الأولى

بقلم
فيصل العش
في حتميّة الإصلاح الثّقافي(3) التّراث دافع للإصلاح وموجّه له
 بالتّقاطع مع النّقطة السّابقة، يحتلّ المخزون الثّقافي (التّراث)، وخاصّة المخزون الدّيني لمجتمعاتنا موقعا إستراتيجيّا ضمن خريطة المؤثّرات السّلبيّة والإيجابيّة الممكنة لعمليّة الإصلاح الثقافي. فماذا نقصد بالتراث؟ وعن أي مخزون تراثي نتحدّث؟ وماهي أسباب تخبّط النخبة في تعاملها معه وفشلها في جعله قوّة دفع نحو التقدّم والتنمية؟
(1) 
التراث هو الموروث الثقافي المادِّي والمعنوي، سواء كان مكتوبا أو شفويّا، رسميّا أو شعبيّا، الذي وصل إلينا من الماضي لكنّه في نفس الوقت حاضر فينا على العديد من المستويات. ويعرّفه المرحوم محمد عابد الجابري بأنّه «الجانب الفكري في الحضارة العربيَّة الإسلاميَّة: العقيدة، الشّريعة، واللّغة والأدب والفنّ، والكلام، والفلسفة، والتّصوّف»(1)، ويؤكِّد الجابري على خصوصيَّة هذا المفهوم في اللّغة العربيَّة دون اللّغات الأخرى بما يحمله من شحنة وجدانيَّة بقوله إنَّ التّراث هو «الموروث الثّقافي والفكري والدّيني والأدبي والفنّي، وهو المضمون الذي تحمله هذه الكلمة داخل خطابنا العربي ملفوفا في بطانيَّة وجدانيَّة أيديولوجيَّة لم يكن حاضرا في خطاب أسلافنا ولا في حقل تفكيرهم، كما أنّه غير حاضر في خطاب أيَّة لغة من اللّغات الحيَّة المعاصرة التي نستورد منها المصطلحات والمفاهيم الجديدة علينا» (2).
وهو كما يعرّفه الدكتور حسن حنفي : «التراث ليس قيمة في ذاته  إلاّ بقدر ما يعطي من نظريّة علميّة في تفسير الواقع والعمل على تطويره، فهو ليس متحفا للأفكار نفخر بها وننظر إليها بإعجاب، ونقف أمامها بانبهار وندعو العالم معنا للمشاهدة والسّياحة الفكريّة بل هو نظريّة للعمل، وموجّه للسّلوك، وذخيرة قوميّة يمكن اكتشافها واستغلالها واستثمارها من إجل إعادة بناء الإنسان وعلاقته بالأرض، وهما حجرا العثرة اللّتان تتحطّم عليهما كلّ جهود البلاد النّامية في التّطور والتّنمية» (3)
والتراث ينبض بالحياة إذ هو «ليس كما يتصوَّر البعض مسألة (متخفيَّة) يتمّ معها التعامل وفق نفس الظروف والطرائق التي ينقِّب فيها عن قبر من قبور الآراميين أو جدث من أجداث الفراعنة، وإنما هو اللّغة والأفكار والعادات والتّقاليد والأذواق والآداب والعلوم والفنون والعلاقات الاجتماعيَّة والمواقف النفسيَّة والرؤى الذهنيَّة للعالم والحياة» (4) إنّه بإيجاز مخزون نفسي عند الجماهير وجزء من الواقع ومكوناته النّفسيّة وهو في تفاعل مستمر مع تلك الجماهير.
يضرب التراث جذوره في أعمق مضامين الهويَّة الثّقافيَّة للمجتمع، وهو يزخر بمفاهيم وتصوّرات وأفكار وعقائد وأساطير وعادات وتقاليد وفلكلور ومثل ومبادئ وقيم تملك سلطة قويَّة على عقول الأفراد والجماعات التي تعجز عن مقاومة تأثيره عليها، وهو بذلك يشكل منطلقَ كل محاولة تجدّ في طلب الهويَّة وتأصيلها والمحافظة على بنيان المجتمع وكينونته الإنسانيَّة من جهة وتحقيق التّنمية والتقدّم من جهة أخرى.
لكنّ الدّارس لواقع الأمّة العربيّة الإسلاميّة ومنذ إصابتها بالانحطاط، يلاحظ التّخبّط الكبير الذي يعيشه المثقّفون في تعاملهم مع التّراث وفشلهم الذّريع في جعله قوّة دفع إلى الأمام وسلاح للتقدّم والرقيّ. فما هي أسباب هذا الفشل؟
(2) 
منذ استيقظت النّخبة العربيّة المسلمة من سباتها بعد أن أصابتها صدمة التحدّي الحضاري الغربي بجميع أشكاله ومختلف أبعاده، طُرح السّؤال التّالي: «كيف نتعامل مع تراثنا؟» وللإجابة على هذا السّؤال تفرّع المثقفون إلى أربعة اتجاهات: التّقليدي الدّيني والاستشراقي والماركسي، والتّوفيقي. 
تتّسم صورة الاتجاه التّقليدي بالطّابع الدّيني الماضوي، وغياب النّزعة النّقديّة الموضوعيّة، والارتكان إلى التّعامل اللاّتاريخي مع التّراث العربي الإسلامي؛ «يتعلّق الأمر هنا بالتّيار السّلفي في الفكر العربي الحديث والمعاصر، التّيار الذي انشغل أكثر من غيره بالتّراث، وإحيائه واستثماره في إطار قراءة ايديولوجيّة سافرة، أساسها إسقاط صورة  [المستقبل المنشود]، المستقبل الايديولوجي، على الماضي، ثمّ [البرهنة] - انطلاقا من عمليّة الإسقاط هذه - على أنّ [ما تمّ في الماضي يمكن تحقيقه في المستقبل]» (5)
نحن إذن، يقول الجابري رحمه اللّه:«أمام قراءة ايديولوجيّة جداليّة، كانت تبرّر نفسها عندما كانت وسيلة لتأكيد الذّات وبعث الثّقة فيها. إنّها آليّة للدّفاع معروفة، وهي مشروعة فقط عندما تكون جزءا من مشروع للقفز والطّفرة... لكنّ الذي حدث هو العكس تماما. لقد أصبحت الوسيلة غاية، فالماضي الذي أعيد بناؤه بسرعة قصد الارتكاز عليه للنّهوض، أصبح هو نفسه مشروع النّهضة. وهكذا أصبح المستقبل يُقرأ بواسطة الماضي، ولكن لا الماضي الذي كان بالفعل، بل الماضي كما كان ينبغي أن يكون. وبما أنّ هذا الأخير لم يتحقّق إلاّ على صعيد الوجدان، صعيد الحلم، فإنّ صورة المستقبل الآتي ظلّت هي نفسها صورة المستقبل الماضي. والسّلفي يحيا هذه الصّورة بكلّ جوارحه، ليس فقط كصورة رومنسيّة، بل كواقع حيّ ولذلك تراه يستعيد الصّراع الايديولوجي الذي كان في الماضي وينخرط فيه، منافحا ومناضلا» (6)
هذا التيار الذي يسمّيه الدّكتور حسن حنفي تيار«الاكتفاء الذّاتي بالتّراث»، يرى أنّ «تراثنا القديم حوى كلّ شيء ممّا مضى أو ممّا هو آت، وهو فخرنا وعزّتنا، وتراث الآباء والأجداد، علينا الرّجوع إليه ففيه حلّ لجميع مشاكلنا الحاضرة(...) فلا يتقدّم الحاضر إلاّ بالرجوع إلى الماضي»(7) ويرتكز هذا الرّأي على مقولات وأحاديث عديدة تمّ تأويلها بما يخدم هذا الفكر مثل «لا يصلح آخر هذه الأمّة إلاّ بما صلُح به أولها» (8) أو حديث: «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»(9) 
التيّار الثّاني الذي نعته الجابري بالاستشراقي وسمّاه الدكتور حسن حنفي بتيار «الاكتفاء الذّاتي بالجديد»، هو تيّار يعتمد على الفهم الخارجي لمفهوم التّراث، فالمثقّف الذي ينتمي إلى هذا التّيار ينظر إلى التّراث « من الحاضر الذي يحياه، حاضر الغرب الأوروبي، فيقرؤه قراءة أوروبّاويّة النّزعة،أي ينظر إليه من منظور مرجعيّة أوروبيّة، ولذلك فهو لا يرى فيه إلآّ ما يراه الأوروبّي»(10)، ومن ثمّ فهو يرى «أنّ التّراث القديم لا قيمة له بذاته، كغاية أو وسيلة ولا يحتوي على أيّ عنصر من عناصر التّقدّم، وبأنّه جزء من تاريخ التّخلّف أو أحد مظاهره، وأنّ الارتباط به نوع من الاغتراب ونقص في الشّجاعة، وتخلّ عن الموقف الجذري، ونسيان للبناء الاجتماعي الذي هو إفراز منه في حين أنّ الجديد علمي عالمي، يمكن زرعه في كلّ بيئة»(11) وتعكس هذه القراءة ذات الطّابع الاستشراقي والاستغرابي مدى التّبعيّة الثّقافيّة والفكريّة للغرب، وهي بذلك تخاطر بالوقوع في التّقليد، واستعارة تجارب سابقة وبالوقوع في العموميّة ونسيان الخصوصيّة. 
التيّار الثالث هو التّيار  الماركسي الذي يقرأ التّراث من وجهة نظر مادّية تاريخيّة أو في ضوء مقاربة ماركسيّة، تشتغل بدورها ضمن الرّؤية المركزيّة الأوروبيّة، وتمتاز هذه الصّورة عن الصّورة الاستشراقيّة «بكونها تعي تبعيّتها للماركسيّة وتفاخر بها، ولكنّها لا تعي تبعيتها الضّمنيّة للإطار نفسه الذي تصدر عنه القراءة الإستشراقويّة لتراثنا؛ إنّ الأحاديّة التّاريخيّة التي تحاول هذه الصّورة اعتمادها، كمنهج مطبّق وليس كمنهج للتّطبيق، مؤطّرة داخل إطار المركزيّة الأوروبّية، إطار عالميّة تاريخ الفكر الأوروبي، بل التّاريخ الأوروبّي عامّة، وإحتوائه لكلّ ماعداه، إن لم يكن على صعيد المضمون و الاتجاه فعلى الأقل، وهذا أكيد على صعيد المفاهيم والمقولات الجاهزة،… وهذا ما يجعل الصّورة الماركساويّة لتراثنا العربي الإسلامي تقوم هي الأخرى على الفهم من الخارج لهذا التّراث، مثلها مثل الصّورة الإستشراقويّة سواء بسواء»(12) 
التيّار الّرابع والأخير هو التّيار التّلفيقي أو كما أسماه د.حسن حنفي بتيار «التّوفيق بين التّراث والتجديد»، ويتجسّد موقف هذا التّيار في «الأخذ من القديم ما يتّفق مع العصر، وإرجاع الجديد لمقاييس القديم» (13)
يريد هذا التّيار أن يوفّق بين الاتجاه التّقليدي والاتجاه الاستشراقي بشقّيه اللّيبرالي والماركسي، وأن يستوعب مزاياهما ويتخلّى عن عيوبهما، لكنّ النتيجة فشل ذريع وقراءة هجينة تجمع بين متناقضين وإن كانا يتوافقان في سلفيتهما. تحدّث الدكتور حسن حنفي عن النخبة التي تشكّل هذا التيّار قائلا: «عبّر الكثيرون عن نواياهم للقيام بهذا الدور [يقصد دور التوفيق بين التراث والتجديد]، ولكن إعلان النوايا شيء وتحقيقها شيء آخر خاصّة لو تمّ ذلك بأسلوب خطابي. فإذا تمّ شيء فإمّا يتمّ لحساب القديم وبذلك يرجع إلى الموقف الأول [يقصد تيار الاكتفاء الذّاتي بالتّراث] وإمّا لحساب الجديد وبذلك يرجع إلى الموقف الثاني [يقصد تيار الاكتفاء الذّاتي بالجديد](14)  إذن كيف السبيل إلى تعامل سليم مع التّراث للاستفادة منه وجعله عنصرا إيجابيّا دافعا للتقدّم والرّقي، ونقطة انطلاق إيجابيّة لنهضة عربيّة حديثة ومعاصرة؟.
(3)
الاهتمام بالتّراث دراسةً ونقدًا من الضّروريّات الأساسيّة لأيّ عمل إصلاحي. والإصلاح الثّقافي النّاجح يجب أن يأخذ بعين الاعتبار التّراث الفكري الغزير والغنيّ، يحيي جوانبه المضيئة ويبرزها وينتقد جوانبه المظلمة ويفكّكها، قصد التّحرّر منها وتجاوز مخلّفاتها. يتطلّب ذلك قراءة جديدة للتّراث تقطع مع الفهم التّراثي له على رأي المرحوم د.عابد الجابري، «أي التّحرر من الرّواسب التّراثيّة في عمليّة فهمنا للتّراث، وعلى رأس هذه الرّواسب القياس النّحوي الفقهي الكلامي في صورته الآليّة اللاّعلميّة التي تقوم على ربط جزء بجزء ربطا ميكانيكيّا، والتي تعمل بالتّالي على تفكيك الكلّ وفصل أجزائه عن إطارها الزّماني المعرفي الإيديولوجي»(15) . الخطوة الأولى التي يجب القيام بها هي «قتل الماضي فهمًا» على حدّ تعبير الشّيخ أمين الخولي. يقول الرّفاعي في مقولة الشّيخ أمين الخولي: «وكأنّه يلمح بعبارته إلى أولئك المراهقين ممّن لا يكفّون عن التّبسيط، فيلبثون عند السّطح في فهمهم للتّراث، فيظنّون أنّ التّجديد يتحقّق فور نسيان القديم وتجاهله، بلا دراسة ودراية بمجالاته ومشاغله ومقولاته. مثلما يشير إلى أولئك الذين يعكفون على حراسة التّراث وتقديسه، فيُنبّه إلى أنّه ما لم تتحوّل وظيفتنا حيال التّراث، من حارس للتّراث إلى دارس فلا يمكننا الخروج من أنفاق الماضي وأن نكون معاصرين لزمننا.. وكلمة «قتل» تشي بأنّنا واقعون في شراك القديم شئنا أم أبينا، وتلك الشّراك لا تفتأ تتراكم باستمرار، فتحيطنا من كلّ جانب، ولا سبيل للإفلات منها من دون أن تتمّ غربلتها.. القتل هنا كناية عن الوعي الدّقيق العميق بمدارات القديم واستكشاف خرائطه، وفضاء تغلغل آفاقه في عصرنا» (16). 
المطلوب إذا نظر وتمحيص في تراث أمّتنا يقودنا إلى التّمييز بين ما هو «تراث فاعل»(17) و«تراث خامل»(18)و«تراث قاتل»(19) وهذه النّظرة لأقسام التّراث، لاتتّسم بالطّابع السّكونى وإنّما هى نظرةٌ حركيّة ديناميّة ، تعاود النّظر إلى التّراث فى ضوء مقتضيات الواقع وشروط صياغة النّظرة المستقبليّة .. وقد تستجدُّ فى وعينا وواقعنا أمورٌ تجعلنا نعدِّل من توزيع الأقسام، فربّما طرأ على الواقع عنصرٌ جديد، يجعل البحث فى جانبٍ معين من التّراث - نكون قد اعتبرناه تراثاً خاملاً- ضرورةً ملحّة وشرطاً لإحكام النّظرة الواقعيّة والمستقبليّة (20) .
إنّ التّراث هو دعامة أساسيّة للأمة ومكوّن رئيسي لهويّتها، وهو عامل من عوامل الوجود، «يشكل ثقلا نوعيا يمنع الجماعة من التحول إلى ورقة في مهب رياح الثقافات الواحدة ويعصمها من الجريان وراء كل بدعة ويحميها من محاولات طمس المعالم التي تميز الشخصيَّة العربيَّة المستقلة» (21) فبدون حضوره ضمن مشروع الإصلاح الثّقافي بالشّكل الذي يضمن الاعتزاز به لا يمكننا الحفاظ على ذواتنا وهويّتنا. فالأمّة التي تفقد تراثها تشبه الشّخص الذي فقد ذاكرته، لا يستطيع أن يستدلّ على بيته، فكيف يمكن أن يصنع مستقبلاً له؟ 
الهوامش
(1)  د.محمد عابد الجابري،  التراث والحداثة ، مركز دراسات الوحدة العربيَّة،ط2 ، بيروت ، 1999 ، ص 30. 
(2) نفسه، ص 23.
(3)  د.حسن حنفي، التراث والتجديد، المؤسسة الجامعيّة للدراسات والنشر والتوزيع الطبعة 4 1992، ص 13.
(4)  د.عماد الدين خليل ، موقف إزاء التراث ، مجلة المسلم المعاصر ، العدد التاسع ، ص 44.
(5)   د.محمد عابد الجابري، نحن والتراث ، المركز الثقافي العربي الطبعة 6 - 1993، ص 12.
(6)   نفسه، ص 13.
(7)  د.حسن حنفي، التراث والتجديد،مرجع سابق، ص 27.
(8)   هذا كلام الإمام مالك رحمه الله، والمعنى: أنّ أوّل هذه الأمّة صَلُح بالتّوحيد والقيام بأمر اللّه، وأداء حقّه والجهاد في سبيله، والإيمان باللّه وبرسوله، فهذا الذي صلح به أول هذه الأمة، وآخر هذه الأمّة لا يصلح إلا بهذا. كتاب شرح صحيح ابن خزيمة - الراجحي،ج9،ص 22.
(9)  رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
(10)  د.محمد عابد الجابري - نحن والتراث - ص 14 - المركز الثقافي العربي الطبعة 6 - 1993 
(11)  د.حسن حنفي، التراث والتجديد، مرجع سابق، ص 29.
(12)  د.محمد عابد الجابري ، التراث و الحداثة، دراسات ومناقشات، مركز دراسات الوحدة العربيّة، ط.1، 1991، ص 29
(13)  د.حسن حنفي، التراث والتجديد، مرجع سابق، ص 32.
(14)  د.حسن حنفي، التراث والتجديد، مرجع سابق، ص 31. 
(15)  د.محمد عابد الجابري - نحن والتراث - ص 21 - المركز الثقافي العربي الطبعة 6 - 1993 
(16) عبد الجبار الرفاعي، رائد الدرس الهرمنيوطيقي بالعربية الشيخ أمين الخولي، موسوعة فلسفة الدين 4: الهرمنيوطيقا والتفسير الديني للعالم، دار التنوير، ط1، ص 21.
(17) وهو ذلك الجانب من التراث الذى من شأنه أن يفعل، أو يمهِّد للفعل، فى حاضرنا ومستقبلنا .. فإذا كنا نعيش عصر العلم، ونتهيّأ لدخوله والمشاركة فيه، فإن التراث (الفاعل) فى هذه الحالة هوالتراث العلمى العربى (د. يوسف زيدان - التُّراثُ العرَبىُّ من التثقيف إلى المثاقفة - www.ziedan.com) 
(18) ونعنى به ذلك التراث الذى فقد أهميته مع مرور الزمن واختلاف الأحوال الحضاريّة، وإن كان له فى الماضى شأنٌ عظيم أدى إلى اتساعه .. لكنّه اليوم (خامل) بالنّسبة لمقتضيات العصر، ومثاله فى التّراث العربى تلك التّفاريع الكلاميّة (نسبةً إلى علم الكلام) الطّويلة التى لاتنتهى، والتى طال فيها الأخذُ والردُّ بين المتكلِّمين، حول مباحث كالإمامة وعلاقة الذّات الإلهية بالصّفات. (نفس المصدر) 
(19) ونعنى به ذلك الجانب من التراث، الذى يؤدّى إلى أذى بالغ ، بالتّكوين الفكرى والعلمى -والحضارى بوجه عام - لهذه الأمّة. ومن أمثلة ذلك الجانب (القاتل) من التّراث: فنون السّحر والشّعوذة والتّنجيم.. فهذا النّوع من التّراثيات من شأنه تخدير العقليّة المعاصرة والإلقاء بها فى متاهة الخرافة، ناهيك عن مباعدته لها عن الواقع والروح العلمية.(نفس المصدر)
 (20) فكتاب المدينة صار عَلَماً على الدولة المدنية الدستورية. وحديث السفينة صار علماً على المسؤولية المشتركة. وحلف الفضول صار عَلَماً على عهد عالمي جديدٍ لمكارم الأخلاق. (نفس المصدر)
(21) محمد قرانيا ، التراث والأصالة المعاصرة، مرجع سابق، ص3.