السّنوات العجاف التي سبقتها، وتفتح لنا بذلك آفاقا جديدة  لتحقيق أحلامنا وأحلام أبنائنا في عيش هنيء بكرامة وحرّية؟ أم أنّها ستحمل في طيّاتها ما يزيد في تعميق جراحنا وتيهنا وهواننا على الأمم الأخرى؟ 
لن نكون في صفّ المتشائمين ولا المتشائلين بل في طليعة المتفائلين، ولهذا فإنّنا نأمل أن تكون السّنة الميلاديّة الجديدة سنة خير وبركة على الجميع، تنتهي فيها معاناة الإنسانيّة بصفة عامّة ومعاناتنا نحن العرب والمسلمين بصفة خاصّة من الأوبئة والحروب المدمّرة والتناحر، وتُغلق فيها أبواب الصّراعات لتُفتح أبواب الحوار. وبهذه المناسبة يسرّ أسرة مجلّة الإصلاح أن تتقدّم بأحر التّهاني والأماني إلى قرّائها الأعزّاء خاصّة وجميع الناس عامّة، فكلّ عام وأنتم بخير.
مع هذا العدد أيضا نعيش الذّكرى الثانية عشرة لاندلاع الثّورات العربيّة من تونس وانتصار إرادة التّونسيين على أكثر الأنظمة العربيّة استبدادا وطغيانا. كانت ثورة شعبيّة عارمة غذّتها أحلام الشباب في حياة أفضل بكرامة وحرّية، لكنّ الأمور سارت عكس التيار المرغوب فيه، وبدأت شمعة هذه الثورة تضعف وتضعف حتّى انطفأت أو تكاد، لهذا فإنّنا نحيي هذه الذكرى وقد امتزجت الفرحة بالحزن والأمل بالألم نتيجة الأزمة الخانقة التي تعيشها كل الدّول العربيّة التي هبّت عليها نسائم الربيع العربي وأوّلها تونس. أزمة قد تعصف بما حُقّق من مكاسب - على قلّتها- خلال العشريّة الفارطة. 
نحتفل بالذكرى الثانية عشرة للثّورة وأيدينا على قلوبنا خوفا من انزلاق إلى نقطة اللاّعودة، نبحث في الآفاق عن قبس من نور يضيء لنا الطّريق من جديد بعد أن ساده الظّلام وعن بصيص من الأمل يخرج البلاد من غَيَابَاتِ الْجُبِّ الذي ألقتها فيه نخبها السياسيّة عن قصد أو عن غير قصد. 
لقد أخطأت النخبة الطريق منذ البداية، لهذا لن يكون من السّهل محو ما حدث في العشرية السابقة والعودة إلى نقطة الصفر للانطلاق من جديد، غير أن شمعة الثورة لم تنطفئ تماما، لهذا يبقى لدينا دائما بصيص من الأمل نتشبّث به لتغيير ما نحن فيه. سنواصل سعينا إلى تجنيب البلاد السّقوط الذي ليس بعده وقوف وذلك عبر الدّعوة إلى الحوار بين جميع التونسيين مهما اختلفوا، فالحوار لا يكون إلاّ بين المختلفين والمتصارعين، وبالحوار الهادئ الرّصين نستطيع أن نقرّب وجهات النظر ونتفق على خريطة طريق للنجاة وتجنّب الانهيار والفوضى لأنّ الحوار هو طريق العقل والتعقّل. وليس هناك طريق آخر غير الحوار، ومن يعتقد أنّه باستطاعته إيجاد الحلّ لوضع هذا البلد بإقصاء ذلك الطرف أو ذاك مهما كانت حجّته فهو واهم ... والتّاريخ خير معلّم لمن يريد أن يتعلّم.
وكلّ عام والشّعب التّونسي بألف خير ...وكلّ عام والشّعوب العربيّة كذلك ...